“في قلب المعركة” و”عناصر للذاكرة”.. أهـم أعماله..

قـراءة في أعمـال المجاهـد محمد الشريف ولـد الحسـين

فتيحة هرماق/ صليحة علامة

أمجــــاد كتيبــة الحمدانية وكومنـدو سي الزبير.. 1957-1958

عزم السي موسى على التخلص نهائيا من المظليين خاصة بعد العمليات العسكرية التي قاموا بها في دوار مشماش يوم 21 مارس 1957م أي قبل يوم واحد من وصول فرق الكوموندو إلى المنطقة، فأمر عناصره بأن يكثفوا من عملية إطلاق النار ورمي قنابلهم اليدوية، ثم ينقضون على العدو دفعة واحدة مرددين: “الله أكبر والهجوم في سبيل الله”، مقتحمين قبة الوالي، ليجدوا جثث المظليين ملقاة بينها جثة ملازم أول وجثتين أخريين لخائنين، بعد أن قام المظليون بذبحهما ووضعوا رأسيهما على وتدين انتقاما لما جرى لهم من محاصرة من قبل الجنود الفرنسيين.


دام القتال يوما كاملا توج بإلقاء القبض على جندي من جنسية مارتينيكية برتبة رقيب أول، كان يحمل بندقية أمريكية الصنع، 120 رصاصة و12 قنبلة يدوية، ومن شدة الخوف لم يتوقف هذا الجندي عن التوجه لسي موسى بالعبارات التالية: “موسى.. موسى.. أنا إنسان طيب، أعطيت الحلوى لأطفال البليدة، أنا متساهل مع المدنيين”، إلا أن السي موسى أمره بخلع ثيابه وبدأ عملية التحقيق معه، فأفاده بمعلومات وأخبار عسكرية جد هامة، وبعد الانتهاء من عملية استنطاقه أمر السي موسى السي الشريف ولد الحسين باستكمال الإجراءات معه، فمزق هذا الأخير ورقة من دفتر مذكراته ودون عليها ما يلي: “السي زوبير لم يمت... هو دائما معنا”، وتركها ليعلم الفرنسيون أن السي الزبير سيذيقهم الويلات.
لقي كثير من الضباط وضباط الصف الفرنسيين مصرعهم وعلى رأسهم الملازم الأول “قيوم” ابن الجنرال “قيوم”، وتمكن المجاهدون من استرجاع جهاز راديو للإرسال 303 صناديق ذخيرة وبندقيات من صنع أمريكي، وبالمقابل استشهد محمد بوراس من العفرون، إضافة إلى جرح السي سليمان تكارلي، السي محفوظ من خميس الخنشنة، والسي عبد القادر شاموني من عين الدفلى.
سلم رابط الضبط رسالة من النقيب السي سليمان المسؤول العسكري عن المنطقة التي ينشط بها كوموندو السي زوبير إلى السي موسى قلواز يوم 25 أفريل 1957م، وكانت تحمل أخبارا عن توغلات متواصلة يقوم بها المظليون بدوار سيدي امحند أقلوش، ولقد تعرض السكان إلى أبشع وأسوأ المعاملات والابتزاز والترهيب لذلك أمر السي سليمان عناصره بالسير نحو الدوار لمهاجمة عسكر العدو، ووضع حد لتصرفاته المشينة ضد السكان المدنيين.
توزع عناصر الكوموندو على ثلاثة أفواج كل فوج يضم 11 عنصرا، تمركز كل فوج منهم على رأس قمم صخرية، بحكم أن قمة الجبل الذي اتخذوه لشن عملياتهم يتكون من ثلاث قمم صخرية، في حين كانت الكتيبة الـ29 للقناصة التي كانت قاعدتها “بفونتين دي جيني” (حجرة النص حاليا) على اليسار، جنود من أصل مارتينيكي وسينيغالي، وعلى اليمين، المظليون.
تلقى الجنود الذين تموقعوا على اليمين بالتقدم نحو المسبلين ومهاجمتهم، فترك السي موسى العدو يقترب أكثر فأكثر كي يباغته المجاهدون ويطلقوا عليه النار، على أن لا يبادروا بأي هجوم، فحدث هجوم مباغت أصيب على إثره جندي مارتينيكي، وفجأة ظهرت مجموعة من الجنود ينادون ويصرخون: نحن جنود جزائريون مسلمون، نريد الالتحاق بكم لنقاتل العساكر الفرنسيين إلى جانبكم”، فتفطن المجاهدون إلى أنهم عناصر من “الحركة” فأطلقوا النار عليهم بأفواجهم الثلاثة بطريقة فورية وفجائية، فسقط كثير منهم وفر الناجون مخلفين القتلى والجرحى وراءهم.
 استنجد الجيش الفرنسي بطائرتين من نوع ت 6 موران جاغوار اللتان لم تتوقفا عن التحليق فوق مواقع المجاهدين، فوجه السي موسى أوامره لكل من السي معمر صاحب “الأف أم بار” الأمريكي الصنع، بالإضافة إلى السي طيب الذي كان بحوزته رشاش 30 أمريكي الصنع... كانت الطائرتان تحومان فوقهما وتطلق قذائفها دون أن تنال منهما لكونهما كانا في مأمن.. شرعت الطائرتان المطاردتان في النزول بشكل انقضاضي على المجاهدين، فحملوا أسلحتهم على أكتافهم بأمر من السي موسى وشرعوا في إطلاق النار على الطائرتين. وقف السي معمر والسي بن عيشة والسي الطيب وقفة رجل واحد وصوبا نيرانهما على طائرتي ت6، وأمام هذا التدخل لم يجد الطياران الوقت الكافي للتصرف، فالعدو كان يجهل بأنهم يملكون أسلحة ثقيلة، فأصيبت الطائرتان، الأولى اشتعلت فيها النيران وسقطت بالبحر، بينما تحطمت الثانية في مكان بعيد، وبعد لحظات، ازدادت إمدادات الجيش الفرنسي بأربع طائرات من نوع موران ت 6 تتجه نحو عناصر الكوموندو لمهاجمتهم، لكن الضباب حال دون ذلك، وانتهت العملية باستشهاد السي طيب بن ميرة المدعو “السي  الاستقلال” وإصابة جريحين.
واجهت عناصر كوموندو السي زوبير الفيلق 29 للقناصة الجزائريين الخونة بجبل زكار يوم 04 ماي 1957م، وهو الاشتباك الذي لقي فيه كل من السي سليمان والسي محفوظ حتفهما برصاصتي الجيش الفرنسي، وبعد أزيد من أربع ساعات من القتال، استطاعت عناصر الكوموندو أن تلحق بالعدو خسائر فادحة، فضلا عن عودة السي موسى بأسير من صفوف الفرنسيين الذي تبين لاحقا أنه من الأقدام السوداء، وينحدر من إقليم وهران، وكان يشتغل مترجما للعربية لدى الفيلق الـ29 للقناصة الجزائريين الخونة، إلا أن العساكر الفرنسية أصروا على التقدّم نحو الجبل، موقع تمركز المجاهدين، بالرغم مم تكبدتهم خسائر  فادحة.
قامت سلطات الجيش الفرنسي بحملة تمشيط واسعة في اليوم الموالي بإرسالها المجموعة من المروحيات من نوع ليبيلول، سيكورسي بنان، التي جاءت لتحمل القتلى والجرحى، كما دعمّت الوضع بطائرات “جاغوار ت 6”، “موران الصفراء” المقنبلة بـ26 وبـ29، التي كانت تحلق فوق المنطقة وتلقي بقذائفها على الجبال المجاورة والغابات في الوقت الذي كانت فيه عناصر الكوموندو قد ابتعدت عن المكان.
كان السجين متهما بجرائم وابتزازات خطيرة تجاه مدنيين عزل وخاصة النساء، وبما أنه يحسن العربية، فكثيرا ما كان يكلف باستجواب السكان حول أماكن اختباء مجاهدي جيش التحرير الوطني، وحينما لم يكن ليحصل على المعلومات المرجوة كان ينتقم من السكان بإحراق بيوتهم.
شرع السي موسى في استنطاق السجين دون اللجوء إلى تعذيبه، لكون مجاهدي جيش التحرير الوطني كانوا يحترمون حقوق الإنسان والاتفاقيات الدولية، أما بخصوص هذا الجندي فقد كان سيتلقى حكما بالإعدام عقابا له على الجرائم التي ارتكبها ضد السكان المدنيين.
كان محمد الشريف ولد الحسين يدون كل المعلومات الدقيقة التي كان يدلي بها الأسير على استجواب السي موسى بخصوص الفيلق الـ29 للقناصة الجزائريين الخونة، مبلغا عن أسماء المخبرين والخونة الذين كانوا يتعاملون مع الفيلق، وحين الانتهاء من عملية الاستنطاق تمّ تنفيذ حكم الإعدام من قبل ثلاثة مجاهدين كان السي إبراهيم براكني من ضمنهم، وتمّ تسليم بندقيته من نوع ماس 56 إلى عنصر جديد انضم إلى الفرع ليستكمله خصوصا بعد استشهاد السي سليمان تاكارلي، والسي محفوظ.
انتهت العملية العسكرية بالحصيلة التالية: أزيد من 150 جندي فرنسي قتيل، وأزيد من 200 جندي فرنسي جريح، والقبض على جندي فرنسي واحد تمت محاكمته وتنفيذ حكم الإعدام عليه، مع استرجاع بندقية واحدة من نوع ماس 56.
أجبرت كتيبة من المجاهدين التابعة للولاية الثالثة بقيادة السي سعيد إيموزر الذي أخبر فرق الكوموندو أنهم أجبروا على الانسحاب باتجاههم، كي يتجنبوا الجيش الفرنسي القادم من الجهة الأخرى للطريق المؤدي من أعريب إلى زكار في 09 جوان 1957م، وكانت مكونة أساسا من الطلبة الذين تمّ توجيههم إلى الخارج لمواصلة دراستهم وتكوينهم، أو العودة بالأسلحة قبل الرجوع إلى الجبال، وفي هذه الأثناء أطلق السي حمدان المنحدر من منطقة سيدي سميان المسلح ببندقية “قاران” النار على مجموعة من الحركة الذين كانوا في المقدمة، فرد الجنود الفرنسيون بإطلاق النار، فبدأت المناوشات بين الطرفين من دون تسجيل أي خسائر.
طلب سكان دوار دحمان الواقع بجبل دوي في مدخل “دوبييري” (عين الدفلى حاليا) من عناصر كوموندو السي زوبير خوض معركة ضد العدو الفرنسي حتى يشاهدوا هزيمته، إلا أن المجاهدين تيقنوا بأن ذاك ليس بالوقت المناسب لحدوث أي اشتباك بين الطرفين، كون أن مهمتهم الرئيسة كانت تقتصر على توفير كل الظروف المواتية لكتيبة الولاية الثالثة التي يقودها السي سعيد أيموزر لمواصلة طريقها، وكان على فرقة الكوموندو أن تلتحق بالمنطقة الثانية من الولاية الرابعة فور انتهاء عملية تمشيط الجيش الفرنسي.

الهجومــات والتخريبـات:

اختص سيد علي حسين رفيق محمد الشريف ولد الحسين في العملية الفدائية بمارنقو سالفة الذكر، في التخريب لاسيما الأعمدة الكهربائية، وبقي على هذه الحال إلى اليوم الذي تنكر فيه في زي امرأة عربية مرتديا حايكا ونقابا على طريقة فدائيي القصبة في معركة الجزائر، وبينما كان مقبلا على تأدية مهمة تخريبية خطيرة بمفرده في مارنقو، كشف أمره بسبب حذائه العسكري، فبعد أن بلغت عنه السيدة “توبري” الفرنسية الجنسية، تم القبض عليه وأرسل إلى مركز التعذيب بمزرعة “شينو” الشهيرة.
قرر جيش التحرير الوطني تنظيم هجوم عام ضد مصالح الاستعمار الفرنسي بمناسبة الذكرى الثانية لهجومات الشمال القسنطيني يوم 20 أوت 1955م، والذكرى الأولى لانعقاد مؤتمر الصومام في 20 أوت 1956م، بهدف إثبات وجوده عبر كل تراب الجزائر، وكانت الوحدات مطالبة بتنفيذ أعمال مسلحة بجميع المدن والقرى عن طريق مهاجمة الثكنات العسكرية الفرنسية، تخريب وسائل الاتصال طرق وجسور المحطات الكهربائية، أعمدة الهاتف تخريب المحاصيل وإحراق مزارع المستوطنين، وكان ينبغي لهذه العمليات الموحدة أن تمتد من الشرق إلى الغرب، ومن الشمال إلى الجنوب. كانت الأفواج التسع المشكلة لكتيبة الحمدانية مطالبة بمهاجمة مدن شرشال، نوفي (سيدي غيلاس) حاليا، فونتين ديجيني (حجرة النص حاليا)، قوراية، فرانسيس غارني (بني حواء حاليا)، دوبليكس (الداموس حاليا)، مارسو (مناصر حاليا)، زوريخ (سيدي أعمر حاليا)، إضافة إلى مركز عسكري بمنطقة “لارهات” وفي ذرى جبال زكار يوم 20 أوت 1957م.
على الساعة الثامنة ليلا. كان محمد الشريف ولد الحسين ضمن الفوج المكلف بالهجوم على مدرسة الضباط بمدينة شرشال، وبمجرد أن أشار سهم الساعة إلى الثامنة مساء حتى أطلقت عناصر الفوج النار كطلقة رجل واحد على جنود المدرسة، فبدأت صافرات الإنذار تطلق أصواتها فساد الضجيج في كل الاتجاهات مدة خمسة عشر أو عشرين دقيقة، وفي صباح 22 أوت 1957م انتقم الجيش الفرنسي كالعادة من سكان الدواوير العزل لرفضهم تقديم أي معلومة عن المتسببين في هذا الهجوم عن طريق حرق منازلهم وتخريب ونهب ممتلكاتهم كابتزاز بسيط في نظرهم تجاه وحدات جيش التحرير الوطني.

الحلقة الثانية

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19472

العدد 19472

الجمعة 17 ماي 2024
العدد 19471

العدد 19471

الأربعاء 15 ماي 2024
العدد 19470

العدد 19470

الثلاثاء 14 ماي 2024
العدد 19469

العدد 19469

الثلاثاء 14 ماي 2024