لبنة إستراتيجية في مسار استقلالية الصّناعة..الخبير بن عالية لـ “الشعب”:

شركـات المناولة.. قلــب السّيـارات الجزائريـة النّابــض

سارة بوسنة

ترسيـخ اقتصـاد إنتاجـي يقـوم علـى خلـق القيمــة المضافــة

 وصف الأستاذ بن عالية حسين، أستاذ الاقتصاد بجامعة الجزائر، الاتّفاقية الموقّعة بين مؤسّسة “ألرام كوسيدار” الجزائرية وشركة “ألجيريا فاو تركس إندستريز” الصينية، بأنّها خطوة استراتيجية بالغة الأهمية في مسار إحياء الصناعة الوطنية، وتحوّل نوعي في فلسفة الإنتاج المحلي، خاصة في مجال تصنيع قطع غيار الشاحنات والمركبات الصناعية، الذي ظلّ لسنوات طويلة مرتهنًا للاستيراد.

 أوضح الأستاذ بن عالية حسين أنّ هذه الشّراكة تمثّل دعماً مباشراً لمنظومة المناولة الصناعية الوطنية، من خلال إشراك وحدات إنتاج محلية، ما سيساهم في تنشيط آلاف المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، التي تشكّل حجر الأساس لأي اقتصاد صناعي قوي. ويرى أنّ هذا التوجه سيسهم في تحقيق توازن اقتصادي بين مختلف مناطق البلاد، من خلال كسر مركزية الصناعة ومنح الولايات الداخلية، على غرار الجلفة، فرصة فعلية للمشاركة في الدورة الاقتصادية عبر احتضان مشاريع كبرى.وأشار بن عالية إلى أنّ ما يميّز هذه الاتفاقية عن غيرها من المبادرات، هو بعدها المستقبلي المرتبط بالتصدير، حيث لا يقتصر المشروع على توطين التصنيع فحسب، بل يتجاوزه إلى خلق منصة إنتاج تستهدف السوق الإفريقية. وقال: “هذا النوع من التفكير الصناعي يعزّز موقع الجزائر كبوّابة للقارة الإفريقية”.
من الجانب التقني، يرى الأستاذ أنّ الاتفاق يمثّل فرصة حقيقية لنقل التكنولوجيا، وتكوين الكفاءات الوطنية في مجالات صناعية متقدمة، مؤكّداً أنّ المشروع لا يُعنى فقط بإنتاج قطع غيار، بل يشكّل مدخلاً لنقل المعرفة الصناعية وبناء قاعدة بشرية مؤهّلة، وهو ما يعد رهانا محوريا على المدى البعيد.
كما ثمّن الأستاذ انسجام هذه المبادرة مع الرؤية الاقتصادية التي أعلن عنها رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، والمبنية على تنويع الاقتصاد وفك الارتباط بالمحروقات. واعتبر أنّ هذه الشّراكة تجسد إرادة الدولة في ترسيخ اقتصاد إنتاجي يقوم على خلق القيمة المضافة، عوضاً عن الاكتفاء بالاستيراد والتجميع.ولم يغفل المتحدّث البعد الاجتماعي للمشروع، خصوصاً ما يتعلق بخلق مناصب شغل مباشرة وغير مباشرة في مجالات التصنيع، النقل والخدمات اللوجستية، إلى جانب برامج التكوين المهني التي سترافق مراحل تنفيذ المشروع. وقال: “علينا أن نُقيّم هذه الاتفاقية من زاوية أثرها على فئة الشباب الباحث عن العمل، والمناطق الداخلية التي ستعرف انتعاشاً اقتصادياً بفضل هذه الديناميكية الجديدة”.
وأبرز بن عالية أنّ هذه الاتفاقية تشكّل نموذجاً ناجحاً في الشراكة بين القطاعين العام والخاص، وتعكس نضجاً في الرؤية الاقتصادية، من خلال تبني منطق التشاركية بدل التنافر. وصرّح قائلاً: “ما تحتاجه الجزائر اليوم هو مشاريع حقيقية على أرض الواقع، تولد الثروة وتعيد ثقة المواطن في قدرة المؤسسات الوطنية على الإنتاج والابتكار”.
وفي تحليله لأبعاد الاتّفاق، أشار الأستاذ إلى أنّ المؤسسات العمومية، وفي مقدمتها فروع مجمّع كوسيدار، بدأت تتحوّل من كيانات بيروقراطية إلى فواعل اقتصادية مرنة، قادرة على خوض شراكات مربحة وفق منطق السوق والمردودية. واعتبر أنّ هذا التحول في العقليات يُعد خطوة أساسية لبناء نسيج صناعي وطني متكامل.
وشدّد الأستاذ على أنّ نجاح مثل هذه المشاريع لا يتوقف على الجوانب التقنية والمالية فحسب، بل يتطلب أيضاً بيئة قانونية وتنظيمية مستقرّة، تحفّز الاستثمار وتطمئن الشّركاء الأجانب، وتشجّع رأس المال المحلي على الانخراط في ديناميكية التصنيع. ودعا إلى تبسيط الإجراءات الإدارية، وتعزيز الربط بين الجامعات ومراكز الإنتاج، وتوفير حوافز جبائية وتكوينية ملائمة.
وفي هذا السياق، رأى بن عالية أنّ تجربة “فاو” في الجزائر قد تتحوّل إلى نموذج يُحتذى به، نظراً لما تمتلكه الشركة من خبرة واسعة وشبكة توزيع نشطة في القارة الإفريقية وآسيا، ما قد يفتح آفاقاً واسعة أمام الجزائر لتصدير منتجاتها من خلال شراكة تجارية واستراتيجية متكاملة.
وختم الأستاذ حديثه بالتأكيد على أنّ الجزائر تتوفر على المؤهلات اللازمة لتكون قطباً صناعياً إقليمياً، شريطة الاستثمار في التكوين عالي الجودة، والتمويل الذكي للمؤسسات الصغيرة والناشئة، وتعزيز الارتباط بين المعرفة وسوق العمل. وقال: “اتفاقية ألرام كوسيدار وفاو ليست مجرد مشروع صناعي، بل هي لبنة جديدة في مسار بناء اقتصاد جزائري مستقل، منتج ومصدّر، يُعيد الاعتبار للصناعة الوطنية ويمنحها مكانتها المستحقة”.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19836

العدد 19836

الأربعاء 30 جويلية 2025
العدد 19835

العدد 19835

الثلاثاء 29 جويلية 2025
العدد 19834

العدد 19834

الإثنين 28 جويلية 2025
العدد 19833

العدد 19833

الأحد 27 جويلية 2025