الطلبة لبوا نداء الإضراب وخاضوا الكفاح ضد المستعمر الغاشم..

19 مـاي..الــيـوم المــشـهود في تــاريـخ ثــورة التحريــر المباركـة

سهام بوعموشة

أدى الطلبة الجزائريون دورا كبيرا أثناء الثورة التحريرية، ولم تكن الحركة الطلابية بمعزل عما كان يحدث بالجزائر من تقتيل وتعذيب ونفي، وتأثروا بما كان يعانيه أبناء وطنهم، فالتحق الطلاب الذين كانوا يدرسون بالجامعات الأوروبية والفرنسية وفي المشرق العربي، وجامعة الجزائر، بالجبال ملبين نداء جبهة التحرير الوطني لإضراب في 19 ماي 1956 بترك مقاعد الدراسة، فمنهم من استشهد وآخرون استكملوا مسيرة البناء بعد استرجاع السيادة الوطنية.


منذ اندلاع الثورة الجزائرية المباركة، التف الطلبة حولها، وتابعوا تطوراتها، وشاركوا جبهة التحرير الوطني في اتخاذ القرار وتنفيذه، ولم تتردد قيادة الثورة في وضع ثقتها التامة في الطلاب الجزائريين والمثقفين بتكليفهم مسؤوليات عالية.
وقال أحد الطلاب الجزائريين في سوريا:«كان الطالب الجزائري في المشرق العربي منسجما مع شعبه متلائما مع ثورته متضامنا معها، إذ أعلن انضمامه منذ اللحظة الأولى، فنظم حملات ومظاهرات ووزع نشرات وعرائض في جميع الوطن العربي في القاهرة، دمشق، بغداد، الكويت، السعودية، ليبيا، تونس، ومراكش، وكان طلابنا رغم قلتهم في نشاط دائم وحركة دائبة يوضحون أهداف الثورة الجزائرية ومبادئها، وأخذوا ينظمون صفوفهم في جمعيات وروابط”.
وليلة 19 ماي 1956، تسرب الطلاب عبر الحي الجامعي، وأشعروا زملاءهم بالقرار التاريخي الذي اتخذته جمعيتهم، وفي الصباح الباكر، افترق أعضاء مكتب الفرع الطلابي لمدينة الجزائر، والتحقوا بإخوانهم في الميدان، ولم يكن هذا الفريق من الطلاب الأول الذي التحق بصفوف جيش التحرير الوطني، بل هناك فرق عديدة أخرى سبقته.
 لقد كان لنداء الجزائر التاريخي، آثار طيبة في نفوس الطلبة، ليس بالجزائر فحسب، ولكن في كل مكان تواجد به الطلبة الجزائريون، فقد لقي آذانا صاغية استجابت إليه تلقائيا دون أي تردد.
ولإيصال صوت الجزائريين إلى الرأي العام الفرنسي، بعث الإتحاد آلاف الرسائل إلى كل الفرنسيين الذين لهم علاقة مباشرة أو غير مباشرة بالدولة الفرنسية، كالبرلمانيين والشخصيات السياسية المعروفة والشخصيات الدينية والكتاب، والصحافيين ورؤساء الجامعات ونوابهم والأساتذة الجامعيين وغيرهم، وقد جاء هذا النداء الذي وجهه اتحاد الطلبة الجزائريين إلى الشعب الفرنسي على وجه الخصوص ما يلي: “إن هذا الحادث (إضراب الطلبة عن الدروس والامتحانات) ليس له من دلالة سوى أنه عبارة عن ناقوس خطر رن بكل ما لديه من قوة لتصل أصواته إلى أعماق الضمائر في فرنسا، التي مهما حاولنا أن نشرح لها الأوضاع الخطيرة التي تعيشها الجزائر، لن نوفق في ذلك، لما وصلت إليه هذه الأوضاع من تدهور خطير، ونتمنى أن ذلك سيجعل كل فرنسي وفرنسية يؤكد من أعماق روحه على إيجاد حل لهذه المعضلة بجلوس الحكومة الفرنسية مع الممثلين الحقيقيين للشعب الجزائري على طاولة المفاوضات”.
لقد تأثر الطلبة والطالبات الجزائريين بالمأساة التي كان يعانيها الجزائريون يوميا من بطش وتعذيب وتقتيل، وصرحوا للصحافة الفرنسية والعالمية ذلك، صافية بازي، فضيلة مسلي، مريم بلميهوب، هن ممرضات جيش التحرير الوطني وقعن في قبضة الاحتلال في جويلية 1956.
 قالت فضيلة مسلي من وراء القضبان الحديدية إلى القضاة الفرنسيين الذين حاكموها: “لم أعالج إخواني في الكفاح فحسب، ولكن عالجت أيضا سكان الجبال الذين يعيشون في فقر مدقع.. في المرض، الجوع.. وعالجت ضحايا الهجومات العسكرية الفرنسية على قرانا وأريافنا.. عالجت ضحايا القنابل والنيران.. ورأيت عائلات بأكملها تغادر ديارها باتجاه المجهول، خوفا من الموت والتعذيب الوحشي، ومن التعدي على حرماتها،  وعلمت أن أطفالا لم يسبق لهم في حياتهم أن تعلموا”..

أكثر من 157 طالب التحقوا بالولاية الرابعة

بعد أيام قليلة من الإضراب، التحق أكثر من 157 طالب بصفوف جيش التحرير الوطني في الولاية الرابعة، زيادة على تلاميذ الثانويات في المناطق الداخلية، ولا توجد إحصائيات دقيقة عن أعداد الذين التحقوا بصفوف الثورة وكذلك الذين كانوا بجامعة الزيتونة والقرويين والأزهر بمصر.
 أخذت الثورة بعين الاعتبار كل ظروف المنخرطين في صفوفها من طلاب الثانويات، الجامعات، الأطباء والشباب وغيرهم من المثقفين ذوي الاختصاصات المختلفة، واعتبرتهم من المتعاونين الأساسيين معها وقدرت كفاءتهم العلمية وأبعدتهم في أول الأمر عن الميادين الخطيرة والإطار الذي يعمل فيه عادة المقاتلون.
 وحاولت الجبهة توفير شيء من الراحة والاطمئنان النفسي للطلبة، لذلك عينت المثقفين في اختصاصاتهم، فالطبيب مثلا يباشر عمله في هذا الاختصاص، يساعده الطلاب المتقدمون فيه الذين سبق لهم أن درسوا سنتين أو ثلاثة في هذا الاختصاص كمساعدين أو ممرضين.
 وقد حدد مؤتمر الصومام المهام، التي يمكن إسنادها إلى المثقفين الذين انخرطوا في صفوف الثورة، فنجد الطبيب في كثير من الأحيان يتحول إلى ممرض والعكس صحيح، ويضطر أحيانا إلى حمل السلاح لرد العدو، شأنه شأن الإداري أو المكلف بالشؤون الاقتصادية أو القضائية أو غيرها.
وفي المجال التعليمي، نظمت دروس لمحو الأمية باللغتين العربية والفرنسية يشرف عليها الطلبة، وتحولت إلى مدارس وصل عددها إلى حوالي 120 مدرسة بالولاية الرابعة في 1956. وفي الميدان الإعلامي، ساهم الطلاب والمثقفون بقسط وافر في إنشاء الصحف المحلية وتحرير المناشير وتوزيعها، ومن الصحف التي كانوا يساهمون في تحريرها وتوزيعها “الثورة”، “صوت الجبل”، “الحرب” وغيرها.
وزودت الثورة هذا القطاع مطلع 1956 بتجهيزات حديثة كالكاميرات والمسجلات وغيرها من الآلات الحديثة التي من شأنها نقل أحداث الثورة مصورة مسموعة إلى الرأي العام العالمي. أصبح العمل الإداري ركنا أساسيا في العمل الثوري، إذ كان لزاما على كل مسؤول في الثورة، تنظيم أعماله وإشعار الطرف الذي يتبع إليه بالنشاط الذي مارسه كتابيا، وأن يستشيره في القرارات الهامة التي يزمع اتخاذها في هذا المجال أو ذاك، وهو ما جعل المسؤولين في الثورة يستعينون بالطلاب والمعلمين والموظفين الذين كانوا يعملون في الإدارة الفرنسية سابقا.
 وتقدر بعض الإحصائيات في الولاية الثالثة نسبة المتعلمين في صفوف جيش التحرير الوطني بحوالي 8 بالمائة، وهم الذين كانوا يسهرون على مختلف النشاطات الإدارية والسياسية والاجتماعية والثقافية، واهتم الشهيد عميروش، وغيره من القادة العسكريين، بنشر التعليم في صفوف الجنود.
نظر قادة الثورة إلى الطلاب بعين من الثقة يقول أحد الأطباء الذين التحقوا بصفوف جيش التحرير عن قائد: “كان متواضعا.. يعترف بلسانه بمزاياه ونقائصه، وكان يحب أن يجمع من حوله كلما اقتضت الضرورة المستشارين الأكفاء ذوي التجارب الطويلة، كانت تبدو عليه علامات الفرح وهو يجالس الثوريين الذين كان يحترمهم ويكن لهم كل التقدير... لم أنس ذلك اليوم الذي أصر فيه على أن أترأس مجلس الولاية، ولم يكن يؤهلني إلى هذه المهمة أي شيء سوى إصراره على ذلك، وكان يريد التأكيد على الدور الذي يجب أن يؤديه كل مثقف في كفاحنا التحرري”.
وقد أولى العقيد عميروش، أهمية كبيرة للعلم والمعرفة، منذ مطلع سبتمبر 1957 أرسل بعض الطلاب من الولاية الثالثة إلى تونس لإتمام دراستهم، وقد وفرت الثورة لهم السكن اللائق والظروف الملائمة لمواصلة دراستهم.
كثير من الطلبة أسندت لهم مسؤوليات سياسية هامة على المستوى المحلي، فكان الشهيد العربي ابن مهيدي، مسؤولا عن الفدائيين ونشاطاتهم، وعلى كل ما يتعلق بالمتفجرات بصفة مباشرة أو غير مباشرة، وقد برز في هذا الميدان كل من بوعلام أوصديق وعبد الرحمن طالب، فالأول كان مراقبا سياسيا على الفرع الكيمياوي والثاني تقني محنك في ميدان المتفجرات.
ومن الطالبات اللواتي استعانت بهن الثورة في عمليات فدائية جريئة، الزهراء ظريف، سامية الأخضري، جميلة بوعزة، حسيبة بن بوعلي، واستعان القادة العسكريون بمساعدين كلف الطالب عبد الرحمن بن حميدة بالإشراف على الشؤون السياسية للمنطقة التابعة له، واسند فرع الاتصالات والاستعلامات للحاج إسماعيل، المدعو كمال. ووضع على رأس لجنة التحرير للولاية الرابعة الطالب حوحات المدعو محفوظ، وشاركت الطالبة حسيبة بن بوعلي الفدائي علي لابوانت تقريبا في كل العمليات الفدائية إلى غاية استشهادهما.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19472

العدد 19472

الجمعة 17 ماي 2024
العدد 19471

العدد 19471

الأربعاء 15 ماي 2024
العدد 19470

العدد 19470

الثلاثاء 14 ماي 2024
العدد 19469

العدد 19469

الثلاثاء 14 ماي 2024