كتاب “شرفة على حيفا” للكاتب المحامي حسن عبّادي، من إصدار جسور ثقافيّة للنّشر: عمّان -2022. يُصنّف الكتاب بالتّنويع في القصص القصيرة، والحكايات، والطّرفة، قاربت الثمانية والثلاثين قصّة وحكاية؛ أهدى عمله الأدبي لزوجته سميرة، التي كتبت رأيها الشّخصي في الكتاب، ولأبنائه.
اختار الكاتب هذا النّوع من الأدب؛ لإيصال رسائل إجتماعيّة، وسياسيّة، فيها نوع من النّقد اللّذع والمفارقات، علقت في ذهنه، فهي قصص واقعيّة، وليست من ضرب الخيال، فهي تعكس ظروفًا سياسيّة واجتماعيّة عايشها الفلسطينيّون قبل، وأثناء ثمّ بعد النّكبة. اعتبر الكاتب عبّادي المكان بطلًا لقصصه، فالأماكن كانت مسرحًا لقصصه وحكاياته، ومعظمها دارت أحداثها على مشارف حيفا؛ حيث انتصر للأماكن والقرى المُحتلّة داخل فلسطين التّاريخيّة؛ والمجاورة لمدينة حيفا عروس البحر، حيث يسكن كاتبنا.
لم ينسَ كاتبنا مدينة القدس أيضًا، بذكر بعض مناطقها وحاراتها مثل: حارة السّعديّة وباب السّلسلة وحي القطمون: شارع عابدين أيّام فلسطين قبل النّكبة، وأصبح الآن يسكنه المستوطنون. خلّد الكاتب القرى المٌهجّرة والمُدمّرة؛ لتُحفظ في أرشيف الذّاكرة الفلسطينيّة؛ ومن أسماء بعض القرى مثلًا: قرية إجزم المُهجّرة، الرّوحة، أم الزّينات، عين الغزال، قرية زمّارين، الدّامون، قرية اللّجون، مجيدو في مرج بن عامر، قرية ميعار، قرية شعب، قرية صبّارين، وعسقلان، وعكّا وحيفا، وباقي قرى الجليل: مجد الكروم، وكفر ياسيف، وشفاعمرو، والنّاصرة. نهج كاتبنا المحامي عبّادي أسلوب السّرد التّقريري أحيانًا، وأسلوب عرض المفارقات في القصص، وأحيانًا أخرى السّرد المُضحك المُبكي.
وُصفت اللّغة بسهولتها، وانسيابها، وتخلّلت بعض الكلمات العاميّة أحيانًا والمحكيّة بلهجة أهالي شمالي فلسطين التّاريخيّة؛ بالإضافة لاستخدام بعض الكلمات العبريّة مثل: غوييم، تلتليم، الكُبّانيّة، وما إلى ذلك. اختار الكاتب بعض العناوين من الأمثلة العربيّة الفلسطينيّة مثل: “من طين بلادك حط على اخدادك”، ريحة الزّوج ولا عدمه”، “علينا يا مندلينا قشّرناها سوا؟”، “ مش كل واحد لف الصّواني صار حلواني”.
أظهر الكاتب بعض النّباتات الموسميّة الهامّة في الأماكن المذكورة أعلاه مثل: الخبّيزة، والعلت، والحويرّة، والعكّوب، والزّعتر، والتّين، والزّيتون، والسمّاق، وذكر نبات الصّبّار الّذي ما زال مزروعًا في قرية اللّجون بالأرض منذ النّكبة.
نبتة الصّبّار ترمز إلى الثّبات والتشبّث بالأرض. لفت انتباهي تكرار بعض القصص حول انتحال بعض النّساء أو الرّجال بالإدّعاء حول كونهم شعراء أو أدباء مشهورين، يبذلون الغالي والرّخيص من أجل ذلك. كما ورد في قصّة “جوز السّت” وقصّة الطمبوريّة” وقصّة “مش إنت حيدر”.
ركّز الكاتب عبّادي على بعض القصص حول الوطنيّة، التّمسك بالأرض مثل قصّة “مش رح أوصّيكم” اتي تتحدّث عن عفيفة أم شكري الأرملة، والّتي عملت بمستوطنات؛ لتغطّي تكاليف تعليم ابنها شكري؛ الّذي نسي أمّه، فحصلت الأم على عنوان ابنها وسافرت إليه، عندما فتحت كنّتها الأجنبيّة باب البيت، أغلقته حالًا في وجهها، فأغمي عليها. في المستشفى حفيدها آدم الطبيب أجرى لها عمليّة ووجد في بطنها مفتاحًا، وقالت: “مش رح أوصّيكم”.هذه القصّة الرّمزيّة، تدلّ على التّمسك بالوطن وحقّ العودة.
كذلك قصّة “ الوطن غالي يا بهيجة”، هذه القصّة تتحدّث عن شاب عريس من قرية الدّامون، هُجِّر في يوم عُرسه، حاول العودة للقرية؛ لكنّه وجد قريته مُدمّرة، فنام في مقبرة قريبة من القرية، والتقى بامرأة من قريته، فتعانقا، وبكيا معًا دون أن ينبسا بحرف. قال بمرارة: “الوطن غالي يا بهيجة”.
من القصص الّتي تُظهر المُفارقة، قصّة “صبّار في اللّجّون”، عندما سافر مجد مع ليلي (اليهوديّة) وتعتبر يساريّة ومناصرة للعرب، عند العودة أوصلها مجد لبيتها؛ ليكتشف بأنّ بيتها هو بيت جدّه قبل النّكبة. في اليوم التّالي غضبت ليلي عندما نسيت صندوق الشّوكلاطة في سيّارته، وأنّبت مجد على ذلك، حيث قال في نفسه: “هي غاضبة على صندوق الشّوكلاطة، وقلبي يحترق على بيت جدّي”. أبرزت قصص أخرى مثل هذه المُفارقة، وهذا الصّراع الذّاتي حول الحسرة من فقدان الممتلكات والأرض منذ النّكبة. أعجبني هذا النوع من القصص الّتي توصف الحسرة والألم كلّما نصطدم بهذه الأوضاع.
خلاصة الموضوع: كتاب “على شرفة حيفا”، كان العنوان موفّقًا، هذا الكتاب إضافة نوعيّة؛ تُضاف لأرشيف الذَاكرة الفلسطينيّة؛ حيث يعكس جزءًاً بسيطًا من الجانب الفلسطيني لفلسطين التّاريخيّة قبل وبعد النكبة. اتمنّى من الكاتب الاستمرار بالكتابة حول هذه المواضيع، غير المعروفة للعالم.