مشاريــع استراتيجيـة..محاربــة الفســاد والبيروقراطيـة وإنهـاء الغمــوض
ثـورة صناعيــة وفلاحيــة..تحســين منـاخ الأعمــال واستثمــارات وطنيــة وأجنبيــة بالجملــة
الأمن المائي والغذائي يتجسّد..والاكتفاء الذّاتي حلم يتحقّق
الخبير كواشي: التّطوّر القوي في قطاع الطّاقة أكسب الجزائر ورقة إستراتيجية هامة
الخبير مسدور: المناطق الاقتصادية الحرة ستحقّق نقلة نوعية للاقتصاد الوطني
في العيد الـ 63 من عمر الاستقلال، ما زالت الجزائر أكبر دولة في القارة السمراء، تخوض معركة تنمية ضخمة، تؤسّس فيها للمزيد من الإنجازات بفضل رؤية متبصرة وإرادة قوية لرئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، رافعة في الصدارة رهانات اقتصادية كبرى، تجسد العديد منها على أرض الواقع. تعود الذكرى الخالدة والفارقة في التاريخ التحرري العالمي، وجزائر الاستقلال المنتصرة والشامخة، ماضية بثقة وعزم كبيرين في بناء المشاريع الإستراتيجية وتشيد البنى التحتية الكبرى، ومواصلة جهود ربط الجزائر بشرايين التجارة الإقليمية والدولية، من خلال توسيع وتحديث الموانئ وتعبيد الطرقات المحورية، وبناء السكك الحديدية وتحلية المياه ومحاربة الفساد، والتواجد في أهم المناطق الاقتصادية الحرة.
ما زالت روح نوفمبر ومبادئ بيانه المحققة لأكبر انتصار شعبي رأى النور منذ 6 عقود كاملة وثلاث سنوات، تلقي بظلالها مع عودة جديدة من كل سنة في شهر الاستقلال، لتجدّد المكاسب والعزائم وتترجم الخطط الاقتصادية والأفكار التنموية بقيادة رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، وما يؤكّد بأن نفس وتيرة رفع التحديات من الاستقلال إلى بناء اقتصاد قوي وصلب متواصلة، يبرز ما تمّ تكريسه خلال الخماسية المنقضية، في تحوّل شامل وجذري وضع الجزائر في سكة الدول الناشئة، منطلقة بوتيرة سريعة في التشييد والتغيير والبناء والتموفع في سوق عالمية ذات منافسة شرسة في الجودة والابتكار والتكنولوجيا المتطورة.
حكامة ودقّة في التّسيــير
تحدّث الخبراء في تصريحات لـ “الشعب” عن خصوصية ما تجسد وأهمية المكاسب، والتي في كل مرة تعود فيها ذكرى جديدة وناصعة من عمر الاستقلال، يبرز معها التقييم للإشادة بكل ما حقق، والعمل أكثر في مجالات أخرى في بلد كبير بحجم قارة يحظى بموثوقية ومصداقية من الشركاء. وفي هذا الإطار تناول البروفيسور مراد كواشي، الخبير الاقتصادي وأستاذ العلوم الاقتصادية، الوثبة العملاقة المرصودة خلال فترة قياسية لا تتعدى 5 سنوات في مجال إطلاق ترسانة تشريعية ذات ثقل، غيرت من الوجهة الاقتصادية الجزائرية، وجعلتها جاذبة ومفضّلة للاستثمار المحلي والأجنبي، مدعومة بحكامة ودقة في التسيير. وخلال خوضه في حجم وأهمية الانجازات الاقتصادية المحققة خلال السنوات القليلة الماضية، فضّل الخبير كواشي في البداية التذكير بأن العالم من الناحية الاقتصادية، شهد هزات اقتصادية كبيرة، بداية بأزمة كورونا وما نتج عنها من تأثر كبير في سلاسل الإمداد العالمية، ممّا أثر على أسعار الغذاء وأدّى إلى تضاعفها، وكذا تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية التي ألقت بظلالها على الاقتصاد العالمي وأثرت عليه بشدة، وهذا ما جعل العديد من دول العالم تشهد هزات اقتصادية، ونفس الأثر السلبي طال الدول المصنعة القوية اقتصاديا، وانخفضت فيها معدلات النمو وصارت صفرية، مثل ألمانيا بعد أن أغلقت العديد من الشركات وأفلست المصانع، بينما شكلت الجزائر الاستثناء، حسب تقدير الخبير، بعد أن نجحت في تحقيق مؤشرات اقتصادية خضراء على المستوى الكلي، ومعدل نمو اقتصادي تجاوز 4 بالمائة، ويعتبر الأعلى على الإطلاق في منطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط، وعلى ضوء شهادة مؤسسات مالية دولية، فإن الاقتصاد الجزائري أضحى ثالث اقتصاد في إفريقيا، مسجلا مؤشرات خضراء وتطور إيجابي تاريخي. وأما فيما يتعلق بالناتج المحلي الإجمالي أصبح يقارب 270 مليار دولار، وبذلك تحولت الجزائر إلى ثالث قوة اقتصادية في إفريقيا.
وواصل الخبير في عرضه للمكاسب وتطرقه للمؤشرات الاقتصادية الإيجابية، حديثه عن تسجيل ارتفاع في احتياطي النقد الأجنبي، بعد أن بلغ نحو 70 مليار دولار، كما تمكّنت الجزائر من المحافظة على مديونتها الصفرية، متحكمة في معدلات التضخم وتخفيضها لهذا المعدل من نسبة 9 بالمائة إلى 4 بالمائة، واعترف الخبير أن المهمة لم تكن سهلة خاصة في ظل ارتفاع الأسعار على المستوى العالمي.
ترسانة تشريعية حديثة ومرنة
أرجع أستاذ العلوم الاقتصادية كواشي، هذه النتائج المهمة إلى الحكامة في التسيير والرشادة العقلانية في الأداء، على غرار النجاح في ترشيد عملية الاستيراد وتخفيض الفاتورة من 60 مليار دولار إلى حوالي 40 مليار دولار، وإلى جانب التأسيس لقاعدة قانونية قوية من خلال إصدار ترسانة حديثة ومرنة من التشريعات، في صدارتها القانون الجديد للاستثمارات بما تضمّنه من امتيازات كبيرة سواء للمستثمرين المحليين أو الأجانب، يقابله قانون نقدي ومصرفي جديد، وقانون للمقاول الذاتي وقانون للمحاسبة العمومية، وغيرها من القوانين الأخرى. واعتبر البروفيسور كواشي أن ما أصدرته الجزائر خلال الخمس سنوات الماضية، يعد أكبر وأهم مما أصدرته خلال العشرين سنة الماضية، بهدف التأسيس لقاعدة قانونية صلبة، أفضت إلى تحسين مناخ الأعمال. وبفضل أهمية القرارات المتخذة والإصلاحات الجارية، يرى الخبير أنها أثمرت عن تسجيل 15 ألف مشروع استثمار لدى الوكالة الجزائرية لترقية الاستثمارات، وتسجيل عدد معتبر من المشاريع الاستثمارية للأجانب أو بالشراكة بين الجزائريين والأجانب، وأهمها المشروع الجزائري القطري لإنتاج الحليب بقيمة 3.5 مليار دولار، والمشروع الجزائري الايطالي لزراعة الحبوب والصناعة الغذائية. ويعتقد الدكتور كواشي، أنه لم تكن هذه الانجازات لترى النور من دون مجهودات كبيرة بذلت من طرف الدولة لتحسين مناخ الأعمال، وبفضل دبلوماسية اقتصادية قوية تقودها دبلوماسية رئاسية، تمكنت من مراجعة علاقات الجزائر الاقتصادية مع العديد من الدول، ورسّخت لعلاقات جديدة مبنية على الشراكة والمنفعة المتبادلة.
دور محوري للطّاقــة
وقال الخبير لدى تناوله الانجازات التاريخية الهامة، إنها تعد من الانتصارات في الجزائر المستقلة المنتصرة، فقد تجاوز معدل النمو نسبة 4 بالمائة، وذكر أنها جاءت مدفوعة بأداء جيد في عديد القطاعات، وفي مقدمتها القطاع الفلاحي بعد أن حقق قفزة نوعية خلال السنوات القليلة الماضية، وتحول إلى ثاني قطاع مساهم في الاقتصاد الوطني بنسبة 15 بالمائة من الناتج المحلي الخام بعد الطاقة، مقدّرا في سياق متصل حجم الإنتاج الفلاحي بنحو 37 مليار دولار، بفضل المجهودات الكبيرة المبذولة من طرف الدولة عبر مساعدة وتشجيع الفلاحين، وإلى جانب الاعتماد على الزراعة الصحراوية والزراعات الإستراتيجية، والتركيز على زراعة الحبوب بعد أن اقتربت الجزائر من تحقيق الاكتفاء الذاتي في هذه الشعبة، ممّا يوفّر النفقات على خزينة الدولة بنحو 1.2 مليار دولار سنويا على المدى القصير، إلى جانب تشجيع كبير للفلاحين ومجهودات ضخمة لإيصال الكهرباء والماء إلى المزارع، وإنشاء الطرقات وفك العزلة.
ومن القطاعات التي شكّلت علامة فارقة، وشهدت نموا جذابا وملفتا للأنظار، وقف الخبير كواشي على قطاع المناجم والتعدين عبر إطلاق العديد من المشاريع الجديدة، خاصة مشروع غارا جبيلات الذي يحتل ثالث احتياطي عالمي من الحديد ومشروع الفوسفات بشرق البلاد، بفضل إستراتيجية رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون ورؤيته الواضحة في هذا المجال، وكذا منجم الزنك والنحاس في ولاية بجاية، في انتظار تعميق الانجازات على خلفية أن الجزائر تملك ثروات كبيرة ستعرف طريقها للاستغلال لتطوير المنظومة الاقتصادية، وبفصل الاستثمارات الواسعة ستتوقف عملية استيراد الحديد، وقبل ذلك توقف استيراد الاسمنت، علما أن الجزائر كانت تستورد أكثر من 1 مليار، واكتسب هذا القطاع مؤخرا أهمية حيوية وتحول إلى بديل حقيقي لقطاع الطاقة.
وأثنى الخبير والأستاذ الجامعي كواشي على ورقة الطاقة الإستراتجية للجزائر، وتحولت إلى رافعة اقتصادية ومكسب قوي، خاصة بعد أن استمرت الجزائر في لعب دور محوري في مجال الطاقة، وحافظت على مكانتها كمورد موثوق لزبائنها خاصة الأوروبيين، وتزامن ذلك مع إطلاق خلال السنوات الماضية مشاريع هامة بفضل رصد مجمع سونطراك ميزانية ضخمة تقارب 50 مليار دولار، في الفترة الممتدة من 2022 إلى غاية 2026، وتكللت الجهود باكتشافات طاقوية هامة، وأقيمت شراكات على أعلى مستوى مع شركات إيطالية وأمريكية وصينية، وما إلى غير ذلك، بالإضافة إلى بروز اهتمام كبير بالطاقات المتجددة، وبروز ملامح انطلاق مشاريع لتصدير الهدروجين الأخضر إلى الدول الأوروبية وتصدير الكهرباء، ومع التطور الكبير على مستوى قطاع الطاقة، تحول إلى ورقة طاقوية هامة في منطقة البحر المتوسط.
محاربة الفساد..إنجاز تاريخي حاسم
من جهته، فضّل الخبير الاقتصادي فارس مسدور الوقوف على أبرز الانجازات المفضية لبيئة اقتصادية سليمة ومستقرة ومحفزة بفضل إجراءات رقابية صارمة ومحاربة الفساد، الانجاز التاريخي الحاسم، وكذا قطع الطريق في وجه كل من يحاول تبييض الأموال، وراهن على تحديث وتوسيع المنظومة الصناعية وبناء المناطق الاقتصادية الحرة في ولوج الجزائر إلى عهد اقتصادي جديد مختلف عن كل ما سبق، ومن شأنه أن يعزّز من مكتسبات وإنجازات الاستقلال بعد أزيد من ستة عقود كاملة. وأكد الخبير مسدور أن جملة الانجازات في السنوات الأخيرة كثيرة ومهمة، من بينها آخر قرار رئاسي أفضى إلى اعتماد سجل تجاري خاص لأولئك الشباب الذين يستوردون عن طريق الحقيبة لمنتجات مختلفة، وجاء هذا الإجراء معزز بمختلف الأدوات الإدارية من سجل تجاري وحساب بنكي بالعملة الصعبة.
وأضاف الخبير خلال تناوله لأهم المكاسب، وذكر من بينها الحفاظ على الموارد المالية بالعملة الأجنبية، خاصة أن الجزائر في حاجة إلى ذلك، عن طريق تصدير المنتجات سواء تعلق الأمر بالمنتجات النفطية أو خارج هذا القطاع الطاقوي، وقال إن الحفاظ على الموارد يعد خطة هامة في الاقتصاد الوطني.
وإلى جانب حديثه عن أكبر الانجازات التاريخية، ومن أهمها طرح قانون استثمار مرن وجيد، يسمح باستقطاب الشركات الأجنبية، مستحسنا أنه في كل سنة تجري مراجعات لمعدلات الضرائب المفروضة على المتعاملين الاقتصاديين، وصار الهدف الأساسي منح المتعامل الاقتصادي أريحية للاستثمار في الجزائر بتحفيزات جبائية وجمركية هامة، بالإضافة إلى اعتماد التأمين التكافلي وتبني خدمات المالية الإسلامية بشكل ما زال يتوسع تدريجيا، والبداية جاءت بفتح نوافذ على مستوى البنوك، وهذا ما يشجع الادخار ويستقطب أموال السوق الموازية، وكذلك تبني واعتماد الديوان الوطني للأوقاف والزكاة.
اقتصـاد الجزائـر كبــير
وفي الشق المتعلق بما تحقّق على مستوى المنظومة الصناعية، يرى الدكتور مسدور، أنّها بدأت تتحرك بشكل قوي، ويرتقب أن تصل إلى المستويات التي تستحقها الجزائر، على خلفية أن الجزائر تملك اقتصادا كبيرا يحتاج إلى دعم بمنظومة صناعية في مختلف المجالات، بعد أن أصبحت تعزز الناتج الداخلي الخام، في وقت يتوقع أن تنمو أكثر على ضوء قانون الاستثمار الجديد والانفتاح على الاستثمارات الأجنبية، وكذلك الجالية الجزائرية بالمهجر.
وخلص الخبير إلى القول إنّ الجزائر بعد أشواط من الأداء الجيد، صارت تبحث عن التنويع الطاقوي مثل الطاقة الشمسية من أجل الاستغلال الداخلي والتصدير للأسواق الخارجية المتنوعة، وغلى جانب التطلع لأن تكون بلدا نظيفا بيئيا بالنظر إلى آثاره الإيجابية على الاقتصاد الوطني. كما نجحت بالموازاة مع ذلك في محاربة الفساد، وتكريس الحوكمة وإضفاء الشفافية عبر التضييق على المفسدين، ومنع تبيض الأموال أو استغلال الثغرات القانونية. وعلى ضوء ذلك بدأت جهود الرقابة المختلفة على مستوى الجهات العليا للبلد من خلال المفتشية العامة تثمر، إلى جانب الرهان الكبير والمعوّل عليه في تحقيق النقلة الاقتصادية والمتمثلة في المناطق الاقتصادية الحرة، والتي ينتظر انطلاقها خلال الأشهر المقبلة، لأنها تسمح باقتحام الأسواق الإفريقية بمنتجات ذات جودة وتنافسية.