الخبـير الاقتصـادي العربـي أولحـسـن لـ “الشعـب”:

رؤية الجزائـر.. مسار موثـوق للطموح الإفريقي

هيام لعيون

معــرض التجــارة البينيـة الإفريقيـــة.. التموقـــع ضمـن قائمـة الدول الناشئــة

تعمل الجزائر على تقوية اقتصادها لمواكبة التحولات العالمية والتقلبات الدولية المفاجئة، من خلال رؤية استشرافية مبنية على معطيات وخطة طويلة الأمد تمتد للعشرية المقبلة، جاعلة من إفريقيا أهم محور للسياسة الاقتصادية الخارجية، وذلك بدعوة كافة المتعاملين الاقتصاديين الجزائريين إلى التوجه بقوة نحو السوق الإفريقية والاستفادة من المعاملة التفضيلية الممنوحة في إطار منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية.

تزخر الجزائر بمقومات كبيرة ومزايا متعددة تؤهلها لتكون شريكا فعالا في التجارة البينية الإفريقية، بعدما تحكمت في مؤشرات اقتصادها وعززت من النمو الاقتصادي وهذا نتاج التحول السياسي الذي حدث في الجزائر منذ تقلد الرئيس عبد المجيد تبون زمام الحكم وانتهاجه خطاب السيادة والدفاع عن المصالح الاقتصادية للجزائر بكل استقلالية والتوجه نحو العمق الأفريقي أكثر بتبني رؤية مستقبلية وبنظرة براغماتية تحفظ مصالح الجزائر.
جهود الجزائر للرقي باقتصادها خلال العشرية المقبلة، التي ستكون عشرية الجزائر وإفريقيا، بحسب ما أفاد به وزير التجارة الخارجية وترقية الصادرات كمال رزيق، أكدها تقرير مجموعة البنك الدولي الصادر الشهر الماضي، بعنوان “كيف تصنع الجزائر اقتصادا ديناميكيا للمستقبل؟”، حيث أكد أن “الجزائر تعمل على تنويع اقتصادها، حيث زادت صادراتها من خارج المحروقات ثلاث مرات منذ عام 2017 لتصل إلى 5.1 ملايير دولار في عام 2023، مما يقلل من اعتمادها على النفط والغاز. كما أدت الإصلاحات الإستراتيجية، والتي تشمل شبكة مجتمعات الموانئ الجزائرية، وقانون الاستثمار الجديد، إلى تعزيز كفاءة التجارة واجتذاب الاستثمار الأجنبي”، ما يؤهل بلادنا لتحقيق المكانة التي تسعى لها ضمن الفترة سالفة الذكر.
نهضة اقتصادية شاملة
اليوم، تبرز قدرة الجزائر على التوجه نحو تحقيق النهضة الاقتصادية في ظل الاستقرار السياسي والمؤسساتي الذي أصبحت تتميز به، وعودتها القوية إلى الساحة الدولية، وبروز دور ومكانتها في محاور جيوسياسية في الفضاء الإفريقي، في وقت تعمل بلادنا على تنويع تحالفاتها الاستراتيجية وإبرامها لعدة اتفاقيات شراكة مع فاعلين دوليين على أساس علاقة رابح- رابح تقوم على مبدإ احترام السيادة. وبالإضافة إلى كل هذه المعطيات، فإن الظروف والعوامل الاقتصادية للجزائر تغيرت وشهدت تطورا ملحوظا، خاصة في الجانب الديمغرافي، حيث تعد الجزائر سوقا تقدر بحوالي 48 مليون نسمة، وأصبح الاقتصاد الجزائري يتميز بالقوة والصلابة، إذ يعد الاقتصاد الثالث إفريقيا، وفق تقارير المؤسسات المالية الدولية، مع ترقب الارتفاع المرتقب للناتج الداخلي الخام إلى 400 مليار دولار سنة 2027 من خلال مساهمة القطاعات الرئيسية في نمو هذا الناتج. كما أن كل المؤشرات توحي بأننا في وضع اقتصادي مريح يجعل قرارات الجزائر أكثر استقلالية، لاسيما وأن الجزائر لم تلجأ إلى المديونية، وهذا بالنظر للإصلاحات الاقتصادية المنتهجة التي باتت محل إشادة المؤسسات المالية الدولية.
في السياق، تسعى الجزائر لتتبوأ مكانة مرموقة على الصعيد القاري والدولي، من خلال تكريس الجهود لتجسيد مشاريع استراتيجية للتموقع في العمق الإفريقي، في إطار تحقيق التوجه الاستراتيجي للبلاد الرامي لتعزيز الصادرات نحو دول الساحل، بتكثيف حركة التبادل التجاري البيني، على غرار إنجاز مشاريع السكك الحديدية بأقصى الجنوب، والتي من المنتظر أن تساهم في إنعاش الحركة التجارية البينية وترقيتها، إضافة إلى تقدم أشغال مشروع طريق تندوف- الزويرات بموريتانيا، مما سيساهم في نقل السلع وتصديرها نحو موريتانيا، ومن ثم نحو دول إفريقية، مما يعود بالإيجاب على اقتصادنا الوطني وسيساهم في تحقيق التكامل الاقتصادي الإفريقي المنشود.
دعم التعاون بين دول الجنوب
 في هذا الإطار، أكد الخبير الاقتصادي، العربي أولحسن، أن انعقاد المنتدى الإفريقي للاستثمار والتجارة في الجزائر، خلال اليومين الماضيين، يعكس الدور المتزايد الذي تلعبه الجزائر على الساحة القارية، كمحور اقتصادي وجيو- سياسي وجيو- اقتصادي يربط شمال إفريقيا بعمقها الإفريقي، مبرزا أن “هذا الحدث الاقتصادي يُعد منصة استراتيجية لتعزيز اتفاقية التجارة الحرة القارية الإفريقية، ودفع عجلة التعاون بين دول الجنوب.
وأفاد الخبير، أن الجزائر تلعب دورا محوريًا من خلال استثمارها في البنية التحتية الإقليمية، مثل الطريق العابر للصحراء، وخطط الربط السككي والمينائي والموانئ الكبرى، مثل ميناء شرشال مع دول الساحل، ما يجعلها نقطة عبور استراتيجية للتجارة بين إفريقيا وأوروبا، لافتا إلى أن “بناء شراكات اقتصادية جديدة مع دول القارة في مجالات الطاقة والطاقات المتجددة، الزراعة، التكنولوجيا والصناعة الثقيلة والمتوسطة”.
وأبرز في السياق، أن “مساهمة الجزائر تتجلى أيضًا في دعم الشركات الوطنية للاستثمار في إفريقيا، وتقديم التكوينات والخبرات الفنية في مجالات استراتيجية، إضافة إلى دعم جهود الأمن الغذائي والانتقال الطاقوي، خصوصًا من خلال مشاريع الطاقة المتجددة، وهذا رغم التحديات التي تواجهها القارة، مثل ضعف البنى التحتية، ونقص التمويل، فإن المنتدى يمثل فرصة ثمينة لتعزيز التكامل الإقليمي، وتطوير سلاسل القيمة الإفريقية، وتسهيل حركة الاستثمارات والسلع والخدمات”.وضمن هذا الإطار، شدد ذات الخبير على أن الجزائر تؤكد من خلال هذا المنتدى، إرادتها في قيادة مبادرات إفريقية طموحة وتعزيز التكامل الاقتصادي القاري، باعتباره شرطًا أساسيًا لتحقيق الازدهار المشترك والتصدي للتحديات الاقتصادية العالمية برؤية إفريقية موحدة ومستقلة.
الجزائر قوة اقتصادية
وتحدث الخبير أولحسن، عن استعداد الجزائر لاحتضان المعرض الرابع للتجارة البينية الإفريقية المزمع انعقاده في الفترة الممتدة من 4 إلى 7 سبتمبر 2025، وهو حدث اقتصادي يعد الأضخم من نوعه في القارة السمراء، حيث سيشهد المعرض مشاركة أكثر من 140 دولة ومنظمة، وحضور 15 رئيس دولة إفريقية، إلى جانب أكثر من 1000 عارض، و35 ألف زائر من داخل وخارج القارة، ما يعكس أهمية الجزائر كمحور اقتصادي واستثماري متصاعد في إفريقيا.
وأشار أولحسن إلى أن هذا الحدث يندرج “في إطار المساعي المتواصلة لتعزيز التكامل الاقتصادي الإفريقي، وتفعيل اتفاقية التجارة الحرة القارية الإفريقية، التي تهدف إلى خلق سوق إفريقية موحدة، ودعم التجارة بين الدول الأعضاء. وتسعى الجزائر من خلال هذا المعرض، إلى توسيع نطاق شراكاتها الإفريقية، وتنويع اقتصادها الوطني عبر الانفتاح على الأسواق الجديدة والفرص الاستثمارية الواعدة.
وأضاف الخبير قائلا، إن النشاط “سيمكّن الجزائر من عرض إمكاناتها الصناعية والفلاحية، وبنيتها التحتية في النقل والطاقة، لاسيما المشاريع الكبرى مثل الطريق العابر للصحراء، والموانئ الاستراتيجية وخطط الربط بالسكك الحديدة مع دول الساحل. إضافة إلى أن المعرض يشكل فرصة لتشجيع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة الجزائرية على تصدير منتجاتها، والدخول في شراكات مع نظرائها في إفريقيا”.
من جهة أخرى، يرى الخبير أن هذا المعرض يعكس طموح الجزائر للتموقع ضمن قائمة الدول الناشئة بحلول آفاق عام 2027، من خلال بناء اقتصاد متنوع ومندمج إفريقيًا، قادر على الاستجابة للتحديات الإقليمية والدولية، في ظل المتغيرات العالمية.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19813

العدد 19813

الخميس 03 جويلية 2025
العدد 19812

العدد 19812

الأربعاء 02 جويلية 2025
العدد 19811

العدد 19811

الثلاثاء 01 جويلية 2025
العدد 19810

العدد 19810

الإثنين 30 جوان 2025