أيـــــــام مباركــــــــات تصنـــــــع بهجـــــــــة النفــــــــــوس..

من رمضان إلى الفطر..رحلة الإيمان

سهام بوعموشة

 

كان سكان أعالي العاصمة يستقبلون شهر رمضان المبارك ببهجة كبيرة وتحضيرات خاصة تبدأ في شهر شعبان، بتنظيف المنزل وشراء التوابل، وطحنها في المنزل، أواني وأفرشة جديدة، ذبح الكباش، وتجهيز ما يعرف بالمقطفة التي تطبخ مع الشربة، وغيرها من التحضيرات.

تروي صليحة بن فناتقي، القاطنة حاليا بوادي حيدرة، لـ«الشعب”، كيف كانوا يحضرون لهذا الشهر الفضيل، عندما كانت تقطن مع عائلتها بـ “فونتان فريش Fontaine Fraîches “، أعالي الأبيار، حيث كانت الاستعدادات في شهر شعبان، بتنظيف المنزل، وطلائه، شراء أوان جديدة وأفرشة مطرزة، شراء التوابل التي كانت تطحن في المنزل، وتنظيمها في المطبخ أو كما كان يسمى “الخيامة”، تحضير أوراق الديول لصناعة البوراك، وتستخرج الصحون القديمة الموروثة عن الأجداد، وكانت العائلات تشتري الدجاج وتذبحه في المنزل، ويذبح أيضا الخرفان، ليلة رمضان، لتوفير كمية اللحم طيلة الشهر الفضيل، وتعاد ليلة النصف من رمضان، عندما تنفد كمية اللحم المستخدم للطهي، وهذا كي لا تضطر إلى التسوّق يوميا لشراء اللحم.تقول محدّثتنا إنّ سكان منطقة متيجة والفحص ببوزريعة والأبيار، كانت لهم عادة ذبح الخرفان ليلة رمضان.
وتشير صليحة إلى أنّ التحضيرات لشهر رمضان كانت دقيقة، ولا يسمح بارتكاب خطأ؛ لأنّ الرجال كانوا صارمين يحبون أن يكون كلّ شيء منظما، سواء في الطبخ أو تحضير طاولة الإفطار، والسحور، وكانت المرأة الأكبر سنا هي من تطبخ، في حين الفتيات يقمن بالتنظيف وبقية الأعمال المنزلية.وتضيف أنّه في القديم، كانت تطبخ في اليوم الأول من شهر رمضان الشربة المقطفة، المثوم، البوراك باللحم المفروم وبشكل صغير، اللحم لحلو بالتفاح والسفرجل، سلطة كبدة مشرملة، سلطة الخس، التي تقطع وتملح قبل الآذان، وأنواع أخرى من السلطة، مع صناعة كسرة أو ما يسمى خبز الدار في فرن مصنوع من الطين، لأنّه قديما العائلات الجزائرية القاطنة بالفحص كانت تملك فرنا من الطين في البساتين أو ما يسمى “الجناين”.وعندما يؤذن إمام المسجد وتضرب المدافع، الكلّ يذهب للصلاة، ويقدّم التمر بداخله اللوز، مع حليب البقر، أو المعز، أو النعجة. الإضاءة في كلّ مكان، وبعد الإفطار تقام صلاة التراويح في خشوع، تقول خالتي صليحة.
 وتروي محدّثتنا أنّ الأطفال يجتمعون أمام باب المسجد ينتظرون سماع المدفع، وينادون “اضرب اضرب يا شيخ، باش نسمعوا المدفع، ونديروا هم هم”، وتشير إلى أنّه كان هناك أحد يدعى عمي أحمد لديه بستان وسانية وهي عبارة عن عجلة كبيرة تدور لتستخرج الماء من البئر، يشغّلها بعد العصر، وتبقى تدور ويجتمع حولها الأفراد لملء الأواني بالماء العذب والبارد لشربه عند الإفطار.
بعد الإفطار تجهّز مائدة خاصّة للسهر بها صينية القهوة مفروشة بغطاء مطرّز، كؤوس الشاي مع حلوة الصمصا بالجوز والبندق، قلب اللوز، والزلابية معشوقة الجميع لا يمكن الاستغناء عنها، حيث يتزاور الأقارب والجيران، للسمر بعد الإفطار.
حفلات خاصّة بصوم الأطفال
وبالنسبة للأطفال الذين يصومون لأول مرة، ليلة النصف من رمضان، تقول خالتي صليحة، أنّه يحضّر لهم عصير الشربات، حيث ترتدي الفتاة قويط، ويعصّب رأسها بقطعة قماش، وتجلس فوق كرسي عالي وتقدّم لها الجدّة الشربات في كأس مذهب، والجميع يزغرد فرحا بصومها، والشيء نفسه مع الولد، الذي يرتدي شاشية وسروال عاصمي، ويحظى باهتمام العائلة خاصّة الجدّ والجدّة، ووالديه، الذين يحيطون به ويقدّم لهم الأكل في صينية من النحاس الخالص.
ومن العادات القديمة خلال شهر رمضان، تلك التي تشترك فيها كلّ العائلات العاصمية في السحور مثل تحضير معكرونة خاصّة، بعد فتل العجينة وتترك لتجفّ وتحمّص وتطبخ مع مرق اللحم المفروم، ويضاف لها القرفة، توضع في صحن كبير ويضاف لها البيض المسلوق المقطع إلى شرائح صغيرة، والبيض المغلي، لتزيين الصحن، وبالمقابل يحضّر أيضا الكسكس (المسفوف)، بالزبيب أو الجلبانة والفول، ويرافقه اللبن، ويسحر أيضا بالمقروط المعسل، وحلوى اللامونا، تقول محدّثتنا.وتضيف: “في الماضي كان من يتأخر عن الوصول إلى منزله، يقصدنا للإفطار والتسحر، وعند المغادرة بعد السحور نعطيهم قنينة ماء، كنا مثل العائلة الواحدة نفطر عند بعضنا ونساعد المحتاج.”وعن ليلة القدر، تقول خالتي صليحة، أنّها كانت ليلة عظيمة بالنسبة لهم، الكلّ فرحين بها، وكان يقام حفل ختان الأطفال، وهم يرتدون لباس الختان، وكأنّك في عرس بهيج.
ليلة عيد الفطر
يودع سكان العاصمة شهر رمضان الكريم، ليستقبلوا عيد الفطر المبارك، بالبهجة نفسها، وتحضيرات خاصة، ليلة العيد، بصناعة الحلوى من مقروط، تشاراك، غريبية، حلوة الطابع، فطيرة البرتقال، وأنواع أخرى من الحلوى غير المعسلة، حسب ما ترويه محدّثتنا.
في هذا السياق، تقول: “ليلة العيد لا ننام نحضر الحلويات، وغداء عيد الفطر، كي نكون مستعدّين لاستقبال الأقارب، ونحن في أبهى حلّة ولا يجدونا في المطبخ، منهمكين في الطبخ وتنبعث منا روائح الأكل، الأبواب مفتوحة لاستقبال الأحباب والجيران، والأقارب، ونجهّز صحونا إضافية نرسلها لمن لم تسمح له الإمكانات بصناعة الحلوى، كنا نحمل هموم الآخرين”.
وتضيف: “غداء يوم عيد الفطر، هو ما تبقى من رمضان وهي شربة المقطفة، ونسميها بقاو على خير، ونحضّر أيضا شربة بوزلوف بمرق أبيض معقودة، وعصبان، نأمل أن تعود مثل هذه العادات الجميلة، التي تلتحم فيها الأسرة الجزائرية، وتتضامن فيما بينها، رمضان والعيد في الماضي كان لهما نكهة خاصّة لدى الجزائريين”.

 

رأيك في الموضوع

« أفريل 2025 »
الإثنين الثلاثاء الأربعاء الخميس الجمعة السبت الأحد
  1 2 3 4 5 6
7 8 9 10 11 12 13
14 15 16 17 18 19 20
21 22 23 24 25 26 27
28 29 30        

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19737

العدد 19737

السبت 29 مارس 2025
العدد 19736

العدد 19736

الجمعة 28 مارس 2025
العدد 19735

العدد 19735

الأربعاء 26 مارس 2025
العدد 19734

العدد 19734

الثلاثاء 25 مارس 2025