تـضامن إعـلامي واسع مع الثـّورة الجـزائرية المباركة

«العـمل» الـتـّونـسـيّــة.. منبر الأحــرار

نضيرة نسيب

 يتآزر الإخوة وقت الشّدة..هكذا كان البلد الجار، تونس، وما زال ليومنا هذا سندا لجاره الشقيق الجزائر بلد المليون ونصف مليون شهيد، وهكذا كان لسان حال صحيفة «العمل» التونسية التي حافظت، بكل احترافية، على الالتزام بالقضية الجزائرية، ناقلة أخبارها إلى كل أرجاء دول الوطن العربي ودول العالم، فكانت متابعة وفية لأحداث الثورة قبل اندلاعها، ولم تفارقها لتدوّن كل أحداثها لحظة بلحظة، إلى غاية تحقيق النصر والاستقلال التاريخي في الخامس من جويلية 1962، هذا الاهتمام الاحترافي للإعلام التونسي، يدعونا لنقل ما جاء في بحث أكاديمي أحاط بالموضوع، نشرته المجلة الدورية الدولية المحكمة «مدارات تاريخية».

 حملت الدراسة التي تناولتها الدكتورة فتيحة قشيش، من جامعة خميس مليانة بالجزائر، عنوان: صدى الثورة الجزائرية في صحيفة «العمل» التونسية، ووقفت فيه عند التغطية الإعلامية فيما بين كل من سنتي 1955 و1962، السنوات التي مثّلت فترة تاريخية مفصلية في تقرير مصير شعب اضطهد وروّع وصودر منه حق الحياة، فاختار طريق الثورة، والكفاح المسلح ليصدّ عدوّا أراد إحكام قبضته الاستعمارية عليه، على امتداد ما يفوق القرن.
 اعتبرت الباحثة قشيش أن خصوصية كفاح الشعب الجزائري، جعلت ثورته تصنف بين أهم الثورات العالمية، ولقد ساعدت الأعمال الإعلامية التي اعتمدتها مختلف وسائل الإعلام المتوفرة في تلك الفترة، على تمرير الخطاب الثوري، فصارت ركيزة أساسية في تحرير الشعوب المضطهدة، وكانت القضية الجزائرية أبرز القضايا التي تناولها الإعلام، بحكم مكانتها عالمية.
بحث الأستاذة قشيش تناول موضوع صحيفة «العمل» التونسية، لسان الحزب الحر الدستوري التونسي، من زاوية تسليطها الضوء على الثورة الجزائرية، واضعة إياها في دفتر متابعاتها، حيث لعبت بذلك دورا مهما ومميزا في تعبئة الرأي العام العربي والعالمي من خلال التوجه إلى تأييد ودعم القضية..وهذا ما جاء في ملخص البحث الذي تطرق إلى موضوع الدراسة من خلال النظر في «كيفية معالجة هذه الصحيفة لأحداث الثورة التحريرية الجزائرية» التي سعت الباحثة إلى إبراز صدى أهم قضاياها، بهدف توضيح الدور الذي لعبته الصحيفة التونسية التي تقول عنها الباحثة إنها حاولت «استقطاب الرأي العام المحلي والدولي نحو نصرة القضية الجزائرية والتضامن معها، وكذا دورها في كشف ألاعيب الدعاية الاستعمارية الفرنسية والتصدي لمغالطاتها المضللة».

تغطية إعلامية محترفة

 وجاء في الدراسة: ساهمت التغطية الإعلامية لصحيفة «العمل» التونسية في تعرية جرائم المستعمر الفرنسي محاولة  تكذيب «خزعبلات» الاستعمار الفرنسي، التي عملت على تصغير حجم الثورة، كما تمثل دورها «في تعبئة الرأي العام التونسي وتوجيهه نحو تأييدها والتضامن معها، في إثارته ضد النظام الاستعماري الفرنسي..واجتهادها في محاولة فضح جرائم هذا المستعمر، ودحض مزاعمه وادعاءاته التي عملت على تقزيم الثورة والتقليل من شأنها».
تحدثت الكاتبة قشيش، في بحثها، عن حرص صحيفة «العمل» التونسية على توخّي الحذر، فقد ابتعدت عن تناول الأزمة السياسية التي عاشتها حركة انتصار الحريات الديمقراطية، حيث تقول إن الأزمة الداخلية هذه كادت أن تشتت الشمل، غير أن فئة من مناضلي الحزب الواعين «أحسّت بخطورة الوضع»، واختارت التوجه نحو قرار موحد للصفوف من خلال التعجيل في تفجير الثورة، حيث اكتفت الصحيفة بالإشارة إلى «تأسيس اللجنة الثورية للوحدة والعمل في 23 مارس 1954، التي أخذت على عاتقها مهمة تفجير الثورة»، بحسب ما جاء في الصحيفة.

10 أكتوبر 1954..مخطّط مُحكم لانطلاق الثّورة

 في هذا الصدد، إضافة لما سبق ذكره، تشير الدكتورة قشيش إلى موضوع صحفي نشرته الجريدة تحت عنوان: «ثلاثون انفجارا بدأت بها الثورة المظفرة»، تطرقت فيه إلى مختلف الأحداث والتطورات التي عرفتها الجزائر عشية اندلاع الثورة، «كما أشادت فيه بالدور البطولي الذي لعبه ثلة من الشباب الجزائري في الإعداد لها، وقد وقفت الصحيفة - بحسب الباحثة - «عند الإجراءات السياسية والتنظيمات العسكرية التي اعتمدوها في إطار التحضير لتفجيرها»، حيث قالت في هذا الصدد إن «فكرة الثورة جسدها في وجه النظام الاستعماري ثلة من الشباب، كانوا منضوين تحت لواء «اللجنة الثورية للوحدة والعمل» وهم: مصطفى بن بولعيد والعربي بن مهيدي ومراد ديدوش ورابح بيطاط وكريم بلقاسم وأحمد بن بلة وحسين آيت أحمد ومحمد بوضياف...وذات يوم، وهو يوم 10 أكتوبر 1954، تسرب ستة شبان ممن حكمت عليهم فرنسا بالإعدام أو بالسجن، تحت ستار الخفاء، إلى بيت في قلب العاصمة الجزائرية، وعقدوا اجتماعا لبحث برنامج تنفيذ خطة اندلاع الثورة، وفي ذلك البيت تقرّر القيام بالثورة المباركة في غرة نوفمبر 1954، ووزّعت الأعمال أهمها تفجير ثلاثين قنبلة في مختلف أنحاء الجزائر وفي وقت واحد».

مجاهدون ثوّار..لا «خارجون عن القانون»

 سجلت صحيفة «العمل» التونسية حيثيات حدث اندلاع الثورة الجزائرية، ولم تهمل وصف رد فعل سلطات الاحتلال الفرنسي بالجزائر أمام حدث تفجير هذه الثورة، وهو الارتباك الشديد ومحاولة التقليل من شأنها والتعتيم عليها، بحجة أنها من فعل ثلة من «الخارجين عن القانون» هذا من جهة، ومن جهة أخرى كان على المستويين السياسي والعسكري، رد فعلها عنيفا، حيث صرّح رئيس الجمهورية الفرنسية فرنسوا ميتران، عقب هذه الحوادث قائلا..وذلك في اعتراف ضمني منه «إن الجزائر هي فرنسا والحرب هي لغة الحوار الوحيدة»، واعتبرها «بوادر ثورة أشعل الشعب الجزائري فتيلها من أجل استرجاع استقلاله واستعادة سيادته»، وهذا ما شكل تصريحا رسميا - حسب الصحيفة – يعترف بمصداقية ثورة جزائرية منبعها الشعب الجزائري، وليس أعمال شغب وتمرد، كما وصفتها السلطة الفرنسية.
 
هبّة شعبية منظمة..
 
 من جهة أخرى، أبرزت الصحيفة موقف الشعب الجزائري إزاء الثورة التي هب إلى تلبية ندائها منذ أول وهلة، فقد أكدت «العمل» - حسب ما جاء في الدراسة - أنه سارع إلى احتضان الثورة «إدراكا من الشعب أن الحلم الذي لطالما انتظره أصبح واقعا في غرة نوفمبر سنة 1954»    تقول: «نادى صوت الوطن مجلجلا، فاستجاب الشعب الجزائري كالرجل الواحد..لبيك النفس، والنفس رخيصة».
وذكرت الباحثة أنه بالرغم من أن حدث تفجير الثورة التحريرية جاء في فترة كانت فيها صحيفة «العمل» محتجبة عن الصدور، إلا أنها سارعت إلى تناول الحدث التاريخي، وتثبيت «مواقفها الصريحة تجاه هذا الحدث فور استئناف عملها،  تقول الدكتورة إن ذلك جاء بعد مرور حوالي سنة كاملة على اندلاع الثورة، حيث جاءت مقالاتها مباركة للمشروع الثوري، ومعلنة عن تأييدها الكامل له، ومساندتها المطلقة للثوار الجزائريين الذين أظهروا من الإرادة والعزيمة والتضحية والاستماتة النادرة، ما جعل شعوب العالم تخلد وتعظم يومهم التاريخي وهو يوم الفاتح من نوفمبر 1954، وتلتف حول مشروعهم وتؤمن بقضيتهم».

فيض من المقالات لاستدراك الحدث

 نشرت الجريدة، بهذا الخصوص، عددا كبيرا من المقالات تناول الحدث، بينها المقال الصادر بالعدد 22، الذي حمل عنوان «بيان المكتب السياسي للحزب الدستوري التونسي»، وذلك بعد عقد الحزب - الناطقة الصحيفة باسمه -  لمؤتمر ناقش تطورات القضية الجزائرية، حيث تضمن هذا المقال تحية للشعب الجزائري، مع الإعلان عن التأييد والدعم المطلقين له، كما نددت فيه بالقمع والاضطهاد الاستعماري المسلط على الجزائريين، ودعت الحكومة التونسية إلى ضرورة توضيح موقفها من القضية الجزائرية لدى السلطات الفرنسية، مؤكدة على أنه لا استقرار ولا سلم في تونس، طالما الشعب الجزائري غارق في محنته.

متابعة لأهم المحطّات التّاريخية للثّورة

 حول كيفية مواكبة الصحيفة التونسية لأهم المحطات التاريخية من خلال التعبير عن مواقفها من الثورة التحريرية الجزائرية، تقول قشيش في دراستها للمقالات المنشورة في تلك الفترة التاريخية: «لم تقف الجريدة عند محاولة تعظيم ومباركة يوم الفاتح من نوفمبر 1954 فحسب، بل حاولت تتبّع أهم المحطات التاريخية التي مرت بها هذه الثورة، حرصا منها على الإشادة بإنجازاتها وانتصاراتها، ففي عددها الصادر بتاريخ 21 أوت 1957 وإحياء للذكرى الثانية لهجومات الشمال القسنطيني 20 أوت 1955، نشرت الصحيفة مقالا تناولت فيه وقائع وأحداث هذه الهجومات محاولة كشف الستار عن الخسائر الفادحة التي ألحقها ثوار المنطقة بالمستعمر الفرنسي، كما أكدت فيه على أن هذه الهجومات أعطت نفسا جديدا للثورة التحريرية».

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19472

العدد 19472

الجمعة 17 ماي 2024
العدد 19471

العدد 19471

الأربعاء 15 ماي 2024
العدد 19470

العدد 19470

الثلاثاء 14 ماي 2024
العدد 19469

العدد 19469

الثلاثاء 14 ماي 2024