التّفجــيرات النّووية الفرنسيـة في الصّحراء الجزائرية

جرائم ضد الإنسانية لا تسقط بالتّقادم

د - عمار منصوري

 نظرا للوضع السياسي العالمي، المتمثل في حظر التجارب النووية الجوية من قبل الاتحاد السوفيتي سابقا والولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة من 1959 إلى 1961 والاحتجاجات التي قامت بها بعض الدول الأفريقية، بما في ذلك نيجيريا، ضد التفجيرات النووية الجوية الفرنسية بالصحراء الجزائرية، أجبرت فرنسا على تحويل برنامجها النووي إلى التفجيرات الباطنية بجبل تاوريريت تا افلا بمنطقة إين أكر بتمنراست، حيث تمّ إنشاء المركز العسكري للواحات CEMO 13، الذي يتربع على مساحة 170 570هـ بمرسوم بتاريخ 12 جويلية 1960، حيث كان في خدمة هذا المركز 2000 شخص من المدنيين والعسكريين، موزعين على قاعدة الحياة عين أمقل (على بعد 30 كم من جبل تان افلا وقاعدة الحياة واحة على بعد 10كم من جبل تان افلا).

 لقد تمّ اختيار جبل تاوريرت تان افلا بمنطقة إين أكر بالهقار، وذلك بسبب خصائصه الهيدروجيولوجية، بالرغم من أن منطقة الهقار تحتوي على آثار عصور ما قبل التاريخ تعود إلى 8.000 سنة قبل الميلاد. يتكون جبل تاوريرت تان افلا من كتلة صخرية من الجرانيت قطرها 5000م وسمكها 3700م، ولقد تم به تنفيذ 13 تفجيراً نووياً داخل أنفاق طولها ما بين 800م و1300م ما بين 07 نوفمبر 1961 و16 فيفري 1966.
وتمّ حفر الأنفاق الثلاثة عشر أفقيا، وتنتهي على شكل حلزوني من أجل ضمان احتواء النشاط الإشعاعي، حيث تم حساب الشكل الحلزوني على أساس أن يتم غلقه على اثر موجة الصدمة صمام الأمان قبل وصول الحمم البركانية كان اثنيا عشر تفجيراً نووياً باطنياً فاشلاً بما في ذلك التفجيرات الأربعة الأكثر خطورة “بريل”، “امیتیست”، “روبي” و«جاد”، والأخطر فيهم هو تفجير “بريل”، حيث أسفر هذا الأخير على تدفق حمم بركانية تحتوي على نظائر مشعة غازية ومتطايرة تقدر بحوالي 700م ، قد تدفقت على بعد 400 م، فضلا عن المواد الغازية المشعة التي شكلت سحابة في السماء، والتي امتدت على مدى 800 م، في نفس الاتجاه، وبلغت ذروتها إلى نحو 2600م فوق مستوى سطح البحر.
وتبعتها الطائرات الفرنسية على مسافة 600 كم، حيث عبرت الحدود الجزائرية شرقا إلى الدول المجاورة. كانت السحابة النووية لحادث «بريل» سببا لتلوث كبير يمكن قياسه على بعد 500كم بجنات - اليزي (104.4 كوري /م) ومن بين الضحايا تم تسجيل 17 حالة ماتوا باللوكيميا، حسب شهود عيان بالمنطقة. كما يؤكد برينو بريلو أن الكارثة النووية «بريل» تعتبر فريدة من نوعها في التاريخ العالمي للتفجيرات النووية الباطنية على الأقل فيما يتعلق بتدفق الحمم البركانية خارج النفق في الهواء الطلق والتي تم قياس نشاطها الإشعاعي بين 77 و100 ميكروغراي سا (Gy/h).
وللإشارة، فإن سطح هذه الحمم المجمدة قد تدهور بسبب ربما الأحوال الجوية منذ 57 سنة خلت، وفي هذا الإطار، تؤكد الدراسة التي قامت بها فرنسا في 1965 على أن النشاط الإشعاعي المتبقي يقدر بحوالي 5.000 كوري (Ci) مثبتة على 10.000 طن من الحمم البركانية، منها حوالي 25 كوري (Ci) من البلوتونيوم (Pu)، الذي يعتبر أخطر عنصر كيميائي ونووي، حيث تقدر مدة نصف حياته بـ 24.110 سنة. ولهذا، تبقى هذه الحمم عند سفح جبل تان افلا إرثا يشكل خطرا على مدى قرون، وهو ما يعني أنها ستؤدي إلى ضحايا جدد في المستقبل، حيث تمّ التخلي عنها بدون أي حماية أيضا هناك أشياء أخرى مقلقة تتعلق بمنطقة النفق، حيث لا تزال بها مواد البناء وغيرها من الأشياء مثل الأسلاك الكهربائية والقضبان والنفايات الصلبة قد تم التخلي عنها منذ 1967.
وحسب الشّهادات التي جمعت بإين أكر، فان العديد من هذه الأشياء تكون مشعة أو ملوثة، تمّ استعمالها من قبل سكان منطقة اين اكرواين مقل بعد 1967، والشأن كذلك بالنسبة لمنطقة حمودية ورقان هضبة” ونتيجة لكل ذلك، تقدر طاقة التفجيرات النووية الجوية بـ 100 كط من مادة تي. ان تي، وطاقة التفجيرات النووية الباطنية بـ 500 كط من مادة تي - أن تي، وعليه فإن الطاقة الإجمالية للتفجيرات النووية الفرنسية في الصحراء الجزائرية تقدر بـ 600 كط من مادة تي - أن - تي، أي ما يعادل 40 مرة قنبلة هيروشيما؟ ناهيك عن التجارب الإضافية (35) بحمودية - رقان على مستوى أبار والتي استعملت فيها “كرياتالبلوتونيوم”، وكذلك اختبارات السلامة بتاوريرت تان اترام - إين أكر في إطار عملية “حبوب اللقاح” التي استعملت فيها مواد انشطارية في الهواء الطلق مثل البلوتونيوم.
البشر “فئران  تجارب” في التّفجيرات
 لقد استعمل العنصر البشري من الجزائريين والفرنسيين “كفئران تجارب” في التفجيرات النووية الفرنسية الجوية في الصحراء الجزائرية حيث، أثناء التفجير النووي الجوي “اليربوع الأحمر”، أوتي بـ 150 من السجناء الجزائريين من سجن سيدي بلعباس لاستعمالهم “کفئران - تجارب”، وربطوا بأعمدة بالقرب من موقع التفجير لدراسة السلوك البشري خلال تفجير ذري.
ووفقا لشهادة بعض قدامى التجارب، لقد استخدم المجندون الفرنسيون كفئران تجارب في أول تفجير نووي “اليربوع الأزرق”. يقول غاستون موريسو في شهادة له الذي كان حاضرا إنه قد تم استعمال 18 شخصا في هذا التفجير وبالمثل، خلال تفجير “اليربوع الأخضر” تعرض 195 من المجندين الفرنسيين في إطار محاكاة لمناورات عسكرية لحرب نووية محتملة، وذلك على متن مركبات أو سيرا على الأقدام بين 100 و 650م عن نقطة الصفر خلال الدقائق الأولى التي تلت التفجير النووي.
كل هذا من أجل دراسة التأثيرات الفسيولوجية والبيولوجية والنفسية للسلاح الذري على الجنود رغم أن هذه التأثيرات والآثار معروفة من خلال كتاب “آثار الأسلحة النووية”، الذي نشر في الولايات المتحدة في 1950. وفي هذا الإطار نشير إلى أن العسكريين والعلماء الأمريكيين في الفترة ما بين عامي 1944 و1974 أجروا تجارب على مئات البشر كما عرضوا الآلاف من السكان للإسقاطات الإشعاعية، وفي جويلية 1957 تم إحضار سياق أربعين جندياً كندياً على بعد 105 كم من لاس فيغاس Las Vegas» في منتجع صحراء روك «Rock»، ثم تم إرسالهم إلى موقع التجارب في نيفادا -Ne vada، لاستعمالهم “كفئران - تجارب” لاختبار رد فعل الجنود في الحالات القتالية، كما كشف الأرشيف السوفيتي أنه في 1954 اختبر الجيش الأحمر القنبلة الذرية على جنوده وعلى قرويين في منطقة الاورال. ومن جهتهم، يؤكد قدامى التجارب النووية البريطانيون أنهم قد استخدموا في التجارب النووية “كفئران تجارب”، وقالوا أن الحكومة آنذاك كانت تريد دراسة آثار الإسقاطات النووية في إطار التحضير للنشوب المحتمل لحرب نووية. فماذا عن التفجيرات النووية الفرنسية؟ ما مدى استخدامها للبشر كفئران تجارب؟ لا نستطيع الإجابة على هذا السؤال بدقة ما دام الأرشيف النووي الفرنسي قد أصبح غير قابل للاطلاع منذ سنة 2008، والختم “سري دفاع” مستبعد رفعه في المستقبل القريب.
إن عمليات المحاكاة التي أجريت في هذا المجال تهدف إلى تحقيق هدفين رئيسيين: أولا: للتنبؤ بسلوك الجنود في حالة افتراضية تتميز ببيئة نووية ثانيا لمعرفة نجاعة وفعالية أجهزة الحماية من الإشعاع اللازمة لاستعمالها عند الضرورة لحماية الجنود والأشخاص في حالة حدوث هجوم نووي.
الوضع الراديولوجي للمواقع النّووية
 سلمت فرنسا في 1967، وفقا لوزارة الدفاع الفرنسية المواقع النووية للسلطات الجزائرية بعد تفكيك المنشآت التقنية والتنظيف وغلق الأنفاق.
لقد أنتجت التفجيرات النووية الجوية والباطنية في الصحراء الجزائرية كميات كبيرة من النفايات المشعة، ومعدات عسكرية ملوثة التي استعملت خلال التفجيرات النووية الجوية، وكذلك كميات هائلة من المياه التي استخدمت للتنظيف ولإزالة التلوث من المعدات والأشخاص.
دفنت كل هذه «النفايات» في خنادق تحت بضع سنتيمترات من الرمال اليوم، المرور من خلال مواقع التفجيرات النووية يوفر شعوراً غير واقعي بالتقاطع بين خطر الأشعة وجمال الصحراء.
يؤكّد شهود عيان جزائريون أن معظم هذه المعدات الملوثة تم استعادتها واستعمالها عن جهل من قبل السكان المحليين الذين لا يعلمون مخاطرها على صحتهم عند قيام معهد الدراسات النووية في الجزائر العاصمة بتحليل عينة معدنية عثر عليها في رقان في 1971 وجد نشاطها الإشعاعي يتجاوز 22 مرة معايير السلامة المقبولة، وهذا ما يؤكد على أن عملية تفكيك المواقع لم تتم فعلاً؟ حيث ما زال السكان يتعرضون لهذه المخاطر إلى اليوم، كما يسجل التقرير الأولي المنشور في 2005 للخبرة التي أنجزتها الوكالة الدولية للطاقة الذرية (AIEA) في 1999 أن أربع مناطق ما تزال ملوثة وذلك حول تفجيري «اليربوع الأبيض» و«اليربوع «الأزرق» بحمودية وأمام مدخل أنفاق تفجيري «بريل» و«جمشت» بالجبل الصواني تان افلا، وهذا ما تبينه كذلك نتائج تحليل عينات من الحمم البركانية التي نشرت في 2008 في مجلة تطبيق الإشعاع والنظائر، وكذلك تلك التي أجرتها المخابر المستقلة الفرنسية (CRIIRAD) في 2009، والتي تؤكد أن الآثار الراديولوجية لحادث «بريل» لا تزال تشكل خطرا محتملا ، وخاصة الحمم البركانية منها.
موقع حمودية – رقان
 أربعة تفجيرات في الجو بحمودية (رقان)، كانت ملوثة للإنسان وبيئته حيث لا تزال منطقتان بحمودية حول تفجيري “اليربوع الأبيض” و«اليربوع الأزرق” تشكلان خطراً إلى اليوم. أيضا، خمس وثلاثون تجربة إضافية للسلامة بآبار بحمودية وفي الهواء الطلق والتي استعملت فيها مواد نووية انشطارية كالبلوتونيوم، كما توجد نفايات من المعادن مهجورة على سطح الأرض قد تستعمل من طرف البدو الرحل وهم يجهلون مخاطرها ناهيك عن وجود رمال مزججة ونفتيا مشعة ومواد ملوثة بموقع التفجيرات النووية السطحية، وذلك على مرمى العين بحمودية رقان.
موقع تاوريرت تان افلا إین أگر
 ثلاثة عشر تفجيراً تحت الأرض، بتاوريرت تان افلا إين أكر، يفترض أنها آمنة على البيئة، لكن، لا يقل عن أربعة منها كانت فاشلة بما في ذلك الحادث النووي «بريل» في أول ماي 1962. أربعة تفجيرات تحت الأرض من بين ثلاثة عشر التي أجريت في أنفاق عميقة التي تم حفرها أفقيا على عمق بضع مئات من الأمتار داخل الجبال، لم تكن محتواة كليا. وبعبارة أخرى تشقق الجبل، وألقى خارجه أشعة غازية سامة وحمماً بركانية نظرا لقوة التفجير، وعدم مقاومة صمام الأمان، الشيء الذي يؤكده تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية في 1999، حيث يقدر هذا التقرير أن قياس طول تدفق الحمم المشعة هو ما بين 200 و 250 متراً، وحجمه يساوي 740م وكتلته حوالي 10 آلاف طن. تشكل هذه الحمم البركانية خطراً دائماً للزوار المحتملين. منطقتان بجبل تاوريرت تان افلا ما تزال بهما نفايات مشعة ومواد ملوثة وذلك أمام مدخل أنفاق تفجيري “بريل” و«جمشت”.
كما يؤكد نفس التقرير للوكالة الدولية للطاقة الذرية في 2005، أن كل شخص يبقى بالقرب من هذه الحمم المشعة لمدة 8 ساعات يمتص جرعة فعالة قدرها 0.5 ملي سيفرت (mSv)، مع العلم أن الجرعة السنوية المسموح بها للجمهور وفقا للجنة الدولية للوقاية من الإشعاع هي فقط 01 ملي سيفرت في سنة.
وهكذا، لقد تعرض جبل تان افلا لهزات عنيفة من جراء ثلاثة عشر تفجيراً نووياً تحت الأرض، حيث تصدع على إثرها الشيء الذي أدى إلى هشاشته. وتشير التقارير الرسمية إلى التأثيرات الميكانيكية للتفجيرات على البنية والاستقرار الجيولوجي لهذا الجبل، ويكمن هذا الخطر في أن الانشقاقات المفتوحة الناتجة عن التفجيرات النووية الباطنية سيؤدي يوما ما إلى خروج بقايا نواتج الانشطار النووي المشعة الموجودة بقلب الجبل خاصة البلوتونيوم منها.
موقع تاوريرت تان اترام - این اکر
 لقد تمت بهذا الموقع، الذي يقع على بعد 30 كم غرب جبل تاوريرت تان افلا، خمسة اختبارات باستعمال البلوتونيوم في الهواء الطلق. هذا النوع من التجارب يسمى «الاختبارات الباردة»، والتي لا تؤدي إلى التفاعل بالتسلسل لكن تنشر جزيئات من المواد المشعة على مساحات واسعة لم تتمكن بعثة الوكالة الدولية للطاقة الذرية في 1999 إلا بأخذ سوى أربع عينات فقط على مستوى هذا الموقع الذي يتكون من مئات الهكتارات فمن الصعب تحديده.
مخابر محافظة الطاقة الذرية الفرنسية..رقان - هضبة
 ما تزال الحاجة إلى اكتشاف معظم قاعدة محافظة الطاقة الذرية الفرنسية برقان هضبة، حيث يمكننا الجرف بهذه الهضبة عن ظهور مداخل أربعة عشر نفقاً تحت الأرض ذات أبعاد مثيرة تشبه هذه المداخل من جميع النواحي تلك الموجودة في أنفاق السكك الحديدية القديمة بعض مداخل هذه الأنفاق أغلقتها الرمال التي تراكمت عليها، ولكن ما يزال العديد منها متاحًا عن طريق فتح بوابة معدنية ضخمة. أما خارج الأنفاق فنلاحظ وجود معادن مختلفة ملوثة في الهواء.
للأسف ليس لدينا أي مخططات لهذه المخابر الموجودة تحت الأرض. نحن نعلم فقط أنه قد تم بها تركيب القنابل الذرية كما تم بها تحليل العينات التي أخذتها الطائرة في السحابة المشعة والأشياء والحيوانات والنباتات التي تم عرضها على مسافة من نقاط الصفر للتفجيرات النووية السطحية، وكذلك العينات المأخوذة من أنفاق التفجيرات النووية الباطنية في إن اكر السؤال الذي يطرح: هل يوجد داخل هذه الأنفاق نفايات خطيرة أو منشآت ملوثة؟ لهذا السبب ترك كل شيء على حاله حتى الحصول يوما ما على الأرشيف.
انتهى / للمقال مراجع

الحلقة الثانية

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19472

العدد 19472

الجمعة 17 ماي 2024
العدد 19471

العدد 19471

الأربعاء 15 ماي 2024
العدد 19470

العدد 19470

الثلاثاء 14 ماي 2024
العدد 19469

العدد 19469

الثلاثاء 14 ماي 2024