تخلّصت من أثقال “الريـع” وأسست مستقبل “الإنتـاج”

الجزائــر الجديــدة.. شريـك دولي موثـوق

محمد لعرابي

 انخراط في ديناميكيات التكامل الإفريقي وتفعيل الشراكات الإستراتيجية مع القوى الاقتصادية الكبرى

تواصل الجزائر تعزيز موقعها كقوّة إقليمية صاعدة، ليس فقط عبر مشاريعها الاقتصادية الداخلية، ولكن من خلال انخراطها المتزايد في ديناميكيات التكامل الإفريقي، وتفعيل شراكاتها الاستراتيجية مع القوى الاقتصادية الكبرى في العالم.

برزت الجزائر كفاعل محوري في القارة الإفريقية، مستثمرة في موقعها الجغرافي الاستراتيجي، وشبكة بنيتها التحتية المتنامية، خاصة عبر الطريق العابر للصحراء، ومشروع الطريق الرابط بين تندوف والزويرات وموريتانيا، وهي مشاريع تُؤسس لجسر بري واقتصادي يربط الجزائر بدول غرب إفريقيا، مثل السنغال وغينيا، ويمهد لانسيابية غير مسبوقة في حركة البضائع والسلع عبر القارة.
ويؤكد خبراء اقتصاديون أن هذه الرؤية تتكامل مع مشاريع الموانئ الجافة التي أنشأتها الجزائر في الجنوب، والتي تُعد أدوات لوجستية فعّالة تسهّل عمليات التصدير، وتُعزّز مكانة الجزائر كبوابة شمالية نحو العمق الإفريقي. وهي المشاريع التي تندرج أيضًا في إطار شراكة أوسع تمنحها بعدًا دوليًا وامتدادًا استراتيجيًا عابرًا للقارات.

إصلاحــات عميقـــة ومؤشـرات واعدة

لم تكن هذه الديناميكية لتتحقق لولا سلسلة الإصلاحات الاقتصادية والتشريعية التي أطلقتها الجزائر خلال السنوات الأخيرة، والتي بدأت تعطي ثمارها على مستويات متعدّدة. وفي تقريره السنوي لعام 2025، أشاد مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (أونكتاد) بالنمو “الملحوظ” للاستثمار الأجنبي المباشر في الجزائر، رغم التحديات العالمية، مسجلاً زيادة معتبرة في حجم التدفقات المالية مقارنة بالسياق الدولي المتأزم.
-ويأتي هذا الأداء الإيجابي في وقت سجّل فيه العالم تراجعًا في الاستثمارات الأجنبية المباشرة نتيجة اضطرابات السوق، وتقلب السياسات النقدية في كبرى الاقتصادات. وبذلك، تكون الجزائر قد حققت اختراقًا نوعيًا في مؤشرات الثقة الدولية، بفضل ما وصفه الخبراء بـ«السياسة الاقتصادية الأكثر ديناميكية ونجاعة”، والتي انبنت على تعزيز الإنتاج الوطني، تبسيط الإجراءات، وتحسين مناخ الأعمال.

قــوّة إقليميـــة منتجـــة

إنّ الإشادة الأممية الأخيرة ليست مجرد اعتراف ظرفي، بل تمثل تتويجًا لمسار اقتصادي بدأ يتبلور بوضوح، وسط إرادة سياسية واضحة لقطع الطريق أمام اقتصاد الريع، وتكريس نموذج إنتاجي قائم على الشراكة الدولية، وتحفيز رؤوس الأموال، مع الاحتفاظ بمرتكزات السيادة الاقتصادية الوطنية.
وتطمح الجزائر، إلى أن تصبح قوّة اقتصادية إقليمية تُؤسس لنموذج تنموي بديل، لا يقوم على تصدير المواد الخام فقط، بل يتأسس على تطوير الصناعات التحويلية، ترقية الخدمات اللوجستية، وتوسيع الاندماج الإفريقي وفق منطق رابح-رابح.
إن الجزائر اليوم لا تكتفي بإصلاح ما أفسده الماضي، بل ترسم ملامح مستقبل اقتصادي جديد، يجعل منها فاعلًا قارّيًا ودوليًا بوزن سياسي واقتصادي متنامٍ. واستدامة هذا المسار تقدم مؤشراتها من خلال عمل الدولة على تفكيك البيروقراطية، تفعيل الرقمنة، واستئصال السوق الموازية، وهي تحديات جوهرية رفعها الرئيس تبون، ونجح في رسم معالم التحوّل الفعلي من اقتصاد الريع إلى الاقتصاد المنتج، وتمكين الجزائر من التحوّل إلى قطب اقتصادي فاعل ومؤثر في إفريقيا وخارجها.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19832

العدد 19832

السبت 26 جويلية 2025
العدد 19831

العدد 19831

الخميس 24 جويلية 2025
العدد 19830

العدد 19830

الأربعاء 23 جويلية 2025
العدد 19829

العدد 19829

الثلاثاء 22 جويلية 2025