مأساة المنفيين الجزائريين إلى جزر كاليدونيا ومرغريت

وفاة ثلثي المبعدين إلى كاليدونيا الجديدة أثنــاء تحويلهــم

سهام بوعموشة

جزيرة سانت مرغريت قبالة مدينة “كان” في الألب البحرية أول سجن للأعمال الشاقة خارج الجزائر بالنسبة للمعارضين.. استقبلت هذه الجزيرة مساجين جزائريين بين 1837 و1884، لا يعرف عددهم بالتدقيق، لكن يفوق الألف، حسب م. رونار: السجناء العرب لجزيرة سانت مرغريت 1834.

يضيف المصدر أن العديد من شيوخ القبائل الذين حاربوا في صفوف الأمير عبد القادر أو دعموا عمله اعتقلوا أثناء الإستيلاء على الزمالة وبعثوا إلى هذه الجزيرة من 1837 إلى 1847، تبعهم بعد ذلك 287 من الأهالي الجزائريين، منهم شيوخ انتفاضة “واحة العمري” قرب بسكرة في 1876 ومرابطون ببلاد القبائل مثل الشيخ علي بن الشيخ والشيخ قاسي مقدم الشيخ الحداد.
ويذكر مصطفى خياطي في مؤلفه “حقوق الإنسان أثناء حرب الجزائر”، أن أغلب المساجين المنفيين توفوا بجزيرة سانت مرغريت ودفنوا في مقبرة صغيرة شرق البرج، حيث تذكر جداريات مرورهم بتلك الجزيرة.
ونشر في جريدة الوطن بتاريخ 18 جويلية 2011 أرشيف مدينة سات الذي يتحدث عن وفاة 74 جزائريا بين 1846 و1855، كانوا مسجونين في سجن فورسان لويس الموجود في أقصى المرتفع أو في برج سان بيار، 192 من هؤلاء المسجلين توفوا أثناء 10 سنوات، كانوا يقضون أيامهم في تكسير الحجر وتجميعه لبناء حائل الأمواج أو الطرقات.
ويشير المصدر ذاته، إلى أغلبية سكان مدينة سات يجهلون أن ما كان يسمى سابقا “منحدر البدو”، والذي سمي فيما بعد “منحدر العرب” بُني بدم هؤلاء سجناء الأشغال الشاقة الذين اقتلعوا من عائلاتهم ووطنهم.
ويؤكد خياطي أنه شرع في توجيه المحكوم عليهم نحو كاليدونيا الجديدة المستعمرة الفرنسية منذ 1853، أرسل أغلبهم إلى جزيرة “ماري”وجزيرة الصنوبر، حكم على 149 من قادة انتفاضة 1871 بالنفي إلى كاليدونيا الجديدة، منهم أخ المقراني بومزراق، وعزيز بن الشيخ الحداد وأخيه محمد. سلبوا من كل ممتلكاتهم وأغلبيتهم توفوا أثناء الطريق.
ومن جرائم الاحتلال الفرنسي في حقّ إشراف الجزائر المنفيين هم إجبارهم على فقد ثقافتهم ليبعدوا عن روحهم ودينهم، وأرغم أحفادهم على حمل أسماء مسيحية ليتمكنوا من التمدرس.
وتؤكد المصادر التاريخية وفاة ثلثي المبعدين إلى كاليدونيا الجديدة أثناء تحويلهم، ولم تستفد أغلبيتهم الساحقة من قانوني العفو لصالح المبعدين بتاريخ 3 مارس 1879 بصفة جزئية وفي 11 جويلية 1880 بصفة عامة، ولم تطبق هاته القوانين على الجزائريين.
يقول خياطي: “حوّلت الإدارة الإستعمارية ما يقارب 2000 جزائري إلى كاليدونيا الجديدة أثناء الفترة التي تمتد من 1867 إلى 1889، أغلبيتهم من القطاع الوهراني على الخصوص من ناحية الظهرة”.
ويشير إلى أنه لا يعرف عدد المبعدين الجزائريين إلى غويانة الفرنسية في المحيط الأطلسي بين البرازيل والسورنام، أقامت فرنسا في هذه المنطقة حوالي ثلاثين سجنا للأعمال الشاقة والمعتقلات ما بين 1795 و1945.

أكثر من 500 مبعد جزائري بسجن “مالفي” من 1871 إلى 1903
وفي 1886، أنشأت فرنسا الإستعمارية سجنا للأعمال الشاقة في “أبوك” مخصص لإستقبال المبعدين ذوي الأصول العربية والهندية والإفريقية. واستقبل سجن “مالفي”من 1871 إلى 1903 أكثر من 500 مبعد جزائري، وصل الأولون بعدد كبير ضم 200 دفعة واحدة في 1871 وكلهم متهمين بالتورّط في انتفاضة الشيخ المقراني، والباقي بأفواج صغيرة بين خريف 1872 وجوان 1903.
ويوضح خياطي في دراسته المستندة على الأرشيف، أن المحكوم عليهم بالأشغال الشاقة من بين الأهالي يتحتم عليهم البقاء طيلة حياتهم في المستعمرة، التي أرسلوا إليها حسب البند السادس من قانون 30 ماي 1854، وهكذا توفي أغلبية المبعدين الجزائريين في الأماكن التي أرسلوا إليها، وسمح لعدد قليل فقط بالعودة إلى الجزائر، ولكن حتى في هذه الحالة لم يستطع البعض منهم القيام بذلك لإعتبارات مختلفة، يضيف الباحث.
كانت ظروف الحياة في هذه السجون قاسية جدا. وحسب الإحصائيات الطبّية، معدل حياة السجين لا تتجاوز عشرين شهرا، لأغلبية المبعدين فالحكم بالأشغال الشاقة يعادل حكما بالإعدام، يؤكد خياطي.

 معسكرات التجميع
تواصلت جرائم فرنسا المحتلة في الجزائر، بإقامة محتشدات الاعتقال، التي أطلقت عليها معسكرات الإيواء ومعسكرات الإقامة الجبرية المحروسة في فرنسا، وذلك لعزل السكان عن الثوار وإخماد الثورة في المناطق التي تكثر فيها وحدات جيش التحرير الوطني.
أنشأت هذه المعسكرات بداية 1955 في الأوراس وعرفت تطورا بطيئا ما بين 1955 و1956، وازداد عددها في مارس 1959 حتى وقف إطلاق النار في 1962.
حوّلت الإدارة الاستعمارية السكان المدنيين بالقوة وسجنتهم في مناطق تسمى فضاءات الاعتقال وتركتهم في البرد والحر، دون غذاء ولا ماء ولا دواء، ولم تحترم القوانين الدولية والإنسانية في التعامل مع المدنيين، توفي عشرات الآلاف من الأطفال، وـ حسب خياطي ـ فإن المصادر التاريخية تذكر 200 ألف وفاة من بين المليون، ما يجعل العدد الكامل لوفيات الأطفال 500 ألف على الأقل، يضيف الباحث.
ويصف خياطي هذه الجريمة بالإبادة الحقيقية ضد السكان المدنيين المحرومين من أي دفاع. حيث أنشأ العديد من المراكز في غليزان والشلف، ويروي الطبيب فرانشي أمام المجلس العام لمدينة الجزائر في 1921 الكآبة الكبيرة لهؤلاء المجمعين، بقوله: “أولئك الأفواج من الأهالي الجوعى في مدينة الشلف، والذين يحدون بعض القدرة على تفتيش النفايات المنزلية ويتزاحمون مع الكلاب على القشور”.
ويشير الباحث إلى أن الوضعية كانت أكثر خطورة في الهضاب العليا، يدفن الأطفال وسط الحلفاء والأمهات والشيوخ الموتى جوعا وعلى الخصوص في كهف الملح بالقرب من الجلفة، حيث تجمع المساكين.. مقبرة حقيقية، توفي ثلاثة وثلاثون شخصا أثناء عشرين يوما”.
وبالمنطقة المحرمة للأوراس جمع 2000 ساكن في ديسمبر 1954، نساء وأطفالا وشيوخا، وفي 1955 أعلن عن مناطق محرمة مؤقتا في الشمال القسنطيني ناحية سوق أهراس، والقبائل الكبرى، وفي سبتمبر 1957 وسعت المناطق المحرمة في الجنوب الجزائري.
وفي أكتوبر 1957 أنشأت منطقة محرمة في تيميمون في الصحراء بعد فتح الجبهة الصحراوية، وفي فيفري 1958 أعلن رسميا عن منطقة محرمة في الحدود الجزائرية التونسية، استنادا لما نشرته جريدة المجاهد في عددها 20 بتاريخ 15 مارس 1958، ص377.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19472

العدد 19472

الجمعة 17 ماي 2024
العدد 19471

العدد 19471

الأربعاء 15 ماي 2024
العدد 19470

العدد 19470

الثلاثاء 14 ماي 2024
العدد 19469

العدد 19469

الثلاثاء 14 ماي 2024