تعتبر ليلة 27 من رمضان في قسنطينة واحدة من أهم المناسبات الدينية والاجتماعية التي يحييها سكان المدينة بقدسية خاصّة، حيث تجمع هذه الليلة بين الأجواء الروحانية العميقة والتقاليد العريقة التي تعكس الطابع الديني والثقافي للمدينة، فمع حلول هذه الليلة تتزيّن شوارع قسنطينة وتنبض المساجد والساحات العامة بالحياة، في مشهد يعكس ارتباط سكان المدينة بجذورهم الروحية والثقافية.
تبدأ استعدادات ليلة 27 مبكّرًا، حيث يحرص سكان قسنطينة على تنظيف وتزيين المساجد والمنازل لاستقبال هذه الليلة المباركة، مع حلول المساء، تكتظ المساجد بالمصلين الذين يتوافدون لأداء صلاة التراويح وقيام الليل، حيث تُقام ختمة القرآن في جوّ يسوده الخشوع والتقرّب إلى الله، وبعد ختم القرآن يرفع الإمام دعاء ختم القرآن ويعلو صوت التكبيرات والدعوات ما يمنح الحاضرين إحساسًا قويًا بالسكينة والطمأنينة.
من جهته، الفنان “زين الدين بوشعالة” الذي تحدّث عن عديد العادات التي لا تزال مدينة قسنطينة في مقدّمتها الزوايا الصوفية التي دائما تنظم بهذه المناسبة حلقات ذكر على الطريقة الصوفية، حيث يُنشد المريدون الأذكار في جوّ يغلب عليه الخشوع، حيث تُستخدم الآلات الموسيقية التقليدية لإضفاء طابع روحي مميّز، إلى جانب المساجد التي تخصّص أوقاتًا للدعاء الجماعي والتضرّع إلى الله، حيث يرفع المصلون أيديهم بالدعاء في جوّ من الخشوع.
إلى جانب الطابع الديني، يضيف “زين الدين بوشعالة” أنّ ليلة 27 في قسنطينة تشتهر بإقامة حفلات ختان الأطفال، إذ تُعدّ الليلة المباركة مناسبة مثالية لمثل هذه الطقوس الدينية، العائلات تُقيم الولائم وتقدّم أطباقًا تقليدية مثل الشربة الفريك، البوراك، وطاجين الزيتون، إلى جانب الحلويات التقليدية كالمقروط، الزلابية، والقطايف.
النساء يرتدين القندورة القسنطينية المطرزة بالخيوط الذهبية، بينما يرتدي الرجال الجبادور التقليدي، ما يضفي على الأجواء لمسة من التراث الأصيل، أما الأطفال الذين خُتنوا يُلبسون ملابس جديدة ويحملون شموعًا مضاءة، ويطوفون في أحياء المدينة وسط أجواء احتفالية عائلية.
هذا وتلعب الفنون دورًا أساسيًا في إحياء ليلة 27، حيث يُشارك الفنانون في تقديم عروض للمدائح النبوية والأناشيد الدينية في المساجد والزوايا، كما تُقام حفلات للمالوف القسنطيني، العيساوة والمدائح الدينية، وهو جزء أصيل من تراث المدينة، إذ تؤدّي الفرق الفنية مقطوعات موسيقية تحمل معاني روحية عميقة تناسب روحانية الليلة التي ينتظرها كلّ مسلم بالشهر الفضيل.
وتشكّل ليلة القدر فرصة لتقوية الروابط الاجتماعية، حيث يجتمع الأهل والجيران في جلسات عائلية بعد أداء العبادات، كما تُعتبر مناسبة لتعزيز قيم التكافل الاجتماعي، إذ يحرص سكان قسنطينة على توزيع الصدقات والمساعدات على المحتاجين والفقراء.
حيث لا تعتبر الليلة فقط مجرد مناسبة دينية بل هي محطة ثقافية وروحية تعبر عن الهوية العميقة للمدينة، من خلال المزج بين الطقوس الدينية والتقاليد الإجتماعية والفنية، حيث تقدّم مدينة قسنطينة نموذجا فريدا في كيفية الاحتفاء بالليلة ما يجعلها واحدة من أبرز المحطات الرمضانية بالجزائر.