مازال الاعتقاد سائدا في مدن البليدة وقراها وأريافها بأنّ ليلة القدر المذكورة في القرآن تُصادف ليلة السابع والعشرين من شهر رمضان، لذا تُبرمج أهم الأنشطة الثقافية والخيرية والدينية في هذه الليلة المباركة التي هي خير من ألف شهر.
يظهر الاهتمام بهذه الليلة جليا في الأسرة التي تحتفي بتحضير أشهى الأطباق للإفطار، وغالبا ما تكون أكلات تقليدية، فيما تُفضل بعض العائلات تصويم الطفل الصغير لأول مرة، ضمن احتفالاتها، حيث يرتدي الطفل أو البنت لباسا جديدا ويتم تكريمه من قبل أفراد العائلة في جو بهيج، وذلك من أجل غاية نبيلة تتمثل في تربية الأجيال الصاعدة على مبادئ الدين الحنيف.
برنوس للصائم الصغير
تحدّثت خالتي يمينة عن هذه الطقوس التي توارثتها العائلات في البليدة: “نحرص على تصويم الأطفال لأول مرة في ليلة القدر اعتقادا منا بأنّها ليلة القدر ولها قدسيتها والدليل أنّ لها سورة في القرآن، ولما يصوم الطفل يترعرع على تأدية ركن من أركان دينه كما يتعلم الصبر والقدرة على مقاومة النفس.”
وبحسب محدّثتنا فإنّ تصويم الأطفال يُشكّل حدثا مهما لذا تقيم الأسرة حفلة يحضرها أفراد العائلة الكبيرة، على أن يتضمّن الاحتفال مشروب “الشربات” التقليدي المحضّر من الليمون والماء والسكر وماء الزهر، بالإضافة إلى تقديم هدايا ونقود إلى الطفل، وثمّة عائلات تقدّم “الشاربات” لابنها الصائم للمرّة الأولى، من مكان مرتفع وفي إناء يحوي في داخله خاتماً من الذهب أو الفضّة، إشارة إلى رفع شأن ابنها بهدف ترسيخ هذا الحدث في نفسه، ومنهم من يكسي الطفل “البرنوس” اللباس التقليدي مع دهن يديه بالحناء ومن يحتفلون معه.
يأتي ذلك وسط أجواء احتفالية دينية تتخلّلها دعوات من الجدّ والجدّة وكذلك من الأمّ والأب، بدوام الصحة والعافية والنجاح في حياته المستقبلية، وفي خضم تبادل أطراف الحديث بين أفراد العائلة يصغون الصغار للأحداث الدينية بالإضافة إلى الحديث المستفيض عن ليلة القدر، التي أُنزل فيها القرآن على النبي محمد. ثمّ يعمد الجميع إلى الإكثار من الذكر والصلاة والدعاء.
ختان الأطفال وتكريم الحفظة
فيما يتعلق بالمجتمع، فإنّ الاحتفالات بليلة القدر في البليدة، غالبا ما تكون في شكل نهائيات لمسابقات دينية بالمساجد وحتى في الإقامات الجامعية لفائدة الطلبة أو بقاعات أفراح، حيث يتم تكريم فرسان القرآن الأوائل ومنهم من يحظى بالفوز برحلة نحو البقاع المقدسة لتأدية العمرة.
ومن بين مشاهد التآلف والتكافل الاجتماعي التي تميّز المجتمع البليدي تلك الاحتفالات التي تنظمها الجمعيات الخيرية لختان الأطفال بمساعدة بعض العيادات والأطباء المحسنين، ويأتي هذا النشاط تكملة لعملية إفطار الصائمين في مطاعم الرحمة طوال الشهر الفضيل.
وخلال ليلة السابع والعشرين تشرع بعض الجمعيات الخيرية في توزيع ملابس العيد على الأيتام والمعوزين، وهذا بعد جهود سبقت هذه العملية التضامنية لأجل إسعاد هذه الفئة قبل حلول عيد الفطر المبارك، وهذا بهدف تعزيز الروابط بين أفراد المجتمع بغرض تحقيق التماسك الاجتماعي الذي يقضي ألا يشعر اليتيم والمعوز بأنّ الآخر لا يهتمّ به.
وفي الحقيقة يُكثف البليديون جهودهم في العبادات والذكر خلال الأيام العشر الأخيرة من رمضان، وذلك بالمواظبة على صلاة القيام ومنهم من يُصلي التهجّد، وهذا لأنّ جمهور العلماء اتفقوا بأنّ ليلة القدر تظهر في إحدى الليالي الوترية للشهر الفضيل دون تحديد ليلة بعينها. وما يجب الإشارة إليه هو أنّ القائمين على المساجد يحرصون على جمع الأموال من طرف المصلين لمكافأة المتطوّعين الذين تولّوا الإمامة في صلاة التراويح، وهذا مقابل جهدهم، وتشجيعا لهم على حفظ القرآن وتحفيظه والعمل بأحكامه.