”فـــــــلــســــفــة المــواجــهــة وراء الـــقـــضـــبــــــان”

بقلم: مهند طلال الاخرس

 

”فلسفة المواجهة وراء القضبان”، كتاب من تأليف محمود فنون عام 1978م، تمّ نشره عام 1982 ويقع على 252 صفحة من القطع الصغير.


 الكتاب يستعرض أساليب العدو في التعذيب وانتزاع الاعتراف وسبل المقاومة والمجابهة والصمود؛ لذا فالكتاب في مضمونه يستهدف تثقيف المناضل الفلسطيني بأساليب التحقيق المختلفة، ويوجهه بطرق الرد عليها من أجل تحصينه ليصمت ويصمد في التحقيق ولا يبوح بأسرار الثورة والثوار ولا يتعاون مع العدو الصهيوني.
في الكتاب تجد أن المحقق هو الذي يجسّد العدو الصهيوني، والاحتلال بكافة صوره البشعة والخارجة عن المألوف والبعيدة كل البعد عن الصفة الإنسانية والأخلاقية، وبالمقابل تجد على الطرف الآخر من المعادلة المناضل الفلسطيني وأنصار قضيته من شتى البلدان والأصقاع، الذين يبدعون ويبتدعون كل يوم طرائق ووسائل جديدة في مقارعة السجن ومواجهة السجان.
وباستعراض صفحات الكتاب نجد أنّ المناضل بالأساس استحق هذا اللقب عن جدارة لأنّه يناضل ضد كل الوجود الصهيوني بكافة أشكاله، فإذا صمد المناضل يصون نفسه وغيره، ويصون أسرار الثورة والمناضلين، أما إذا أطلق العنان للسانه فإنّه يؤذي نفسه ويساهم في تدمير بنى الثورة وتمزيق جسدها وتفتيت عضدها، وهذا كله حتما يقود إلى الهزيمة وتأخر الساعة التي تؤذن لميعاد النصر.
أوضح الكتاب نظرية الصراع في الأقبية، ودور كل طرف من أطراف الصراع فيها، وبرهن إمكانية انتصار المناضل منفردا على كل طواقم التحقيق الفاشية مهما كانت درجة فاشيتها في التحقيق، ورغم التعب، ولأنّ لا أحد فينا يستطيع الاستراحة أثناء المعركة.
كان لا بد لهذا الكتاب أن يأخذ طريقه الى الحياة؛ وأن ينوب عنّا في ممارسة الدور الذي لم تمهلنا ظروف المعركة وطول أمدها عن التجهيز المسبق لها، فنحن شعب تعلّم الحرب بالحرب، وتعلّم أساليب المواجهة وراء القضبان خلف القضبان، لكن ثلة من الرواد الأوائل ومنهم كاتب هذا الكتاب تنبّهوا لمثل هذا الأمر الخطر، فكان هذا الكتاب الذي شكّل باكورة أدبيات السجون، وأصبح مادة تثقيفية وتنظيمية لا غنى عنها في إعداد وتجهيز المناضلين.
وعن الكتاب ومناسبته وأسبابه يقول الكاتب: “بعد تجربة طويلة مع التحقيق لثلاث مرات اتّصفت بالقسوة، وبعد الاستماع الى مئات التجارب الشخصية من المعتقلين عن كيفية ممارسة التحقيق معهم ونتائج هذه الممارسة.
وبعد ملاحظة نتائج التحقيق على الثورة الفلسطينية، حيث كانت تتلقى الضربات القوية والمتلاحقة نتيجة للاعترافات المتسلسلة، ونتيجة لنقاشات في السجون وتجارب العديدين الذين حاولوا تقييم تجربتهم الخاصة أو الحكم على تجربة غيرهم. نتيجة لكل هذا صغت ما أسميته نظرية الصراع في الأقبية، وأكملت الكراس وكنت أنوي إعطاءه هذا الاسم وظننت أن هكذا تسمية مناسبة..”.
ويضيف الكاتب: “تحرّرت من السجن عام 1978، وأخذت أسعى للحصول على المادة من داخل السجن، حيث تمكّن الرفيق رشيد الجعبري من نسخ المادة على ورق شفاف ناعم وورق السجائر، وتمّ تحويل هذه الأوراق إلى كبسولات بطريقة تسهل من عملية تهريبها خارج السجن وهكذا كان”. في عام 1982 أعدت صياغة المادة وأجريت تصويبات عليها، واقترح الرفيق أحمد قطامش التسمية الجديدة “فلسفة المواجهة وراء القضبان”، والتي أصبحت عنوان الكتاب فيما بعد، حيث كان قد سبق وأن تم نشر الكتاب في باديء الأمر بدون الاسم والناشر باسم “أوراق حمراء”.
وبعد إعادة الصياغة وإجراء التصويبات كتب له أحمد قطامش تقديما مسهبا يعتبر جزءا أساسيا من الفكرة حيث جاء في مطلعها: “إن الثوريين يحبون الحياة، وهم لذلك لا يتردّدون في المخاطرة بحياتهم كي يصنعوا حياة حرة كريمة لشعوبهم، فالحياة الذليلة الخاضعة للقيود والقمع والاستغلال ليست حياة، إنما هي وجود بائس مزري يتعين تغييرها.
والثوريون الأقحاح هم أولئك المرشّحون لهيئة أركان تغييرها وقلب معادلاتها. وفي خضم نضالهم لقلبها يتعرضون ويُسامون بأبشع صنوف التعذيب والقهر في محاولة من السلطات القهرية لكسر إرادتهم وتفريقهم وتيئيسهم. ولكنّهم وهم المشدودون للمستقبل والمرتكزون إلى حقائق العصر يثابرون في نضالهم لا يلوون على شيء، فهم مقتحمو السماء وصناع المستقبل.
ويتساقط في العادة من صفوف القوى الثورية العناصر الوسطية قصيرة النفس في ظروف ومحطات مختلفة. وأهم محطة يناقشها هذا الكراس هي محطة الاعتقال والتحقيق بوصفها محطة مكثفة يتمركز فيها الصراع بين القديم والجديد، بين الحرية والعبودية، بين الأمل وأعداء الأمل، بين الثورة والثورة المضادة.
وفي السياق العام، تصمد الحركات الثورية أمام آلة القمع السلطوية، ويصمد مناضلوها، ويسجّلون مواقف مشرفة تليق بهم كثوريين. ومنهم من يقضي شهيدا نقي الضمير دون أن يخون رفاقه في أقسى الظّروف وأحلكها. وهذا أمر طبيعي ومتوقع من الطلائع السياسية ومؤيّديها، ويتراكم الصمود ويتنامى في تراث الحركات الثورية والشعب، ويبنى طوبة تلو طوبة في نفسية المناضلين ليأتي يوم يُمسي كل مناضل فيه عصي على الكسر….”.
بقي أن نقول إنّه كتاب من العدّ ة والعتاد الواجب التسلح به، مثله مثل البندقية والرصاص، فنحن نعيش على وقع تاريخ كتب بدمائنا يذكرنا دوما أنّنا فلسطينيّون!!!

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19761

العدد 19761

الأربعاء 30 أفريل 2025
العدد 19760

العدد 19760

الثلاثاء 29 أفريل 2025
العدد 19759

العدد 19759

الإثنين 28 أفريل 2025
العدد 19758

العدد 19758

الأحد 27 أفريل 2025