نحو رقمنة شاملة وتسيير عصري للمشاريع الحيوية
إرادة سياسية حقيقية وصادقة لبناء منظومة مالية فعّالة
تعميم وسائل الدفع الإلكتروني.. تجفيف ومحاصرة السّوق الموازية
باشرت الجزائر خلال العهد الجديد تنفيذ إصلاحات هامة وطموحة في القطاع المالي، من خلال الارتكاز على محاور إستراتيجية، تتعلّق أبرزها بالرقمنة، الحوكمة، حيث تعكس هذه الإصلاحات التي هي اليوم على شكل ورشات كبرى وجود إرادة سياسية حقيقية وقوّية لبناء منظومة مالية حديثة، وفعّالة لتحقيق التوجه الاستراتيجي في البلاد تحت قيادة الرئيس عبد المجيد تبون الذي يسعى إلى وضع أسس متينة لبناء إقتصاد متنوّع ومستدام، في سياق إقليمي ودولي متغيّر ومتسارع الأحداث والتقلبات.
أكدّ الخبير المالي نبيل جمعة أن الجزائر تشهد منذ سنوات إطلاق ورشات إصلاحية عميقة في قطاع المالية، تهدف إلى مواكبة التحوّلات الاقتصادية الوطنية والدولية، وتحسين أداء الإدارة العمومية، وتعزيز الشفافية ومردودية الإنفاق العمومي.
وأشار جمعة إلى وجود وإرادة سياسية قوّية لتحديث القطاع، خاصّة مع بروز تقدّم ملحوظ في رقمنة المالية العامة، إلى جانب إعداد أنظمة معلوماتية موجّهة لرفع الفعّالية والشفافية.
وضمن هذا الإطار، أبرز محدّثنا، أن هذه الإصلاحات تندرج ضمن رؤية شاملة لبناء منظومة مالية رقمية وعصرية، تقلص من الاعتماد على الدفع النقدي، وتعيد هيكلة أنماط تسيير الميزانية وتحسين التحصيل الجبائي.
وفي السياق، شدّد الخبير على أن محاور الإصلاحات الجارية بحسب تصريح وزير المالية، من قبة الغرفة الأولى للبرلمان نهاية الأسبوع الماضي يتعلق بالرقمنة الشاملة للقطاع المالي، حيث تعتبر الرقمنة في القطاع المالي أحد أبرز الورشات التي تم فتحها في عهد الجزائر الجديدة المنتصرة، حيث تم رقمنة جزء كبير من المعاملات الإدارية في وزارة المالية، مثل مصالح الضرائب، الجمارك، الميزانية والخزينة، إلى جانب تطوير أنظمة معلوماتية متقدّمة تسهّل تبادل البيانات المالية بين الهيئات، مما سمح بتقليص البيروقراطية، وزيادة الشفافية والفعالية.
وتشمل الرقمنة ــ بحسب جمعة ــ الجانب الإداري، وتمثل الإدارات الجبائية، الميزانية، الخزينة والجمارك، أين تمت رقمنة جزء معتبر من المعاملات المالية مما ساهم في تقليص التعامل النقدي، الى جانب اعتماد أنظمة معلوماتية حديثة لتسيير العمليات المالية والضريبية. وقال الخبير المختص في المجال المالي إن “الوزير وصف الإصلاحات الجارية في هذا المجال بـ«المرحلة االمتقدّمة”، ما يعكس قرب الانتقال إلى نموذج تسيير رقمي بالكامل، خاصّة بعد استحداث المحافظة السامية للرقمنة و تطوير وسائل الدفع الإلكتروني.
وهنا أشار محدّثنا إلى أن هذه الديناميكية الرقمية قد تعززّت بإنشاء المحافظة السامية للرقمنة سنة 2023، التي لعبت دورا محوريا في تنسيق الجهود بين مختلف القطاعات واعتماد خارطة طريق للتحوّل الرقمي الوطني، خاصّة في ما يتعلق بالمعاملات المالية والضريبية.
التوجـــه نحـو الدّفع الرقمــي
وأشار الخبير إلى الجانب الإصلاحي المتعلّق بتقليص الاعتماد على الدفع النقدي في المعاملات اليومية والإدارية، تواكبها مسألة تعميم الدفع الإلكتروني في جميع القطاعات. بينما كان الوزير قد أكد أن مسعى عصرنة وسائل الدفع الالكترونية “وصل إلى “مرحلة مفصلية” لا سيما منذ استحداث المحافظة السامية للرقمنة، حيث “يتطلع القطاع إلى تسجيل تقدم أكبر في هذا المجال”، وفق تعبير الوزير.
وكانت السلطات العليا في البلاد، تحت قيادة الرئيس عبد المجيد تبون، قد أطلقت تعميم وسائل الدفع الإلكتروني وتقليص الاعتماد على النقد، تلزم التجار والإدارات باستخدام وسائل الدفع الإلكتروني، وهو ما يمهّد لتوسيع الاقتصاد الرسمي، ويُقلّص من هيمنة السّوق الموازية، كما يسهم في تعزيز الشفافية الجبائية.
أما عن قضية الإصلاح الجبائي ومشكل ضعف التحصيل الذي أشار إليه ممثل الحكومة عندما تحدث عن “ضعف التحصيل الجبائي” سنة 2022 بسبب الانعكاسات الاقتصادية للأزمة الصحية (كوفيد-19)، حيث أن معظم المؤسسات أجلت دفع الضرائب نتيجة تراجع النشاط الاقتصادي، فقد شدّد محدّثنا على أن الإصلاحات الجبائية تهدف الآن إلى رفع فعّالية التحصيل وتوسيع القاعدة الضريبية.
وعن أهم إصلاحات التي أطلقتها الجزائر في هذا المجال، في إطار مسعى الدولة لتحسين فعّالية الإنفاق العمومي، اعتماد القانون العضوي رقم 18/15 المتعلق بقوانين المالية، وهو إتباع نهج جديد في الميزانية للحفاظ على التوازنات المالية وتوفير موارد إضافية في السوق المالية الداخلية، وهذا بهدف أجل إصلاح الميزانية وإعطاء حوكمة أكبر للميزانية وترشيد الإنفاق العام.