عندما يثار النقاش بشأن الأعراض الجانبية للقاحات كورونا، فإن ما يستأثر بالاهتمام هو المضاعفات التي تشمل ارتفاع درجة الحرارة أو حتى الآلام والتورمات، لكن قلما يجري الانتباه إلى عارض «مختلف» برز بشدة، خلال الآونة الأخيرة وهو التفاوت الصارخ بين الدول المتقدمة والبلدان النامية.
وبحسب صحيفة «نيويورك تايمز»، فإن الدول الغنية اشترت لنفسها الحصة الأكبر من شحنات اللقاح المتاحة، بينما وجدت الدول النامية وهي التي تشكل أغلبية سكان العالم، نفسها في بحث مضن لأجل تأمين ما يكفي من الجرعات وكبح تفشي الوباء.
ويضيف المصدر أن هذا التوزيع غير المتكافئ للقاح ربما يزيد من عمق التفاوت الاقتصادي بين الدول، مستقبلا، والسبب أن الدول الفقيرة ستعاني مزيدا من الضغوط على مواردها المحدودة أصلا، بينما ستتفاقم ديونها والتزاماتها تجاه كل من الولايات المتحدة وأوروبا والصين. لكن هذه المعضلة، أي التفاوت، ليست بالأمر الجديد، لأن العالم يعاني هذا التباين منذ عقود، سواء تعلق الأمر بخدمات الصحة أو بالتعليم والكهرباء والماء الصالح للشرب والحصول على خدمات كثيرة حيوية.
أما بعد جائحة كورونا، فالمرجح أن يزداد الأمر سوءًا، كما أن أمد الحياة قد يتراجع أيضا، فيما كان قد تحسن في وقت سابق بفضل برامج دعم صحي، تم تمويل بعضها من قبل مانحين ومؤسسات دولية.
وقال مدير قسم العولمة واستراتيجيات التنمية في مؤتمر منظمة الأمم المتحدة للتجارة والتنمية بجنيف، ريتشارد كوزول، إنه من الواضح أن الدول النامية، لاسيما الأشد فقرا منها، ستجدُ نفسها غير قادرة على الوصول إلى اللقاح لبعض الوقت.
وأضاف أن المفترض من حيث المبدأ، أن تكون اللقاحات مادة عالمية، أي متاحة للكل، لكن الواقع أنها تقع في أيدي شركات الأدوية الكبرى والاقتصادات المتقدمة.
وفي وقت سابق، تعهدت عدة دول غنية بأن تقدم دعما للدول النامية، سواء تعلق الأمر بمنح معدات طبية أو عبر الإمداد بشحنات من اللقاح، لكن الحكومات الغربية لم تترجم وعودها إلى مساعدات مالية سخية حتى الآن.
ومن بين الأمثلة على محدودية هذه المبادرات الدولية، تأتي شراكة «أكت أكسيليتر»، التي وعدت بمساعدة الدول النامية، وتتعاون فيها كل من منظمة الصحة العالمية ومؤسسة «بيل وميليندا غيتس» إلى جانب منظمات أخرى. وجمعت هذه المنظمة أقل من 5 مليارات دولار بينما كان الهدف هو تأمين 38 مليار دولار لأجل مساعدة الدول النامية على مواجهة الوباء.
وفي مسعى إلى تأمين ما يكفي من اللقاحات، اقترحت دول نامية في طليعتها الهند وجنوب إفريقيا، أن تساهم في زيادة تصنيع اللقاح، لكن هذا الأمر يحتاج إلى إذن من الشركات، نظرا إلى وجود حقوق الملكية الفكرية.
وتم رفض هذا المقترح، بينما كان الطلب المقدم من الهند مستندا بالأساس إلى أن الظرف الحالي في العالم يتسم بـ»الاستثنائية»، لأننا نواجه وباءً شرسا، وفي مثل هذه الحالات، يمكن لمنظمة التجارة العالمية أن تتحرك لأجل هذا الإعفاء، وهو أمر لم يحصل ولم يحظ بالموافقة.
في المقابل، يقول رافضو الإعفاء، إن شركات الأدوية تقوم بعمل جبار وتنفق على البحوث وتطوير اللقاح وتدفع أجورا لجيش كبير من العلماء، وبالتالي، ليس من الإنصاف أن تتخلى عن عوائدها، لأجل المساعدة، لأنها ليست مؤسسات خيرية، أما المطلوب فهو أن تبادر الحكومات والمؤسسات في الدول الغنية إلى مساعدة البلدان النامية على تجاوز الجائحة.
سكاي نيوز عربية