لظهور القهوة والمقاهي، في بلاد العرب والمسلمين قصة يرويها الدكتور محمد الأرناؤوط، من عمان في مؤلفه بعنوان “من التاريخ الثقافي للقهوة والمقاهي”.
يسرد الكاتب بدايات وصول القهوة من اليمن إلى الحجاز ومصر والشام في القرن العاشر الهجري (السادس عشر الميلادي)، وكيف أصبحت عادة شرب القهوة، حيث أقبل عليها الناس ونظمت فيها أشعار وقصائد تمدح طعمها، ويتطرق الكاتب إلى موقف الفقهاء من شرب القهوة التي أطلق عليها اسم القهوة البنية، لتفريقها عن القهوة القديمة التي كانت تسمى خمرا، والجدل الذي وقع بين الفقهاء والعلماء في القرن السادس عشر الهجري، ما أدّى إلى تحريمها وإغلاق المقاهي التي كانت تسمى “بيوت القهوة”.
ويشير الكاتب إلى أنّه “عندما انتشر شرب القهوة أصبحت تجمع الرجال والنساء في بيوت القهوة، هذه الأخيرة اأصبحت تضمّ أدوات التسلية كالشطرنج والرهن والقمار، ما دفع قضاة الإسلام يجتمعون لمناقشة المسألة واتفقوا في الأخير على التمييز بين القهوة وبين ما يصاحب شربها من سلوكيات ومظاهر، وأجمعوا على تحريم اجتماع الناس على هذه الهيئة واعتبروا أنّ حكم البن هو حكم النباتات والأصل فيه الإباحة، وتركوا الأمر للأطباء لكي يقرّروا إذا كان يحصل من شرب القهوة ضرر في البدن أو العقل”“
وتقول كتب تاريخية: “انتشرت بيوت القهوة في دمشق نهاية القرن العاشر الهجري/السادس عشر الميلادي بفضل الأوقاف، التي عرفتها دمشق حينئذ، حيث أنّ وصول القهوة البنية مثلما كانوا يسمونها إلى جنوب بلاد الشام، وبروز المقاهي لأول مرة كان من الأحداث المهمة في التاريخ الحضاري للمنطقة”.
و«تحوّلت بيوت القهوة أو المقاهي إلى مراكز ثقافية واجتماعية، تجذب الفقهاء والشعراء وتجمع هواة الغناء والموسيقى والمسرح، ولقد تزامن وصول القهوة الى جنوب الشام من الحجاز واليمن مع التغيير السياسي، الذي حصل في المنطقة، أيّ مع سقوط الدولة المملوكية وبروز الدولة العثمانية.”
في الجزائر..سميّت شاذلية..
وحسب أرناؤوط، “القهوة في الجزائر كانت تسمى شاذلية نسبة إلى أبي بكر الشاذلي، وفيما يتعلق ببلاد الشام نجد أنّ المؤرخ الدمشقي المعاصر لانتشار القهوة نجم الدين الغزي، الذي توفي في 1651م يعزّز من الرواية القائلة بدور أبي بكر الشاذلي المعروف بالعيدروسي، في اكتشاف القهوة ببلاد اليمن، إذ أنّه يعتبره مبتكر القهوة المتخذة من البن”.
من اليمن إلى سراييفو
أصبحت بلغراد تعرف بدمشق الأوروبية، وأصبح طريق الحج الحيوي (سراييفو-اسطنبول-حلب-دمشق-المدينة-مكة)، جسرا هاما للتواصل الحضاري بين شعوب المنطقة، إذ كانت تنتقل فيه الأفكار والطرق الدينية والسلع الجديدة.
يذكر المؤرخ العثماني المعروف بجوى وهو بوسني الأصل، “أنّ اسطنبول عرفت القهوة والمقاهي في 962ه/1554م، وقام شخص في دمشق وآخر من حلب بفتح مقهيين في محلة تحت القلعة، حيث أخذا يبيعان القهوة للزبائن المتزايدين”.
ويؤكّد المؤرخ العثماني “أنّ هذين المقهيين سرعان ما نجحا في جذب نخبة اسطنبول من أصحاب القلم والكتاب، والقضاة والمدرسين وكبار الموظفين، وهكذا فقد أدخل المقهى تغيّرات سريعة في الحياة الثقافية والاجتماعية للعاصمة، إذ أصبح المرء يرى فيه من يقرأ الكتب، ومن ينشد القصائد ومن يخوض في المناقشات الأدبية الفقهية”.
ويشير نجوى إلى “أنّه فيما بعد أخذ يتردّد على المقاهي الأئمة والمؤذّنون وطلاب المدارس الدينية، حتى تقاعس الكثيرون منهم عن الذهاب إلى الجوامع، ما أثار سخط بعض الفقهاء الذين راحوا يصفونها ببيوت الفساد”.
وبسراييفو، انتشرت القهوة في النصف الثاني القرن السادس عشر، يقول المؤرخ العثماني: “سراييفو بها مقهى حسن الترتيب يتميّز بوجود ركن خاصّ لكلّ طائفة في المجتمع: واحد للقضاة، وآخر للشيوخ وثالث للأعيان ورابع للمدرسيين، ثمّ انتشرت في مدن فوتشا، بانيا لوكا، في 1600م. وظهر لقب القهواجي، يقدّم فناجين القهوة لزبائنه، ولم تعد القهوة تقدّم في المقاهي والبيوت الخاصة، بل أصبحت تقدّم في السرايا ولأهم الضيوف”.