لا يبدأ الاهتمام بصحة أبنائنا انطلاقا من الساعات الأولى للولادة فقط، بل المتابعة الصحية للمرأة الحامل وجنينها تمتد طوال فترة الحمل وتعد أمرا إلزاميا، لأن الكشف القبلي عن مختلف التشوّهات الخلقية القلبية المركبة والمعقدة يسمح بتدخل علاجي مستعجل وفعال وقت الولادة من أجل الحفاظ على سلامة المواليد الجدد، وبهدف توضيح الموضوع أكثر، التقت «الشعب» البروفيسور عبد المالك بوزيد، رئيس مصلحة جراحة القلب بقسنطينة، على هامش الملتقى الدولي «قلب الطفل» المنعقد مؤخرا، وأجرت معه هذا الحوار.
- «الشعب»: ما هو التشخيص القبلي، وكيف يتم؟
البروفيسور عبد المالك بوزيد: تتضح أهمية التشخيص القبلي لهذا النوع من التشوّهات عند الجنين، أثناء الثلاثي الأخير من الحمل، ويتم على يد الأطباء الأخصائيين في أمراض النساء، فمباشرة بعد الولادة يمكن التكفل بالمولودين الجدد الحاملين لهذا النوع من التشوّهات الخلقية، ويتحقق ذلك بشرط المتابعة الطبية الدقيقة للنساء الحوامل من طرف طبيب أخصائي في أمراض النساء والتوليد وذلك في مختلف مراحل عمر الجنين لاسيما في الثلاثي الأول، الثاني، والأخير وأيضا مباشرة قبل الولادة.
يتم الكشف عن هذه الحالات باستعمال الأشعة ما فوق الصوتية والأشعة المغناطيسية «الإيارام »، كما تسمح هذه المتابعة بتشخيص نوع التشوّه لدى الأجنة خاصة الخلقية القلبية المركبة والمعقدة بهدف توفير التكفل اللازم من طرف الأطباء المتخصصين، بعد الولادة مباشرة، وهي بمثابة حالات استعجال تستدعي التكفل السريع والنوعي، علما أن حديثي الولادة يولدون بوظائف غير مكتملة لا سيما على مستوى الوظيفة التنفسية، الكبد ، الكلى، وغيرها من الوظائف وهذا ما يجنبنا فقدان عدد كبير منهم بسبب انعدام الكشف المبكر الذي يعد من بين الأسباب الرئيسة للوفيات نتيجة عدم توفير مستلزمات هذا النوع من التكفل.
- فيما تكمن أهمية هذا التشخيص؟
بخصوص هذه الحالات هناك أولا، تلك التي يمكن التكفل بها في مراكز متخصّصة، عندما يكون لدينا تشخيص قبلي لمثل هذه الحالات، نقوم ببرمجة الولادة في مصلحة ولادة تكون بالقرب من مصلحة تتكفل بأمراض المواليد الجدد. ثانيا إذا كانت الحالة تتطلب تدخلا قسطريا أوجراحيا، يتم البحث عن إمكانية توفير هذا النوع من التدخل الجراحي في مثل هذه الحالات في الساعات والأيام الأولى من الولادة، وللأسف في بلادنا لدينا عدد قليل جدا من المختصين والخبراء في هذا الميدان. كما يسمح التشخيص القبلي بتفادي فقدان عدد كبير من الوفيات، كما يمكننا التخفيف من حدة الضرر بحيث يكون التدخل دقيقا ومتخصّصا وفي الوقت المناسب.
- كيف يكون التكفل بمثل هذه الحالات، وما هي الشّروط التي يجب توفيرها؟
من أجل التكفل الايجابي بمثل هذه الحالات يجب تدخل ثلاثة أطراف في العملية، أهم طرف في البداية هو المرأة الحامل الذي أصبح لزاما عليها متابعة حملها بصفة منتظمة منذ الآونة الأولى من أجل اكتشاف الخلل وبالتالي توفير إحصائيات حول عدد هذه الإصابات عن طريق الكشف القبلي من طرف الطبيب المختص في أمراض النساء والتوليد والذي يعد ثاني طرف مهم في هذه المعادلة المصيرية، وهو من يقوم بتتبع وضعية وتطور الجنين على مدى تسعة أشهر كاملة إلى غاية الولادة، وفي حالة اكتشاف خلل تشوهي يقوم بتوجيه الحالة إلى الجهات المتخصصة لتوفير التدخل اللازم عند الولادة، كما سبق وأن ذكرت، مما يضيف إلى العملية طرفا ثالثا مهما في هذه المرحلة وهو الفريق الطبي الذي يشمل عددا من الأطباء في مختلف الاختصاصات والذين يقومون بالتكفل بالمولود الجديد والعمل مع بعض من أجل معالجة حالات التشوّهات القلبية، لاسيما تلك المتعلقة بمرض القلب الخاص بالأطفال، أمراض النساء والتوليد، جراحة القلب لدى الأطفال، والتخدير والأشعة وغيره من التخصّصات في نسق واحد من أجل التدخل السريع في مثل هذه الوضعيات العلاجية الدقيقة والمعقدة. ويعمل هذا الفريق المتكامل على تحديد متى وكيف يتم إجراء التدخل و كيفية التكفل.
- ماهو عدد الوفيات في بلادنا، هل من أرقام لديكم؟
لا يمكن تحديد عدد الوفيات، لأنه لا يتوفر لدينا سجل وطني يخص عدد الأطفال حديثي الولادة المتوفين نتيجة مثل هذه التشوهات، وبالتالي لا يمكن إعطاء أرقام إحصائية رسمية إلا إذا تحققت إمكانية الكشف القبلي، المساهم بصفة مثلى في تنظيم عمليات التكفل لمثل هذه الحالات. وتبقى لدينا سوى الإحصائيات الدولية متوفرة والتي سجلت من 3 الى 8 حالات تشوه قلبي من بين 1000 ولادة حيّة سنويا.