«فخ” المرور الآمن يتطلّب الوعي، الحيطة والحذر
“رفع الحجر الصحي لا يعني نهاية الوباء”..الحقيقة السّاطعة الواجب عدم تناسيها حتى لا نفقد استقرار الوضعية الوبائية في الجزائر، حقيقة أخذ الكثير من المواطنين نصفها الأول، كخطوة للعودة الكلية إلى حياة طبيعية بعيدا عن رُهاب الإصابة بعدوى فيروس كورونا، بالرغم من أنّ يومياتنا لم تعد نفسها بعد انتشار الوباء عبر مختلف دول العالم، مسبّبا ملايين الإصابات والوفيات، لذلك كان من الضروري ضمان عبور آمن من وضعية وبائية استثنائية إلى أخرى طبيعية تستمد صفتها من التعايش مع الوباء.
لما يقارب السنتين، رسم منحنى الإصابات بكوفيد-19 بين صعود ونزول الوضعية الوبائية في الجزائر، عاش المواطن الجزائري خلالها فترات مختلفة بين التزام تام بالإجراءات الوقائية والتدابير الاحترازية، والتراخي الذي كان الخطوة الممهّدة للموجتين الثانية والثالثة، لذلك على الجميع أن يعي أن الالتزام بالإجراءات الوقائية والتلقيح هما أهم عاملين في كتابة آخر فصل من أزمة صحية استثنائية.
تعليق حذر
اعتبر المختصّون والخبراء إعلان الحكومة لرفع الحجر الصحي قرارا منطقيا بالنظر إلى استقرار الوضعية الوبائية التي تناقص عدد الإصابات الجديدة بكوفيد-19 إلى أقل من ثمانين إصابة في الـ 24 ساعة، ما استدعى إعادة النظر في الحجر الصحي الذي بقي مطبقا الى غاية يوم أول أمس الثلاثاء على 23 ولاية، فكان رفعه عن ولاية البليدة في 28 سبتمبر الماضي خطوة إيجابية استبشر بها المواطنون والمختصون خيرا، خاصة وأن الولاية كانت أول بؤرة لانتشار المرض في مارس 2020.
وبين من يعتبره رفعا كليا للحجر الصحي إيذانا بالعودة إلى الحياة الطبيعية، يرى بعض المختصّين أنه رفع مشروط للحجر الصحي أو تعليق له بعد الإبقاء على التدابير الوقائية الأخرى لمدة 21 يوما بداية من يوم أمس، من خلال تمديد الإجراءات المطبّقة على الأسواق العادية والأسواق الأسبوعية، وكذا تعزيز جهاز الرقابة من طرف المصالح المختصة بغرض التحقق من مدى التقيد بتدابير الوقاية والحماية وتطبيق العقوبات المقررة.
إلى جانب تمديد الحكومة لإجراء منع كل أنواع تجمّعات الأشخاص والاجتماعات العائلية، لاسيما حفلات الزواج والختان وغيرها، وتمديد الإجراء المتعلق بالسحب النهائي لرخصة ممارسة النشاط بالنسبة لقاعات الحفلات التي تنتهك المنع المعمول به، وهو ما يعكس إصرار الحكومة واللجنة العلمية لمتابعة ورصد تفشي وباء كورونا على توضيح أنّه رفع مشروط بالالتزام بالإجراءات الوقائية والتدابير الاحترازية، ما يعني أنّ الحقيقة الوحيدة التي يمكن استخلاصها من هذه الخطوة المتخذة من طرف الحكومة هو أنّ الوباء باق ولم ينته بعد.
دون إغفال دور الإجراءات الوقائية في الحد من فرص دخول الجزائر في موجة رابعة شهر نوفمبر القادم، خاصة وأنّ العديد من المختصّين متخوّفون منها بسبب حالة التراخي والاستهتار أو اقتناع الكثير من المواطنين بتلاشي الوباء حتى قبل اتخاذ قرار رفع الحجر الصحي.
لا بد من الإشارة هنا، إلى أنّ القرار اتّخذ بعد دراسة ومتابعة مستمرة للوضعية الوبائية للجزائر، فكان الإقبال الكبير على التلقيح عاملا محفّزا ومطمئنا، ساهم بشكل كبير في استقرار الوضع الوبائي، فعلى الأقل تمّ تسجيل انخفاض عدد الحالات الحرجة بعد الإصابة بفيروس كورونا أو سلالته المتحوّرة التي كانت “دلتا” أبرزها وأشدّها وطأة على المواطن نهاية شهر جوان وجويلية الماضيين.
فقد أعلنت الوزارة الوصية في وقت سابق، أنّ أكثر من 11 مليون شخص تلقّوا اللقاح ضد كورونا، بينما تلقّى ما يزيد عن الـ 5 ملايين الجرعة الثانية منه، وهو عدد ضعيف مقارنة بنسبة 70 بالمائة من المواطنين لبلوغ مناعة جماعية تكون الدرع الواقي ضد شراسة وقوة وباء كورونا وطفراته المتحوّرة.
1928..الشيفرة
يُرجع الكثير من المختصّين تسارع إقبال المواطنين على التلقيح إلى 1928، الرقم الشيفرة الذي أرعب الجزائريين، ففي الـ 28 جويلية الماضي تمّ تسجيل 1928 إصابة جديدة في الـ 24 ساعة، كانت الصدمة موجعة انعكست إيجابا على حملة التلقيح، حيث عرفت إقبالا متزايدا على مراكز التلقيح من أجل أخذ الجرعة الأولى منه، ما ساهم في انخفاض تدريجي في عدد الإصابات وعدد مرضى كوفيد-19 في حالة حرجة، بالإضافة إلى تنازل عدد الوفيات من خمسين حالة إلى حالة وفاة واحدة في الأسبوع الجاري.
لذلك كانت ذروة الموجة الثالثة التي شارفت على الـ 2000 إصابة في اليوم الواحد منعرجا مهما في الوضعية الوبائية، فيمكن اعتبار المتحوّر “دلتا” الصفعة التي أيقظت في المواطن الشعور بالمسؤولية اتجاه مجتمعه، فقدان العائلة الواحدة لأكثر من فرد من أفرادها مرة واحدة، كان بمثابة الضّربة الموجعة التي ساهمت في خروج الجزائر من عنق الزجاجة، وبلوغها مرحلة رفع الحجر الصحي حتى وإن كان مشروطا.
لكن لعبت الإشاعة كما كانت دائما دورا مهما في عرقلة حملة التلقيح التي انطلقت أواخر شهر جانفي من السنة الجارية، فقد أثيرت الكثير من القلاقل حوله، خاصة وأنّ العالم عرف معركة طاحنة بين المخابر من أجل الاستحواذ على السوق العالمية، فبين تلقيح 25 إلى 30 مليون شخص من أصل 45 مليون نسمة لم يبلغ عدد الملقّحين في الجزائر سوى 11 مليون فقط، عدد يعتبره المختصون بعيدا عن الهدف المنشود، ما يجعلنا بعيدين عن المناعة الجماعية أو ما يعرف بمناعة القطيع.
لذلك، دعا وزير الصحة عبد الرحمن بن بوزيد، بحر هذا الأسبوع، المواطنين إلى الاقبال على مراكز التلقيح من أجل تعزيز المناعة الجماعية ببلوغ نسبة 75 بالمائة، معتبرا جرعة اللقاح بمثابة الدرع الواقي ضد فيروس كورونا وسلالاته المتحورة، فقد وفّرت الدولة
«10 ملايين جرعة من اللقاح، كما سيتم قريبا الحصول على 3.6 ملايين جرعة جديدة، اضافة الى توفر الانتاج الوطني من اللقاح”. في المقابل، ذكّر بضرورة التحلي بالحيطة والحذر اتجاه الالتزام بالإجراءات الوقائية والتدابير الاحترازية لأنّها السبيل للبقاء بعيدا عن دائرة الخطر وخارج سلسلة العدوى.
المرور الآمن
الانتقال من مرحلة استثنائية بالعودة إلى ما كنّا عليه قبل إعلان حالة الطوارئ الصحية في مارس 2020، يستدعي من الجميع تحمّل مسؤولياته اتجاه الآخر لأنّه السبيل للمحافظة على المكاسب الصحية التي سجّلتها الجزائر على مستوى الوضعية الوبائية، ولن يكون الأمر متعلقا بعبء مالي ثقيل على كاهل المواطن بل هو مجرد سلوكيات يومية أضحت منذ ما يزيد عن السنة والنصف أحد أهم إجراءات السلامة للفرد والمجتمع.
يكفي ماء وصابون، وتباعد اجتماعي والامتناع عن الذهاب إلى التجمعات، والتزام القناع الواقي حتى يبقى كل واحد منا بعيدا عن العدوى، وإن حدثت الإصابة سيكون اللقاح مانعا قويا أمام تعقيدات الحالة الصحية للمصاب بالفيروس، هي ثقافة صحية تفاصيلها بسيطة في متناول الجميع تحولت مع ما عشناه في الأزمة الصحية الاستثنائية الى “طوق نجاة” يجب أن يتحول الى منعكس “لا شرطي” بعيدا عن الاستهتار والتراخي.
لا يجب أن ننسى أن اللامبالاة كانت سببا مباشرا في موجة ثانية وثالثة، لذلك على الجميع الالتزام بحس المسؤولية من خلال التزامه التام بالإجراءات الوقائية، لأن العودة الى الحياة الطبيعية أصبح مستحيلا بعد الجائحة المستجدة، فقد غيّرت الكثير من مفاهيمنا الإنسانية اتجاه الآخر كفرد ومجتمع، لذلك سيكون ضمان مرور آمن الى المرحلة القادمة مهمة يتحملها الجميع دون استثناء، فالبروتوكولات الصحية ما زالت تحت قيد التطبيق، ولا يمكن تجاوز احترامها سواء في مؤسسات العمل أو التعليمية أو المساحات والفضاءات الكبرى.
نتائج مطمئنة
يؤكّد المختصّون أنّ تزامن الوباء مع فترة الأنفلونزا الموسمية غالبا ما يكون سببا في اختلاط الأمر على المريض، فالتخوف الدائم من الإصابة يجعل من كل شخص يعاني سعالا أو التهاب اللوزتين يربط هذه الأعراض بالأنفلونزا الموسمية او الزكام، ما يشكّل خطرا على ضوء وجود وباء فيروسي تتداخل أو تتشابه أعراضه معها، لذلك على الجميع الحذر وأخذ الاحتياطات اللازمة من خلال إجراء اختبار كوفيد-19 في حالة الاشتباه في إصابة الشخص.
لذلك ينصح الأطباء المواطنون بأخذ لقاح الأنفلونزا الموسمية حتى وإن كانوا ممّن تلقّوا جرعة اللقاح ضد فيروس كورونا، لتكون وقاية لهم من أي حالة تراخي قد تكون سببا في مضاعفات خطيرة، وحتى نتفادى كمجتمع موجة رابعة منتظرة شهر نوفمبر الداخل، فقد “أظهرت دراسة بريطانية أنّه ليس هناك أي ضرر في تلقي لقاح كوفيد-19 ولقاح الإنفلونزا في نفس التوقيت أو في نفس الفترة، حيث أنّ ذلك لا يؤثر سلبا على الاستجابة المناعية التي ينتجها أي منهما”.
فمع اقتراب فصل الشتاء، “يتهافت الناس عادة على تلقي اللقاحات ضد الأنفلونزا التي تكثر الإصابات بها خلال هذا الموسم، إلا أن مجيء كورونا خفّف من هذا الإقبال، كما دفع العديد من الأشخاص إلى التردد في مزج اللقاحين معا، غير أن النتائج العلمية أتت بنتائج مطمئنة”، لذلك لن يكون صعبا الخروج بنجاح من الفترة الانتقالية من الوضعية الاستثنائية إلى الطبيعية خلال الـ 21 يوما القادمة.