يرى المستغانميون أنّ ليلة القدر أو ما يعرف بليلة “النفقة” فرصة عظيمة لتقوية أواصر التضامن والتكافل فيما بينهم، ولأنها ليلة خير من ألف شهر لها رمزية وقدسية كبيرة لدى العائلات المستغانمية الذين يعدّون العدّة لإحيائها قبل حلولها بأيام عديدة، لتكريس عادات وتقاليد توارثوها جيلا بعد جيل.
ليلة “النفقة” كما تسميها العائلات المستغانمية، هي ليلة مميّزة تتجدّد فيها عادات وتقاليد متوارثة عن الأجداد سواء في الجانب الروحاني والاجتماعي، من خلال تقديم المساعدات للمحتاجين وتحضير أشهى الأطباق التقليدية تجمع فيها العائلة والأقرباء لتجسيد أواصر التضامن والتكافل، كما تقوم العائلات المستغانمية في هذه الليلة المباركة بختان الأطفال والحرص على تصويم أطفالها لأول مرة.
وفي هذا الصدد، تقول السيدة حسيبة مختصّة في التراث “أنّ ليلة القدر بولاية مستغانم تسمى “النفقة” بمعنى إخراج المعروف على الأطفال والأهل، وأنّ الرجل ينفق بالزيادة في تلك الليلة حيث يجمع الأهل على طاولة واحدة للمّ شمل العائلة والتصدّق على الفقراء والمحتاجين، كما تحرص الأسر في ليلة القدر المباركة على تحضير سيدة المائدة الرمضانية في هذه الليلة المباركة طبق “الرقاق” بالمرق الأبيض والحمص والدجاج وشربة “المقطفة” والحلويات التقليدية، وذلك تبركا بهذه الليلة العظيمة.
وأضافت حسيبة “تستغلّ بعض العائلات المستغانمية هذه المناسبة الكريمة، لتعوّد أبناءها على الصيام لأول مرة، والتي يتم التحضير لها يومين من قبل، حيث تتفنن الأمهات في تحضير أشهى الأطباق والحلويات التقليدية وكأنّه عرس بحيث تتزيّن الفتاة الصائمة بالشدّة المستغانمية التقليدية وتعامل وكأنّها ملكة هذا اليوم، وتقوم الجدّة بوضع خاتم من ذهب في كأس من عصير الليمون أو الحليب، ودلالته حتى يصبح صيامه كالذهب ويثبت في ذلك الصيام.”
وترافقها جلسة رمضانية مستغانمية بامتياز بدعوة الأحباب احتفالا بصوم البنت لأول مرة مع تحضير ما لذّ وطاب من الحلويات التقليدية الصامصة والمحنشة والقطايف وتستمر السهرة حتى موعد السحور، بحيث يتبادلن أطراف الحديث وحكايات زمان، فيما يرافق الولد الصائم لأول مرة والده إلى صلاة التراويح والسهر في الخارج.
وتابعت محدّثتنا، كما تعدّ ليلة القدر إحدى أهم الليالي خلال شهر رمضان الكريم لختان الأطفال وتستغلّ العديد من الجمعيات الخيرية ليلة القدر لتنظيم حفلات ختان جماعية للعائلات المحرومة والمعوزة، مع تقديم ملابس وهدايا للأطفال لإدخال البهجة والسرور في نفوسهم يوم عيد الفطر، إلى جانب تكريم حفظة القرآن الكريم، فبعد صلاة التراويح تنظم أغلب المساجد حفلات يتلى فيها القرآن وتنشد المدائح الدينية، ويتوّج حملة القرآن الكريم.
كما تحرص الأسر في ليلة القدر المباركة على وضع القطران في الأرجل لكلّ أفراد العائلة لطرد الشياطين - على حدّ اعتقادهم - إضافة إلى تبخير الدار بالجاوي، وهي عادات وتقاليد تؤكّد عليها العائلات المستغانمية مع كلّ مناسبة دينية ولازالت تحافظ عليها بالرغم من التغيرات التي طرأت على المجتمع، إلا أنّها مازالت حاضرة وتؤكّد حضورها الدائم وتجدّدها في كلّ مناسبة.