الجماعات المحليـة في مواجهة الصّدمة الماليـة

استثمار كافة الأملاك والعقارات وفقا لقواعد الشّفافية

سعيد بن عياد

 مرحلــة البحـث عــن مصــادر تمويــل إنتاجيـة جديـدة بالشّراكـة
البلديـة متعامـل اقتصــادي أكـبر مـن كونهـا مجرّد مرفـــق عمومـي

دفعت الصّدمة المالية الخارجية بالجماعات المحلية لتتصدّر المشهد الاقتصادي من حيث دعوتها لدخول معركة الاستثمار، من خلال إدراج ما تتوفّر عليه من موارد طبيعية وإمكانيات اقتصادية محلية في ديناميكية النمو، والمساهمة بالتالي في توفير موارد محلية إضافية تعوض ما قد يترتب عن تداعيات تراجع مداخيل الخزينة العمومية جراء أزمة المحروقات.
ولم يتوقّف وزير الداخلية عن الإلحاح على ضرورة إعادة تموقع البلديات والولايات في المشهد الاقتصادي، لتتحوّل إلى متعامل ينشط في الاستثمار وينتج الثروة بدل الاكتفاء بالطابع التقليدي للجماعات المحلية كجهة تعيش إعانة الدولة، وبالتالي تتأثّر كلّما تغيّرت المؤشّرات، كما هو الحال في الظرف الراهن المتّسم بصعوبات مالية تستدعي الاعتماد على كافة الموارد المتاحة لإنتاج الثروة.
وفي هذا الإطار يفتح المجال واسعا أمام البلديات لتتحول إلى عنصر اقتصادي اعتمادا على الموارد الذاتية المحلية، وتوظيفا للإمكانيات المختلفة التي تعاني من الإهمال أو التهميش، بينما يمكن الرّهان عليها في تحقيق الأهداف المسطّرة، وأبرزها تحقيق مصادر جديدة للدخل المحلي خارج الضرائب والرسوم والإتاوات، في وقت توجد أكثر من فرصة لانجاز مشاريع واستثمارها مباشرة أو عن طريق الشراكة أو الإيجار بأسعار السوق، وغيرها من الصيغ القانونية المعمول بها.
غير أنّ تحرير إرادة الجماعات المحلية في المجال الاقتصادي بالمفهوم الجديد لا يعني إطلاقا فتح الباب على مصراعيه للقيام بعمليات غامضة أو تشوبها عيوب التسيير غير الراشد، كان يقوم البعض على مختلف مستويات السلطات المحلية بإطلاق العنان لنزعة التخلص من أملاك عمومية بذريعة استثمارها دون مراعاة الطابع القانوني لكل الأملاك المحلية أو قيمتها الاقتصادية في السوق وجانب المصلحة العمومية.
لذلك فإنّ العملية ليست تصرّفا ارتجاليا بقدر ما هي صيغة جديدة للتسيير المحلي، ترتكز على معايير الشفافية والوضوح ومدى الجدوى الاقتصادية دون تعارض مع التشريعات المتعلقة بالتنمية المستدامة والبيئة، بل ومع الحرص الشديد على توفير حماية لتلك الأملاك في المدى الطويل حتى لا تضيع في زحمة التغيرات الاقتصادية والمالية الحاصلة، لتبقى في الجوهر ضمن الأملاك العمومية، مع فتح المجال لاستغلالها قصد تحقيق مداخيل ملائمة توفر للجماعات المحلية قدرات مواصلة تجسيد برامجها التنموية.
وتحسّبا لرفع هذا التحدي، فإنّ الجماعات المحلية تكون أمام امتحان آخر حول مدى التزامها بقواعد الحكم الراشد بجوانبه الاقتصادية والاجتماعية لفائدة السكان بمختلف الشرائح، ممّا يستدعي من القائمين على تسيير شؤونها إعادة تصحيح المفاهيم وتدقيق الخيارات، ثم التوجه للاستعانة بإطارات جامعيين في اختصاصات اقتصادية وتجارية وغيرها من الكفاءات ذات الصلة، ممّا يوفّر الحماية للمسيّر المحلي من جانب في مواجهة احتمالات الوقوع في “الخطأ”، ويضمن ديمومة الأملاك العمومية المحلية في مواجهة ما يحوم حولها من خطط للاستيلاء والاستحواذ عليها أو الانتفاع منها بالدينار الرمزي.
وتوجد كثير من الأملاك العمومية المحلية خارج الدورة الاقتصادية، فيما تخضع أخرى للاستغلال من مقاولين وتجار وأصحاب نفوذ بأسعار زهيدة لا ترقى إلى مستوى القيمة الدنيا لتلك الأملاك من عقارات ومحلات ومخازن ومستودعات وأسواق، إلى غيرها من الإمكانيات التي تمثل حلقة في السلسلة الاقتصادية لو يتم إدراجها في السوق الاستثمارية وفقا للمعايير ذات النجاعة عن طريق الامتياز أو بالشراكة المحلية، لتصبح الجماعة المحلية من بلدية وولاية متعاملا اقتصاديا بمعنى المفهوم ويتعدى إطار كونها مجرد مرفق إداري يعيش على تمويل الميزانية العمومية.
ويتطلب مثل هذا الطموح توفر الجماعات المحلية على كفاءات في مختلف التخصصات الاقتصادية والتجارية وقانون الأعمال ليتمكن المنتخبون من الانتقال إلى المهمة الجديدة فتتغير صورتهم من الحالة النمطية السلبية إلى موظفين ينتجون الثروة المحلية، ويحرصون على حماية الأملاك العمومية وحسن استثمارها مع من يقدّم أكثر لخزينة البلدية. ولذلك لا مجال لأي مغامرة بترك الحبل على الغارب لمنتخبين أو إداريين على كافة المستويات يتصرفون في أملاك الجماعات المحلية خاصة العقارية خارج إطار الشفافية والوضوح، بل يجب أن يتم وضع السكان المحليين في صورة كل المشاريع المسجلة والكشف عن البرامج المدرجة في الاستثمار المحلي.

 

 

 

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19546

العدد 19546

السبت 17 أوث 2024
العدد 19545

العدد 19545

الخميس 15 أوث 2024
العدد 19544

العدد 19544

الأربعاء 14 أوث 2024
العدد 19543

العدد 19543

الثلاثاء 13 أوث 2024