سرطان الثدي على طاولة الجراحة

أنوثة المرأة بين «مشرط» الاستئصال وإقصاء المجتمع

فتيحة كلواز

بعيدا عن لغة الأرقام والإحصائيات الرسمية لن يكون سرطان الثدي مجرد معلومات طبية بين أعراض، آثار جانبية ووقاية، بل هو قصة إنسان تروي تفاصيلها يوميات نساء أصبنّ بداء ظاهره إصابة في الثدي لكن باطنه يعكس نظرة اجتماعية قاصرة للمرأة، لا تسمح بالخروج من نمطية الصورة التي ترسمها كائنا كاملا غير منقوص، ننتقل اليوم بيت تفاصيل السرطان الذي ارتبط باللون الوردي تفاؤلا بغد أفضل لكل امرأة عبر العالم.

شعور مدمر ذاك الذي يسيطر على المرأة خوفا من مستقبل مجهول بسبب حاضر مترنح تتلاعب به اعراف وتقاليد ونظرة دونية لامرأة بمرتبة أنثى، سرطان الثدي غالبا ما يكون منعرجا خطيرا تتحول فيه الحياة من صورة إلى أخرى، وامتحانا صعبا لرجل خلق سندا للمرأة وكذا نقطة فاصلة بين حب ونَبذ، «روفيدة» واحدة ممن وجدن أنفسهن أمام نكران وطلاق فقط لأن المرض توغل إلى جسدها.

«روفيدة»...وحقيقة الألم

لم يتعد سنها الأربعة والثلاثين سنة عندما اكتشفت إصابتها بسرطان الثدي الذي تحول إلى منعرج حاسم ومهم في حياتها خاصة وأنها لم تستطع إخبار زوجها لكونها المرأة الفريدة والمتميزة في نظره، فكيف تصبح السبب في تمزيق هذه الصورة لتتحول إلى مجرد ؟؟؟؟»أنفاذ» امرأة.
«روفيدة» واحدة من نساء عانين ويعانين في صمت بسبب إصابتهن بسرطان الثدي الذي مازال في عرف المجتمع الجزائري واحدا من الأمراض التي تمس المرأة في كينونتها كأنثى، فمعايير الجمال وإن كانت نسبية يبقى اكتمال جسمها مقياسا مهما في وضع تعريف للأنثى، ورغم أنها تزوجت عن حب إلا أن الرابطة الروحية التي جمعتها مع «توأم روحها» لم تستطع الصمود أمام الرابط المادي الذي يجمعها به، و»النقص» الذي «مسّها» بسبب استأصال ثديها ما اضطرها إلى الخروج «عنوة» من حياته لأنه «الزوج» لا يقبل بأقل من «امرأة».
 بدأت قصة «روفيدة» عندما شعرت بألم وانتفاخ تحت إبطها حاولت تجاهله كثيرا لكنها في نهاية الأمر قررت استشارة الطبيب لتتأكد بعد إجراء التحاليل والأشعة إصابتها بسرطان الثدي، كان وقع الخبر عليها مهولا وقويا لدرجة عدم امتلاكها الشجاعة لتخبر زوجها عن مرضها، فكيف لتلك السيدة التي كانت بالنسبة له الأفضل والأجمل أن تكون أقل شأنا من الأخريات لأن صورتها كأنثى اهتزت وأصبحت مجرد امرأة في انتظار استخراج شهادة وفاتها.
ورغم أن زوجها لاحظ تغير سلوكها إلا أنه لم يفكر يوما أنها تخفي عنه مرضها الذي حاولت بكل قوتها إبعاده عن كل ما يمكنه كشف إصابتها له، لكن الوصول إلى مرحلة العلاج الكيميائي جعل من هذه المهمة صعبة بل مستحيلة، فالآثار الجانبية من غثيان وتقيؤ وتعب ووهن في الجسم، فضح ما حاولت إخفاءه لشهور كاملة، فعلم الزوج وكل عائلته التي كانت تعيش معها، لتنتقل «روفيدة» إلى جزء مهم من قصتها مع سرطان الثدي.
حاول الزوج جمع تفكيره وقوته للوقوف إلى جانب زوجته التي كانت بالنسبة له على مدى أربع سنوات من الحياة الزوجية نصفه الذي لا يكتمل بدونه، لكن الحب الحقيقي من يصمد أمام العثرات والصدمات، لذلك كان في البداية يشجعها ويؤازرها، لكن قناعة الأطباء بضرورة استئصال الثدي وضع كل ما مر بينهما في كفة والقادم في كفة أخرى، ليختار في الأخير طلاقها وتركها وحيدة تحارب في معركتها مع المرض، خاصة وأن والدته وكل عائلته ساندته ودعمته حتى يتركها ويبدأ حياة جديدة مع امرأة أخرى تستطيع منحه حياة زوجية طبيعية بلا منغصات؟؟.
وبالفعل عادت «روفيدة» إلى أهلها أين وجدت الدعم النفسي الكافي لتقبل كل تبعات استئصال الثدي وكل الألم الذي سببه لها المرض، لكن معاملتها بشفقة جعلها تبحث عن شقة للكراء فقط حتى لا ترى الموت في عيون كل من حولها وسلوكياتهم التي كانت تقول وإن لم تملك لسانا لتنطق بها « ستموتين لا محالة، مسكينة ستفقد حياتها في عمر الزهور» أو تلك الملاحظات المزعجة التي طالما كانت كالوخز بالإبر كـ» ما بك باهتة، أنت شاحبة، ربي معاك»، كانت دائما في انتظار من يقول لها» لله ما أعطى وله ما أخذ».
هذي التفاصيل الدقيقة التي غالبا ما يغفل عنها الكثيرون كانت سببا في تأزم الحالة الصحية لـ»روفيدة» ما تطلب نقلها للمستشفى وبقاءها فيه لأكثر من ثلاثة أشهر احتاجت خلالها إلى تكفل نفسي كبير لتستطيع الخروج من حالة الاكتئاب وعدم الاستجابة للعلاج، وكان لتدخل أحد الأطباء أكبر فضل في ذلك، فقد عرفها على زوجته التي كانت تعاني نفس حالتها وسمح لها بزيارتها ما أعطاها أملا في غد أفضل زرع داخلها قبولا للذات ولجسمها.
قالت «روفيدة» عندما سألتها «الشعب» عن سرطان «الثدي» إنه مرض جعله المجتمع بعبعا تخافه الكثير من النساء، فالصورة النمطية للمرأة في مجتمع جعل منها القاعدة التي لا يكتمل دونها أي بناء اجتماعي، وربطها بصورة المرأة المكتملة جسديا وعقليا جعل من مرضها خطا أحمر سيقلب تجاوزه حياتها رأسا على عقب حتى وإن كان رغما عنها.
ولن يكون الحديث عن سرطان الثدي بعيدا عن رأي الأطباء الذين يشرفون على الحالات المرضية على اختلاف مراحل تطور المرض، لذلك سالت «الشعب» الطبيب محمد كواش عن هذا الورم الذي يصيب المرأة.

الطبيب محمد كواش:
 الخجل والجهل سببان  مهمان في تأخر العلاج
اعتبر الطبيب محمد كواش، سرطان الثدي مرضا خطيرا وقاتلا ومن أهم أسباب الوفيات عند النساء وفي الجزائر حيث يتم تسجيل أكثر من أربعة عشر ألف حالة سنويا، فنظرا لخطورته خصصت المنظمة العالمية للصحة شهر أكتوبر للوقاية من هذا المرض، أو ما يعرف بالشهر الوردي، كما يعتبر سرطان الثدي مرضا خبيثا وثقيلا نتيجة طول العلاج بفعل سهولة انتشاره للأعضاء المجاورة للثدي ولهذا فإن الوقاية منه تعتمد على التشخيص المبكر من خلال الفحص الذاتي والمراقبة الطبية والفحص بالأشعة «ماموغرافي» على الأقل مرة كل سنتين.
وتعتمد الوقاية منه على الثقافة الصحية للفتاة والمرأة من خلال الفحص الذاتي للثدي وذلك بمراقبة أي خلل في لون وحجم وشكل الثدي أو ظهور شقوق أو سيالان غير عادي أو كتل أو أكياس داخل الثدي أو تحت الإبط، وإن اكتشفت أي خلل يجب التوجه مباشرة إلى الطبيب للقيام بالفحوصات والتحاليل المناسبة. وليعلم الجميع أن الأورام التي تصيب الثدي أغلبها حميدة وتقدر بـ 85 بالمائة و15بالمائة المتبقية أورام خبيثة، لذلك يعتبر أي تأخر في تشخيص الأورام الحميدة سببا في تحولها إلى خبيثة حيث يتسبب انتشاره في الجسم بالوفاة في بعض الأحيان.
وكشف كواش أن علاج أورام الثدي يبدأ بالدواء ثم العلاج الكيماوي أو بالأشعة أو الجراحة في بعض الأحيان، ويمكن الاستمرار في العلاج الكيمياوي أو الإشعاعي في الحالات المعقدة، موضحا ان الإصابة بداء السرطان ليست نهاية العالم فكثير من النساء يعشنّ بثدي واحد بعد الجراحة ويمارسن حياتهنّ بشكل طبيعي. حيث تعتبر الذهنيات القديمة وغياب الثقافة الصحية من أهم أسباب التأخر في علاج سرطان الثدي بفعل الخجل والجهل، فأغلب الحالات التي تستقبلها المستشفيات في الجزائر متقدمة من حيث الخطورة بصفة خاصة في المناطق الداخلية والأرياف.
ولاحظ في هذا الصدد أن أسباب الإصابة بسرطان الثدي تبقى مجهولة على العموم، مع وجود عوامل مساعدة منها الجانب الوراثي، التعرض للأشعة، التدخين، النوم على الصدر، النوم بحمالات الصدرية، استعمال حملات صدرية موجود فيها معادن وأسلاك كثيرة، الزواج والإنجاب المتأخر، الامتناع عن الرضاعة الطبيعية واستعمال حبوب منع الحمل دون استشارة طبية.

التكفل النفسي ضروري ومهم

أكد الطبيب محمد كواش على أهمية التكفل النفسي للمرأة المصابة بسرطان الثدي لعدة أسباب من بينها مساهمة الدعم والتكفل النفسي في الاستجابة السريعة للعلاج والتعافي ما يعني عودة المرأة الى حياتها الطبيعية، ويكون ذلك من خلال التعاون بين المريضة، والطاقم الطبي، الأسرة والمجتمع حتى يصبح بالإمكان تغيير النظرة لهذا النوع من المرض، مركزا في ذات السياق على الدعم النفسي الجمالي لمن تم استئصال ثديها جراحيا بسبب شعورها بانها اقل قيمة من النساء الأخريات، اوانها لم تصبح امرأة كاملة.
إلى جانب ذلك يشير الأطباء إلى أهمية الغذاء الصحي والمتوازن في التقليل من نسبة الإصابة للعبه دورا محوريا في تقوية مناعة الجسم، لذلك سالت «الشعب» مختصة التغذية هجيرة عميرات عن علاقة الغذاء بسرطان الثدي.

مختصة التغذية هجيرة عميرات: الحل في النظام الغذائي للبحر الأبيض المتوسط

كشفت المختصة في التغذية هجيرة عميرات عن الدور الذي يلعبه النظام الغذائي في الإصابة بسرطان الثدي، حيث قالت إن الأغذية المصنعة والفوق مصنعة لها تأثير مباشر على صحة الإنسان، بالإضافة إلى الزيوت وطريقة القلي التي تتسبب في تشكل مادة «أكريلاميد» على الأطعمة المقلية وهي مادة مسرطنة تتشكل على الأطعمة المقلية. كما اعتبرت تناول الشواء بكميات كبيرة مضرا أيضا بالصحة فالمادة السوداء التي تتشكل على الطعام المشوي هي أيضا مسرطنة.
إلى جانب الطعام، أكدت هجيرة عميرات أن استعمال أواني الفخار، «اينوكس» والزجاج ضروري إن أراد الشخص تناول طعام صحي، لأنها لا تتفاعل مع الأغذية على عكس الألمنيوم الذي يعد تواجده في جسم الانسان سببا في الإصابة بالسرطان.
ونصحت المتحدثة في هذا السياق بالعودة إلى الأغذية المتوازنة، والنظام الغذائي للبحر الأبيض المتوسط من خلال تناول الخضار الطازجة في فصلها والفواكه أيضا، وكذا تعليم الصغار تناولها بطريقة صحية، إلى جانب تناول الحبوب الكاملة كالقمح والشعير والشوفان، وتناول البقوليات من عدس وحمص التي تعتبر مصدرا مهما للبروتينات وغنية بالألياف ما يساعد الجسم على نيل احتياجاته منها بدون ضرر. بالإضافة إلى تنويع مصادر البروتينات والابتعاد عن اللحوم المصبّرة، و»المرقاز و»الكاشير» التي يستعمل فيها الملح بشكل كبير وبعض المواد الازوتية والملونات حيث يعتبر اللون الأحمر المركز المستخرج من الدعسوقة مسرطنا بامتياز.
وأشارت عميرات إلى ضرورة أخذ المرأة النسبة الخاصة بها من فيتامين «د» لأن الدراسات الأخيرة أكدت أن النساء المصابات بداء السرطان يعانين نقصا في هذا الفيتامين، لذلك يعتقد الأطباء أن الفيتامين «د» مسؤول عن توازن المناعة في جسم المرأة، لذلك كان لا بد من تصحيح مستوى فيتامين «د» في الدم، سواء بتناول الدواء إن كان النقص كبيرا أو الغذاء كالبيض، الأسماك والحليب ومشتقاته.
وذكرت المتحدثة أن جسم الانسان يحتوي خلايا سرطانية ابتدائية تصبح نشطة عندما تتوفر الشروط الملائمة لتكاثرها، واعتبرت نقص المناعة وضعف النظام المناعي والدفاعي للجسم أهم عامل لتحولها إلى ورم.

«الميلاتونين» هرمون يطرده «الضوء الأزرق»

ولتفادي حصول ذلك يجب أن يحرص الإنسان على النوم الكافي والابتعاد عن مصادر الأشعة الزرقاء كالهاتف المحمول والحاسوب، لأنها تحرم الجسم من حماية طبيعية هي إفراز هرمون «ميلاتونين» الذي تفرزه الغدة الصنوبرية في الظلام الحالك، يتوقف إفرازها عند وجود مصدر ضوء حتى وإن كان خفيفا ما يحرم الجسم من الاستفادة من خصائص هذا الهرمون الذي يحمي من الشيخوخة المبكرة والسرطان.
بالتوازي مع الغذاء الصحي لا بد من النشاط المستمر، ومحاربة السمنة التي تعد من أهم أسباب الإصابة بالسرطان خاصة وأن فترة الحجر الصحي الطويل كانت وراء ارتفاع وزن الكثيرين، لذلك كان المشي ضروريا مع اتخاذ كل الإجراءات الوقائية على الأقل لمدة نصف ساعة للحصول على الوزن الصحي.
وكشفت عميرات أن شحوم البطن تعد الأخطر لأنها تسبب في إفراز مواد مسرطنة لاحتوائها على انزيم «الاروماسان» الذي يساهم في رفع مادة الاستروجين في الجسم ما يؤثر في الخلايا السرطانية، ونصحت كل شخص بقياس دائرة البطن بحيث لا يجب أن يتجاوز محيط بطن المرأة 80 سم في أوروبا و88 سم في أمريكا و92 سم بالنسبة للرجل.
بالإضافة إلى ضرورة تناول واستهلاك الأسماك الصغيرة كالسردين للحصول على «اوميغا 3 « التي تحافظ على المناعة، كما يمكن الحصول عليها أيضا من خلال تناول المكسرات خاصة الجوز، بذور الكتان بحيث يتناولها الشخص دون طهي، حيث تطحن وتحفظ في عبوة عازلة للضوء لمدة لا تتجاوز ثلاثة ايام.


سرطان الثدي في الجزائر

- انتقال الإصابة بسرطان الثدي من 300 حالة خلال سنة 1995 إلى 14 ألف حالة جديدة خلال سنة 2020 متوقعة ارتفاعها إلى 18 ألف حالة في سنة 2025.
- يصيب سرطان الثدي غالبا النساء البالغات 40 سنة فما فوق.
-  تسجل سنويا نحو 1.38 مليون حالة جديدة للإصابة بسرطان الثدي و458 ألف حالة وفاة بسببه.
- أكتوبر الوردي هو الشهر العالمي للتوعية حول سرطان الثدي ‏ وهي مبادرة عالمية بدأ العمل بها على المستوى الدولي في أكتوبر 2006، حيث تقوم مواقع حول العالم باتخاذ اللون الزهري أو الوردي كشعار لها من أجل التوعية من مخاطر سرطان الثدي.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024
العدد 19519

العدد 19519

الثلاثاء 16 جويلية 2024
العدد 19518

العدد 19518

الإثنين 15 جويلية 2024