­­الأغنية الثورية الشعبية الامازيغية..

أهـــازيـــــج تحكـــــي أمجــــــــاد الأســـــــلاف

نيليا. م

 

تعتبر الأغنية الثورية موروث ثقافي وتاريخي، رافقت بطولات ونضال الجزائريين إبان ثورة التحرير، التي تعدّدت فيها وسائل الكفاح والهدف واحد ألا وهو استقلال الجزائر.


عندما نقول الأغنية الثورية نقول المرآة، فهذا النوع الغنائي الثوري الشعبي مرتبط بشكل وثيق بالمرأة في مختلف مناطق الجزائر التي كانت تجاهد من أجل استقلال الجزائر، وهذا ما لمسناه خلال حديثنا مع العديد من المجاهدات في قرية اغيل ايمولا”، التي ما تزال حناجرهن تصدحن بأجمل السينفونيات الغنائية، التي توثّق بطولات وكفاح الرجال والنساء، ناهيك عن الأوضاع المزرية، التي عايشوها تحت وطأة الاستعمار الفرنسي الذي تفنن في أساليب التعذيب، كما صورت النساء عبر هذه الاغاني الثورية احلك المعارك التي خاضها المجاهدون ضد جنود الاستعمار الفرنسي.
الأغاني الثورية جسدت تاريخ الثورة المجيدة بأعمق الصور فلم تترك اي تفصيل إلا وحكته من خلال أبيات شعرية ملحنة بحناجرهن فقط، لتحكي قصص التعذيب، وصور خروج المجاهدين والتحاقهم برفاقهم في الجبال، ناهيك عن قصص وبطولات زعماء الثورة أمثال الشهيد عميروش”، الذي تناقلت الألسن قصة كفاحه عبر أغاني انشدتها النساء، وتناقلتها عبر مختلف القرى لتكون إحدى الأغاني الثورية المشهورة في منطقة القبائل.
الحديث عن الاغنية الثورية في منطقة القبائل دفعنا الى استنطاق جعبة نساء المنطقة اللائي عايشن فترة الاستعمار وهن فتيات صغيرات وشابات في مقتبل العمر، حيث صرحت المجاهدة “فاطمة بوشتة”، ان انتشار هذا النوع الغنائي والأنشودة الثورية تعود الى تناقلها الشفهي بين النساء، حيث لم تكن النساء متعلمات في تلك الفترة.
وتضيف انه خلال اندلاع ثورة التحرير كان المجاهدون يتنقلون بين القرى والأعراش في مختلف المناطق، رفقة البعض من النساء في خرجاتهم وتنقلاتهم، وعندما يصلن الى القرى وبعد الانتهاء من الاشغال الموكلة اليهن من “التزود بالمياه، تحضير الطعام وغسل الملابس”، يجلسن في الساحة من أجل الحديث فيما بينهن، وهن ينشدن الأغاني الثورية التي تعلمنها، وهذا ما يخلق التعارف بين نساء مختلف الأعراش والقرى، لينتقل هذا الموروث التاريخي ما بين النساء.
الاغنية الثورية حسب تصريحات “النا فاطمة”، هي عبارة عن اناشيد تشجيعية للمجاهدين الذين يحملون السلاح على اكتافهم من اجل الجهاد وتحرير الجزائر، هؤلاء المجاهدون الذين يواجهون الموت يوميا في الجبال والغابات، ولهذا تأتي هذه الأغاني من أجل منحهم الشجاعة والقوة وهم يغادرون درياهم تاريكين ابنائهم وإخوتهم الصغار، ولا يعرفون ان كانوا سيعودون او يستشهدون في ميدان الشرف، ولصعوبة تلك اللحظات تطلق النساء العنان لحناجرهن من أجل التعبير عن شعورهن وأحاسيسهن بشكل خاص إزاء تلك اللحظات.
وإظهار الظروف المزرية، التي تعيشها يوميا من فقر وقلة الإمكانيات لتكون بمثابة وسيلة تعبيرية ساهمت في كتابة الثورة كونها تعطي بصدق الصورة الحقيقية للثورة الجزائرية، وتخليدها في الذاكرة الجماعية لتتحوّل مع مرور السنوات إلى معلم من معالم المقاومة ابان ثورة التحرير.

ومن بين هذه الأناشيد:
الجاير فلاغ أعزيزث إدمن ناغ فلاس أوزلن
نحياسيد سدم شوهدا فلاس اغلين
لعلام يسهزوث واضو نكني انفراح
قار اوزقزاو ذو ملال ذاقور ذصاح
انلي سذرار درابو ثسرافيرف انزوخ اتاس
يرحم الشهداء فلاس اغلين
الجزائر عزيزة علينا دماءنا سالت لأجلها
احييناها بالدم الشهداء سقطوا لأجلها
العلم تهزه الرياح ونحن نفرح
بين الاخضر والابيض هلال حقيقي
نصعد للجبل العلم يرفرف نفتخر كثيرا
الله يرحم الشهداء عليها استشهدوا

«النا فاطمة”، اعطت صورة جمالية ومعبرة لكفاح المجاهدين وتضحياتهم في سبيل الحرية، حيث روت انه في احد الأيام قصد المجاهدون القرية من اجل الراحة وتناول الطعام، حيث قضوا ليلتهم في احدى المنازل في الوقت، الذي تكفلت هي رفقة مجموعة من النساء بتوفير كل ما يحتاجونه من ماء وطعام، وملابس نظيفة، وفي صباح اليوم الموالي وقبل مغادرتهم المنزل باتجاه الجبل.
جمع قائد المجموعة النساء رفقة المجاهدين اين شكل المجاهدون صفا، والنساء صفا في الوقت الذي بدأ القائد يتجول بين الصفوف وهو ينشد انشودة ثورية تشجيعية وتحفيزية على القتال، وهي الانشودة التي رددها الجميع وبعدها صفقوا عاليا وهم يودعون أهاليهم ليقمن بعد ذلك بتتبعهم خارج المنزل من اجل اخفاء اثار اقدامهم باستعمال المكنسة التقليدية او اغصان الأشجار.
هذه الاحداث التاريخية التي ما تزال جعبة “النا فاطمة “، تحتفظ بها الى يومنا هذا، كما تحتفظ بكم هائل من الاناشيد الثورية التي اعادت غنائها على مسامعنا كأنها تعلمتها اليوم، وهي تردد عند تذكري لهذه الاغاني تشعرني برغبة في البكاء، كيف لا وأنا ما زلت اتذكر توديعنا للمجاهدين في كل لحظة يغادرون فيها المنازل من اجل القتال والجهاد في سبيل الوطن.
الاغنية الشعبية الثورية في منطقة القبائل تتسم بسحر خاص حيث ألمت بمختلف الجوانب ابان ثورة التحرير” النفسي، السياسي، الاجتماعي، العسكري”، تمكّنت من زرع الفكر الثوري وبث الحماس في اوساط الثوار ونفوس السكان الذين كانوا درعا حامي للمجاهدين، كما صورت بطولات وأمجاد الأبطال، ناهيك عن تسجيل الوقائع التاريخية والتغني بالبطولات والتضحيات.
بعد مرور 69 سنة عن اندلاع ثورة التحرير المجيدة، ما تزال هذه الأغاني الثورية شاهدة على تلك الحقبة التاريخية الهامة في تاريخ الجزائر، إلا انه في الآونة الأخيرة فهي مهدّدة بالاندثار، في ظلّ رحيل العديد من المجاهدات أو النساء اللائي يحملن في جعبهن هذه الاشعار والأناشيد، دون كتابتها او تدوينها، ما يهدّد باندثار وزوال هذا الموروث الثقافي التاريخي، الذي أعطى صورة حقيقية لتاريخ الجزائر بعيون من عايشوه، وعليه وجب اليوم على المؤرخين والأكاديميين العمل على كتابة هذا الموروث المفعم بالوطنية والذي يحمل إسمى معاني التضحية، ليبقى راسخا في الذاكرة الشعبية وتتداوله الأجيال.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19472

العدد 19472

الجمعة 17 ماي 2024
العدد 19471

العدد 19471

الأربعاء 15 ماي 2024
العدد 19470

العدد 19470

الثلاثاء 14 ماي 2024
العدد 19469

العدد 19469

الثلاثاء 14 ماي 2024