متنفَّـس عـبرَ القضبان (107)

كتب: حسن عبادي - حيفا

بدأت مشواري التواصليّ مع أسرى أحرار يكتبون رغم عتمة السجون في شهر جوان 2019 (مبادرة شخصيّة تطوعيّة، بعيداً عن أيّ أنجزة و/أو مؤسسّة)؛ تبيّن لي أنّ الكتابة خلف القضبان متنفّس للأسير، ودوّنت على صفحتي انطباعاتي الأوليّة بعد كلّ زيارة؛
عقّبت الصديقة زهرة محمد من الشتات: “ولها مني كل الحب والاحترام.. ولهن جميعاً، الحرية لهن جميعاً، وعلى عجل، وفرساننا الباسل، يا رب شكراً لك أستاذ على نضالك النبيل، وأمانتك، وأنت تنقلنا معك بمصداقية عالية، إلى عوالم الأطهار.. وبأسلوب شيّق، رغم الحزن الذي يسور المكان تقبل احترامي وتقديري”. وعقّبت الصديقة ولاء صوالحة: “فرجا لك ولأبنائك أيتها المكافحة والمناضلة عيسى وموسى ويوسف وغزل أكيد اشتاقولك زي ما انت اشتقتيلهم يا أحلي ام بالدنيا والله، فك الله قيدكِ بالعز عزيزتي هناء لك ولجميع الأسيرات ولإخلاص أختي كل الحرية والنصر القريب بإذن الله لا محالة أستاذ حسن العبادي لا تعلم كم من الفرح تزرع في قلوبنا جميعنا عندما تخبرنا عن الأسيرات وتخبرهم عن الأهالي الله يجزيك الخير وحفظك وبوركت كل جهودك يا رب الطلعة قريبة بإذن الله لا محاله”. وعقّبت زينب يعقوب: “يا ألله بكيت بس قرأتها. الله يفك أسرك بدرية وأسر زوجي صامد، وكل الأسرى. إن شاء الله الفرج قريب هانت. وجزاه الله خيرا أستاذ حسن وكثر الله من أمثاله. كل قصة بنقرأها لأسير بتوجعنا أكثر من السابقة. يا رب الله يفك أسرهم جميعا. “نشرت يوم 29.11.2023 خاطرة بعنوان “صفّرنا الدامون”.. وخاب أملي. عُدت لزيارة الدامون للاطلاع على وضع حرائرنا.

حجِّـــة الـــوداع

زرت صباح الخميس 25 جانفي 2024، سجن الدامون في أعالي الكرمل السليب لألتقي بالأسيرة دلال محمد سليمان خصيب (أم قتيبة)؛ من قرية عارورة (مواليد 08 . 10 . 1971، كلّ العائلة برج الميزان)، أطلّت مبتسمة ابتسامة عريضة، وحين دخلَتْ غرفة اللقاء قالت بعفويّة تامة: “ما أحلى الدفى”. (شغّلتُ المكيّف/ تدفئة قبيل دخولها الغرفة). حتلنتني عن وضع السجن؛ زميلات الزنزانة (زينب ساجدية، ليندا جعارة، هيا حج يحيى، ياسمين أبو سرور، فاطمة شمالي، أحلام يونس)، الظروف جداً سيئة، أسيرة مع باسور وأخرى مع ضيق نفس وبدون رعاية طبيّة وعلاج، الأكل سيئ جداً وبكميات قليلة “يا دوب تسليكة حال”، تبريد، “البنات دايرات بالهن عليّ، أعطينّي طقم صلاة وبيجاما، وبعاملوني كأمهن”.انبسطتْ كثير حين قرأتُ على مسامعها رسائل العائلة، وضحكت حين أعلمتُها أنّ “طالبات أكاديميّة الصفا ومعلّمتك ببلّغوك سلامهن ومكانك محفوظ”، وكم كانت فرحة حين طلبت منها إيصال أسيرة غزيّة بأنّ زوجها وولادها بخير، بعكس ما نُشِر عن استشهادهم. حدّثتني عن ساعة الاعتقال؛ والتحقيق، وضربة بسيطة وعابرة، وعن سؤال المخابرات حول صورة لها في الحج (موسم الحج الأخير) وكم كانت فخورة بها، حيث كانت “حِجِّة الوداع”. حدّثتني عن اشتياقها للمّة العائلة، وخاصّة ستّة أحفادها، ورسالتها: “أحبائي الغاليين، الله يرضى عليكم الجميع، الحمد لله رب العالمين أنا بصحة جيّدة وكل شي عندي تمام”.

غرفــة رُعُـــب

عدتُ صباح الأحد 28 جانفي 2024، إلى سجن الدامون لألتقي بالأسيرة هناء إبراهيم محمد صالح؛ من قرية دير أبو مشعل/ رام الله (مواليد 18. 12 . 1987)، أطلّت مبتسمة، وبدأت مباشرة بالاستفسار عن أولادها وحالهم. حتلنتني عن وضع القسم؛ تم نقل كلّ الأسيرات من قسم 3 إلى قسم الأشبال سابقاً (تمّ نقل جميع الأشبال من الدامون إلى مجيدو)، زميلات الزنزانة (سهام أبو عياش، ديالا عياش، بدرية حمدان، أسيل شحادة، فاطمة صقر، شاتيلا أبو عيادة، هديل الأطرش، سجى طرشان، دانا جواريش)، غرفة رُعُب، مخنوقة وفش فيها منفَس، ثنتين بناموا ع الأرض. تفتيش فجائي كلّ ليلة، بصرّخوا وبغلطوا، ما في كانتينا، نقص كبير بالملابس الداخليّة، “برد موت”، وأكل بكميات قليلة، رز وماجي، “بنضطرّ نتنازل عن قسم من الوجبة لأسيل بسبب وضعها الصحّي”، والميّة مالحة وصفراء.
حدّثتني عن ساعة الاعتقال يوم 04 . 12 . 2023؛ ع الواحدة والنصف منتصف الليل، يومين في معسكر رنتيس، نقل إلى عوفر للتحقيق، ومن ثم الشارون (مسبّات، تفتيش عاري، المصطبة كلّها ميّة، فرشتين ع الأرض لثلاث بنات، وسخة كثير كثير، ع الصبح بوخذوا الفرشات وبنقعد ع الأرض)، ومنها إلى كيشون، والدامون، وطقوس الاستقبال بتفتيش عاري كمان مرّة. حدّثتني عن اشتياقها لأولادها عيسى، موسى، يوسف، غزل، ورسالتها: “سلاماتي لأهلي وأولادي وأنا منيحة، ديروا بالكم ع أولادي واطمأنوا عليهم دايماً”.

البـقّ مخيّـم فـي  الدامـون

عدتُ ظهر الاثنين 29 جانفي 2024، إلى سجن الدامون لألتقي بالأسيرة بدرية أحمد محمد حمدان؛ (مواليد 02 . 09 . 1975)، وفوجئت بلقاء الأسيرة خالدة جرار في الممر فمرحبنا ودردشنا بضع دقائق، ع الواقف، إلى حين وصول بدريّة، وبعد التحيّة بادرتني سائلة: “جبتلّي رسائل؟”. حين قرأت لها رسالة زوجها راغب انهمرت دموع الفرح من مقلتيها فدوّنتُ لي في أوراقي “كان بدها سجنِه ع شان تسمعي قدّيش جوزك بحبّك”، وكم كانت فرِحة حين قرأت رسائل رؤى وإبراهيم ويوسف (أولادها)، رسائل والديها، ملاك (زوجة أخيها غيث من أمريكا)، وراشد وجنى (أولاد أختها أماني، عمان)، وزينة (ابنة أخيها محمد) وصديقتها عزيزة (شيف حلويات وواعدتها بشوكلاتة من صنع يديها). أوصلت رسائل أهل جراح، نفيسة، دلال وإخلاص. حتلنتني عن وضع القسم؛ وضعهن بعد نقلهن من قسم 3 إلى قسم الأشبال سابقاً (تمّ نقل جميع الأشبال من الدامون إلى مجيدو)، زميلات الزنزانة، برد كثير، والبقّ امّلّي القسِم، (الأشناب) صغير كثير والأكل بتكبكب خلال تدخيله، الحمّام برّا والميّة باردة، بتوكل الأشياء المعلّبة فقط، التواصل مع بعض صعب جداً، والحشرات امّلّيات الدنيا، ونقص كبير بالملابس الداخليّة. حدّثتني عن ساعة الاعتقال؛ ع الثنتين ونص منتصف الليل، “فكّرت فايتين عنّا بالغلط، ولمّا خلّصوا تفتيش قالولي إلبسي بإجرِك”، بيت إيل، أريئيل، ومن ثم الشارون “الوضع هناك مقرف”، تفتيش مهين، ومنها إلى الدامون.. هلّا عرفت شو السجن! أملت عليّ رسائلها للعائلة، فرداً فرداً، وكتبت لزوجها: “يا ريت انسجنت من زمان ع شان أسمع كلامك الحلو”، ولمنى قعدان. معنويّاتها عالية، وحين افترقنا قالت: “ما عم ببرد أبداً، الإيمان والأمل بدفّيني”. لكُنّ عزيزاتي دلال وهناء وبدرية أحلى التحيّات، والحريّة لكُنّ ولجميع أسيرات وأسرى الحريّة. (حيفا كانون ثاني 2024).

الشــاي بــس بالاســـم

مباشرة بعد لقائي بديالا صباح اليوم في سجن الدامون الكرمليّ، أطلّت الأسيرة يسرى خليل محمد أبو علفة (مواليد 07 . 01 . 1993)، من قرية العوجا/ أريحا. أوصلتها بداية رسالة العائلة، بدأت ببكاء مرير حين شاهدت الرسالة الورقيّة (هذا خطّ أختي فاطمة) وقرأتها بتأنٍ، وطمأنتها أن الزيارة تطوعيّة استجابة لطلب صديقي عبد الكريم زيادة. حدّثتني عن السجن وغرفة 7؛ وزميلات الزنزانة، أسيل أبو خضر (شعفاط)، شروق (نابلسيّة)، شيماء (غزة) وسوزان أبو سالم (أسيرة جديدة من غزة، وصلت حافية وكلّ جسمها آثار ضرب وشخط، مريضة سكّري، ضاربينها وهي بغيبوبة). السجن حالة قمع مستمر، معاملة سيئة، ممنوع نطلّع صوت، ممنوع الحكي بين الغرف بالليل، شحّ بالملابس، “الأكل إسمه أكل، والشاي بس بالاسم”، والقهوة من المحرّمات. يسرى جامعيّة (خرّيجة سكرتاريا حديثة وأتمتة مكاتب). حدّثتني عن الاعتقال؛ الساعة خمسة الصبح، فتّشوا دور اخوتي كلهم، عصّبوني وكلبشوني، كلها قصة بوستات قديمة، تفتيش مهين بشكل متكرّر، مسبّات وشتائم، بس الحمد الله بدون ضرب. بدها محامي ع شان تعرف وضعها (ما فهمت شي بجلسة التمديد). طلبت إيصال رسائل لأهلها، ورسائل من أسيرات لأهاليهن، وسلامات للجميع. وحين افترقنا قالت مودّعة: “ديروا بالكم على إمي، خواتي يظلّوا عندها كل يوم”. لك عزيزتي يسرى التحيّات، والحريّة لك ولجميع أسرى الحريّة . (حيفا 29 فيفري 2024).

ستيــك عجل مع وايــت صـوص

التقيت صباح اليوم في سجن الدامون الكرمليّ بالأسيرة ديالا نادر إبراهيم عبدو (مواليد 12 . 12 . 1995)، لفتاويّة/ رام الله. أوصلتها بداية رسالة العائلة بعد طول انقطاع، ارتاحت جداً حين شاهدت خطّ والدها وحروفه المطمئنة، وحين أوصلتها رسالة زميلها مهند وسلامات ظافر ومتابعة أمر اعتقالها، وكذلك رسائل من أهالي فادية البرغوثي وفاطمة صقر وغيرهن. حدّثتني عن عودتهن لقسم 3؛ غرفة 4، وزميلات الزنزانة، فاطمة، أسيل، دانا، سجى، هديل. وعن الأسيرة الجديدة من غزة (سوزان) وصلت حافية وكلّ جسمها آثار ضرب وكدمات، ووضع الأسيرات، والعزل المتكرّر لأتفه الأمور، وجبروت السجان وعنجهيّته المفرطة، وفجأة قالت بحسرة: “في السجن باكيت الدخان سعره غالي” وحمدت الله أنها ليست بمدخّنة. تتوق للعودة لعيادتها في رام الله، لمتابعة أمور قضاياها و«عشتار”، وعن خلط الأوراق من جديد، فلديها فائض الوقت للتفكير بأمور لم تنتبه لها، فالسجن يلغي كل الناس الذي عرفتهم ويصفّي الذهن ويزداد حيّز العائلة والاهتمام بها. طلبت إيصال رسائل لأهلها، وكم تتوق لسماع صوت أخيها هادي “مين زعّلك؟ لازم تحكي لأخوك”. ولمهند ولكلّ من يهتم بأمرها ويسأل عنها. وكذلك رسائل من الأسيرات لأهاليهن، وصبايا الداخل بدهن زيارة محامي. وحين افترقنا قالت بعفويّة: “قل للماما تحضّرلي ستيك عجل مع وايت صوص ع الترويحة”.لك عزيزتي ديالا التحيّات، والحريّة لك ولجميع أسرى الحريّة (حيفا 29 فيفري 2024).

وترجّلـت قدّيسـة أخــرى!

عرفت الصديق الأسير عنان الشلبي عبر القضبان، وكم حدّثني عن والدته عطاف، وكم كان فرحاً حين رآها تشارك حفل إشهار “رنين القيد” وهي على كرسيها المتحرّك، وحين مشاركتها ندوته في “اليوم السابع المقدسيّة” من على تختها، وندوة “أسرى يكتبون” في رابطة الكتاب الأردنيين من على سريرها، وحلمه أن تحتضنه مرّة أخرى. وها هي الحاجة أم عنان تفارق الحياة دون وداعه لها.
لروحها الرحمة والسكينة، لعنان الحريّة القريبة، ولأهلها الصبر والسلوان وطول البقاء. سميرة وحسن عبادي/ حيفا

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19472

العدد 19472

الجمعة 17 ماي 2024
العدد 19471

العدد 19471

الأربعاء 15 ماي 2024
العدد 19470

العدد 19470

الثلاثاء 14 ماي 2024
العدد 19469

العدد 19469

الثلاثاء 14 ماي 2024