الخبير الإقتصـادي جمال الدين نوفل شرياف لــ”الشّعـب”:

الإحصاء.. مفتاح لتوجيه السياسات الاقتصادية

هيام لعيون

 المعطيات الإحصائيــة.. شفافيـة في تحديــد القــدرات التصديريــة  

 الإحصاء الـــدوري.. مناعـــة من ألاعيـب المحتكرين والمضاربـــين

 تعمل الجزائر على تحديث بنيتها الإقتصادية عبر إحصاء الإنتاج الوطني في إطار مساعيها لتعزيز قدرتها على اتخاذ قرارات مبنية على معطيات واقعية، ضمن أهدافها المسطّرة لضمان الأمن الغذائي وضمان السيادة الوطنية، وتطوير الصناعة، وفتح آفاق واسعة التصدير، في إطار ترقية الصادرات خارج قطاع المحروقات مع ترشيد الواردات. في خطوة تعتبر تحوّلا نوعيا في آليات اتخاذ القرار لدى السلطة التنفيذية، تحت قيادة الرئيس عبد المجيد تبون.

 أشاد الخبير الإقتصادي شرياف جمال الدين نوفل بالخطوة التي أقدمت عليها الحكومة، من خلال توجّهها نحو إحصاء الإنتاج الوطني، لما له من مزايا ونتائج إيجابية على الاقتصاد الوطني، مشيرا إلى أنّ “هذا التوجّه يأتي تطبيقا مباشرا لتوجيهات رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، الذي شدّد في اجتماعات متعدّدة مع الحكومة، على أهمية الرقمنة والاعتماد على معطيات ميدانية محينة لتوجيه السياسات الاقتصادية والمالية، وهو ما بدأت تظهر ملامحه من خلال العرض الأخير حول إحصاء الإنتاج الوطني من طرف الجهاز التنفيذي”.

الإستشــراف.. الدعــم والتصديــر

 وقال شرياف إنّ أبرز القطاعات التي تستفيد من هذا الإحصاء، القطاع الفلاحي الذي بات يمثل ركيزة في إستراتيجية تنويع الاقتصاد، وأبرز أنه “خلال الإحصاء الدوري والديناميكي يمكن للسلطات، استشراف حجم الإنتاج الفلاحي بدقة، تحديد وفرة أو نقص المنتوجات، اتخاذ إجراءات ميدانية مثل التخزين في غرف التبريد أو توجيه المنتجات نحو التصدير، وهو ما يمنح الفلاح حرية العمل والتوسّع في الإنتاج دون خوف من الخسارة أو فائض غير مدروس”.
وقال الخبير إنّ هذه الرؤية تسمح بتحقيق توازن حقيقي في السوق، حيث أنه في حالة تسجيل نقص في منتج معيّن، تتدخّل الدولة لتوجيه الدعم والتحفيز لهذا المنتج، مشيرا إلى أنّ “الرقمنة تسمح بتحيين المعطيات بشكل مستمر، ما يجعل التدخّلات الحكومية أكثر دقة وفعالية، ممّا يحقّق التوازن في السوق وتكون عملية الإحصاء بشكل دوري وديناميكي”.
وفي السياق ذاته، أشاد الخبير بدعم الدولة لإنشاء غرف التبريد، التي توسّعت بشكل لافت خلال السنوات الأخيرة بفضل توجيهات رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، والتي أصبحت جزءا لا يتجزأ من آليات حفظ التوازن في السوق، ومنع تلف المنتجات الفلاحية، وحماية القدرة الشرائية للفلاح والمستهلك، وأبرز محدثنا أنها باتت “ تلعب دورا هاما في تحقيق التوازن الذي يجب أن تكون عليه عملية إحصاء دورية لمحاربة المضاربة والإحتكار ومن هنا تحقيق الأمن الغذائي، الذي أصبح مطلبا استراتيجيا”.

قــرارات واقعيــة

 وحول المنتجات الصناعة الغذائية وحتى المنتجات التي تحظى بطلب في السوق المحلي، فقد أوضح جمال الدين شرياف، أنّ “الإحصاء الدقيق يمكّن من تصنيف المنتجات حسب النوع والصنف والنوعية، خاصة في قطاع الصناعات الغذائية أو المنتجات ذات الطلب المرتفع في السوق المحلي، ممّا يسمح باتخاذ قرارات إنتاجية وتجارية قائمة على الواقع، وليس على التقديرات العشوائية”.
ويرى الخبير الاقتصادي شرياف أنّ الخطوات التي باشرتها الحكومة في مجال إحصاء المنتجات الوطنية والمستوردة، عبر هيئات متخصّصة وتنظيمات جديدة، تعكس تحوّلا نوعيا في أدوات التسيير الاقتصادي للدولة، مضيفا أنّ “التحكّم في المعلومة الاقتصادية الدقيقة بات ضرورة ملحة، خاصة في ظل التحديات الراهنة المرتبطة بالأمن الغذائي، وتقلّبات السوق العالمية”. وأكّد الخبير أنّ “تقسيم وزارة التجارة إلى قطبين، أحدهما مخصّص لضبط السوق الداخلية والآخر لترقية التجارة الخارجية، يدخل ضمن ديناميكية توزيع الأدوار وتعزيز الفعالية الميدانية، ما يسمح برسم سياسات أكثر واقعية واستباقا، مبنية على معطيات آنية وميدانية دقيقة”.
وشدّد محدثنا على أنّ “إنشاء منظومة إحصاء محينة وشاملة للمنتجات، بما في ذلك المنتجات الحيوانية والفلاحية، في إطار سياسة الحفاظ على الاستهلاك وعلى القدرة الاستهلاكية للمواطنين، يمكن تنبؤ وتقدير احتياجات السوق الوطنية من هذه المواد وإمكاناتها، وهي لبنة أساسية لبناء لوحة قيادة تعيّن صناع القرار على ضبط حاجيات السوق، وتقدير الكميات”، وأضاف: “كل هذا يدخل ضمن مساعي تقسيم العمل والتحكّم أكثر في الاقتصاد الوطني من خلال جمع كل البيانات اللازمة لإعدادها وبناء لوحة القيادة والتحكّم من أجل تبني قاعدة سياسات ومعطيات جدّ صريحة ومعطيات حصرية، آنية وفعّالة”.
وعلى غرار ذلك، يقول المتحدث، تم إصدار مرسوم تنفيذي يرخّص ويحدّد كيفية الاستيراد والمستورد المصغّر، الذي يدخل ضمن إطار المقاول الذاتي، حيث تم العمل على ترسيم وتنظيم العملية التي تدخل ضمن إحصاء كل منتجات السوق الوطنية، من خلال حصرها وتعدادها من حيث النوعية والجودة ومن حيث استشراف المخاطر من جهة، وتدخل في معرفة حاجيات السوق الوطنية وتنظيم وإحصاء كل ما يحتاجه من جهة أخرى.

حمايــة الاقتصــاد الوطني

 في هذا الإطار، أشار الخبير إلى أنّ إنشاء هيئتين خاصتين بالاستيراد والتصدير سيسمحان بقراءة تفصيلية لمستويات العرض والطلب، وتحديد المنتجات التي تنتج محليا لكن بكميات لا تكفي السوق، أو تلك التي يمكن تعويضها بمنتوجات جزائرية، أو التي تمثل فرصة استثمارية مستقبلية، ممّا يفتح المجال أمام الوكالة الجزائرية لترقية الاستثمار لتوجيه المستثمرين نحو القطاعات ذات الأولوية، وأضاف: “هنا يبرز دور هذه الإحصائيات في خلق استثمارات جديدة على حسب محدودية إنتاج أو غيابه بالنسبة لعدد من المنتجات التي يتم استيرادها، فهي لا تغطي الطلب المحلي، فهذه الإحصائيات تمكّن الوكالة الجزائرية لترقية الاستثمار بتوجيه وإعطاء أولوية لمثل هذه الاستثمارات لتحقيق التوازن في السوق، حيث أنّ كل هذه الإحصاءات تلعب دورا كبيرا في اتخاذ القرارات المناسبة والتي تحمي الاقتصاد الوطني”.

التموقـع القــاري

 وقال الخبير إنّ “البيانات تشكّل ورقة طريق مهمة قبيل معرض التجارة البينية الإفريقية، المزمع تنظيمه في الجزائر شهر سبتمبر المقبل، هذا المعرض يمثل فرصة اقتصادية هامة لتعزيز المنتوج الوطني، وفتح أسواق جديدة، خاصة في القارة الإفريقية التي تعد سوقا واعدة، وفق تعبيره، ولفت إلى أنّ الإحصائيات “تلعب دورا في رسم ورقة طريق لترويج المنتوج الوطني، خاصة وأنّ الجزائر على موعد مع تنظيم معرض التجارة البينية الذي يفتح آفاقا واسعة لأسواق جديدة للمنتوج الجزائري، خاصة أنها أسواق متعطّشة، وكل هذا يدخل في إطار تبادل تجاري جدّ مهم يعمل على تعزيز العلاقات الاقتصادية والإمكانات وتبادل الخبرات”.  وأضاف: “المعطيات الإحصائية تمكّن الجزائر من تحديد قدراتها التصديرية بدقة، دون تفريط في تلبية الطلب الداخلي الذي يبقى أولوية مطلقة”.
ولفت شرياف إلى وجود آليات أخرى مصاحبة لعمليات التصدير والاستيراد وتلعب دورا كبيرا في هذه الإحصائيات وهي العامل اللوجستي، مبرزا أنّ موانئ الجزائر تعرف تحسّنا كبيرا في وتيرة العمل، إذ أصبحت تعمل سبعة أيام في الأسبوع، وعلى مدار 24 ساعة، مع اعتماد أروقة خضراء لتسهيل عبور البضائع، ما يساهم في تعزيز القدرة التصديرية، والتقليص من التكاليف والبيروقراطية.

تنظيـم أسـواق الجملـة

  وتحدّث الخبير الاقتصادي عن أهمية تنظيم أسواق الجملة، من حيث العرض والطلب، خاصة فيما يخص المنتجات الفلاحية، حيث تسمح الإحصائيات بتحديد الكميات المطلوبة بدقة ومعالجة العجز أو الفائض، كما تساعد في برمجة مشاريع تنموية موجّهة مباشرة لسد النقص أو فتح أسواق دولية للمنتجات ذات فائض.
ويرى شرياف أنّ التوجّه نحو إنشاء مناطق تبادل حرّ في إطار التجارة البينية مفكّكة من الجمركة والقيود، يستلزم قاعدة معطيات دقيقة تجمع فيها المعلومات، ويتم رسم خارطة وطنية لربط هذه المناطق بالمناطق المنتجة، ممّا يقلص التكاليف ويزيد من تنافسية المنتجات الجزائرية في الأسواق الإقليمية والدولية. وأكّد محدثنا أنّ المحافظة السامية للرقمنة، تلعب دورا كبيرا في التنسيق بين القطاعات الاقتصادية، وخاصة الفلاحة، التجارة، الصناعة، والقطاع الصيدلاني، حيث تلعب دورا فعالا في إعطاء إحصائيات دقيقة وفعالة تسمح برصد التغيّرات اليومية، وبالتالي تسهيل مهمة اتخاذ القرار لدى السلطات.
وأوضح الخبير أنّ تبني آليات الدفع الإلكتروني والمعاملات بالفوترة يمثل أحد أهم الأدوات لتحقيق الشفافية الاقتصادية، ويساهم بشكل كبير في عملية الإحصاء وأنّ قانون المالية للسنة الجارية تضمّن إجراءات ملموسة في هذا الاتجاه، فيما يتوقّع في قانون المالية للسنة المقبلة تعميم هذه الآليات، مع ربطها بامتيازات جبائية للمؤسّسات والأفراد الذين يتعاملون بها.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19814

العدد 19814

السبت 05 جويلية 2025
العدد 19813

العدد 19813

الخميس 03 جويلية 2025
العدد 19812

العدد 19812

الأربعاء 02 جويلية 2025
العدد 19811

العدد 19811

الثلاثاء 01 جويلية 2025