إنجـاز مشاريع بجودة عالية وتحكّم تامّ في سلسلة الأنشطة النفطية
شركة “سوناطراك” تتمتّع في الوقت الحالي بخبرة طويلة ومهمة ورائدة، وتحتل المرتبة الأولى إفريقيّا، وتكتنز كفاءات عالية بمستوى عالمي في جميع المجالات، وحتى خارج قطاع المحروقات بعد اقتحامها مجال تحلية مياه البحر.
يقدّم الخبير الطاقوي الإطار السابق بمجمّع “سوناطراك”، أحمد مشراوي، في هذا الحوار مع “الشّعب” عرضا مركّزا، تحدّث فيها عن الانطلاقة التاريخية للمجمّع، وأهم المحطات الرئيسية لأكبر وأهم شركة طاقة في إفريقيا، معتبرا أنّ من أسرار احتلالها مكانة مرموقة في العالم، ارتكازها على تدريب المورد البشري بجودة عالية، وتبنيها لسياسة التخطيط الدقيق ومواكبتها للتطور التكنولوجي بشكل مستمر واستثماراتها المهمة والضخمة داخليا وخارجيا.
“الشّعب”: هل يمكن أن تحدثنا عن البداية الأولى لـ “سوناطراك”، أكبر وأهم مجمّع طاقوي في إفريقيا؟
الخبير الطاقوي والإطار السابق بالمجمّع أحمد مشراوي: أنشئت شركة “سوناطراك” الرائدة حاليا في سوق الطاقة العالمي، بتاريخ 31 ديسمبر 1963، وأسندت لها مهمة الإشراف على سير التنقيب وإنتاج المحروقات، على اعتبار أنه كانت تنشط في الجزائر شركات أجنبية على رأسها الفرنسية، ورأت “سوناطراك” النور، لتقوم بدور مهم، بداية من الدفاع عن مصالح الجزائر في قطاع المحروقات، وكذلك الإشراف على ما يجري في هذا القطاع الاستراتيجي المنتج للثروة. وتطوّر مسارها أكثر بعد أن صارت تقوم بدور مهم في النشاط الاقتصادي، علما أنه في عام 1964، أصبحت شريكة لعدة شركات أجنبية، ومن بينها مصفاة براقي، في خطوة تحول هامة ورئيسية، وأمّا في عام 1967، أسندت إليها مهمة الاستكشاف، في انطلاقة قوية وواعدة، وأوّل بئر أشرفت على حفره، يتمثل في “البورمة”، وكان نتائج أدائها جد إيجابية، بفضل إطارات وفنيّين، كانوا يتّسمون بالكفاءة العالمية والتمرّس منذ بداية انطلاقها، وبالإضافة إلى ذلك انخرطت في عملية نقل المحروقات، وأنجزت أوّل أنبوب عام 1966، ينقل البترول من منطقة حاسي مسعود إلى منطقة الشمال نحو البحر، لتسويقه عن طريق البواخر نحو الأسواق الخارجية.
تحدي كبير واجهته شركة “سوناطراك” بعد قرار التأميم والذي انضمت فيه بثقة وكفاءة لمواكبة التنافسية العالمية، هل يمكن أن نقف عند هذه المحطة الحاسمة وبداية التحول المنشود؟
بالفعل إنها محطة رئيسية بارزة ومفصلية، وضعت المجمّع في مسار واعد، لأنه في 24 فيفري 1971، تاريخ تأميم المحروقات، توسعت مسؤولية مجمّع “سوناطراك” وتحولت إلى شركة وطنية شاملة ومتكاملة في سلسلة النفط، تقوم بالتنقيب والإنتاج وكذا التسويق، وكان بمثابة الضوء الأخضر لتنمو وتتطوّر وتفرض تواجدها القوي في الأسواق الخارجية، وعقب ذلك صدر قانون عام 1986، ومنح الحق لـ “سوناطراك” في إقامة شراكات مع شركات أجنبية خاصة في مجال الاستكشاف والتطوير، وهذا ما أعطى دفعا جديدا لأداء المجمع الطاقوي العملاق، ممّا سمح بالرفع من مخزون واحتياطي الجزائر من النفط والغاز، وواصلت الشركة “سوناطراك” بخطواتها الواثقة والدقيقة، بموجب القانون المعدل في عام 1991، في تحقيق نتائج باهرة وإيجابية في الاستكشاف، ممّا رفع من مخزون واحتياطي البلاد من النفط والغاز إلى مستويات عام 1971، بفضل الاستكشافات الهائلة المحقّقة في حوض بركين مع شركائها الأجنبيّين، وهذا ما يؤكّد العمل الجبار المسجّل في الفترة الممتدة من محطة التأميم إلى غاية شهر جانفي 1999. وهذا ما جعل شركة “سوناطراك” تنطلق بشكل جديد وقوي واستمرت الزيادة في منسوب البترول والغاز.
من الضروري تسليط الضوء على مرحلة التطوّر وملامسة أهم المحطات الإستراتجية من بينها الانفتاح الخارجي للشركة والتواجد في مجال الاستثمار الخارجي؟
اقتحمت “سوناطراك” مجال الاستثمار والتنقيب في عدة بلدان، ومنذ عام 2005، بدأت تتواجد في كل من البيرو وليبيا والنيجر وموريتانيا، ومن أسرار نجاح المجمّع ارتكازه على التكوين منذ بداية نشاط الشركة، علما أنه أسس في عام 1964 بقرار من الدولة، معاهد مختصة بكل من بومرداس والدار البيضاء، ولعب التدريب دورا محوريا في تأطير الكفاءات اللازمة في جميع مجالات التطوير من استكشاف وإنتاج وتسويق، ويمكن للمجمّع في الوقت الحالي، أن يفتخر بموارده البشرية المميّزة المعترف بها دوليا، وبفضل هذه الكفاءات تحكّمت في التقنيات المتطوّرة وأنجزت المشاريع بجودة وكفاءة عالمية، والدليل على ذلك العشرات من الاستكشافات الهامة حقّقتها بأيادي إطارات جزائرية. كما ينبغي التأكيد، أنّ “سوناطراك” تتحكّم في ممارسة سلسلة الأنشطة النفطية من خلال الحصرية في تصاريح البحث وامتيازات الاستغلال، ولا يخفى أنها واجهت العديد من التحديات والصعوبات، وافتكت مكانة هامة ومرموقة على الساحة الدولية، متموقعة في مرتبة متقدمة في خارطة الشركات النفطية العالمية، في سياق يهيمن عليه التغيير المناخي والتكنولوجيات الجديدة والحاجة للعمل نحو اقتصاد خال من الكربون، وأشير في نفس السياق، أنّ مجمّع “سوناطراك”، يتكيف ويتحول بشكل سريع محقّقا التميّز من أجل ترسيخ التنمية المستدامة للبلاد.
كيف تصفون المستوى الذي بلغته “سوناطراك” بعد أزيد من ستة عقود من الخبرة والاحترافية؟
شركة “سوناطراك” تتمتع في الوقت الحالي بخبرة طويلة ومهمة ورائدة، وتحتل المرتبة الأولى إفريقيا، وتكتنز كفاءات عالية بمستوى عالمي في جميع المجالات، وحتى خارج قطاع المحروقات بعد اقتحامها مجال تحلية مياه البحر على اعتبار أنه تم تدشين محطتين هامتين لتحلية مياه البحر، وهذا مكسب ثمين للجزائر. وإلى جانب ذلك برزت في القطاع الزراعي والمجال الرياضي، وعدة مجالات أخرى، بفضل إستراتجية تطوير الشركة والتنوع والتعدّد في الاستثمارات في جميع المجالات، إلى جانب استثماراتها المهمة في مجال الطاقات المتجدّدة وتتجه لاستغلالها بإمكاناتها، وهذا ما يدفع للقول، أنّ “سوناطراك” مكسب للجزائر ومفخرة للجزائريّين، على خلفية أنه في الوقت الراهن تواكب التكنولوجيا الحديثة والسريعة التطور في الحفر، والإطارات الجزائرية لديهم جميع القدرات لتجسيد واستعمال التكنولوجيا المتطوّرة حتى تلك المبتكرة من طرف شركات عالمية كبرى واستعمالها في مجالها الصحيح.
وبالموازاة مع ذلك، فإنّ “سوناطراك” تقدّمت كثيرا في مسار الرقمنة ولديها خبرة معتبرة منذ عقد التسعينيات، وكانت سبّاقة قبل شركات عالمية في تبني الرقمنة كخيار حتمي.
وفي الشّق المتعلّق بتجربة تمييع الغاز المهمة، يجب التذكير أنّ “سوناطراك” بكفاءتها ساهمت عن طريق استغلال القدرات في تمييع الغاز في عام 1964، وكانت الجزائر بفضل الشركة أول دولة تقوم بتمييع الغاز، وأنشأت أوّل مصنع لتمييع الغاز عام 1964، وسمح بتسويق وبيع الغاز إلى أمريكا، وحاليا لديها مصانع سكيكدة وأرزيو، وفوق كل ذلك، صدّرت الإطارات والفنيّين لعدة دول من بينها قطر والإمارات وأوروبا وأمريكا، وهذا يعكس نجاعة سياسة التكوين المنتهجة منذ الاستقلال، لأنّ بداية الجزائر المستقلة، كانت بنحو 600 طالب في جميع التخصّصات. ومن أسرار نجاح “سوناطراك” نذكر تدريب العنصر البشري والتخطيط الدقيق ومواكبة التطور الخارجي.
نترك لك الكلمة الأخيرة..ماذا تقول لـ “سوناطراك”؟
في ظل تزايد الطلب الداخلي والخارجي والمنافسة الحادة، وعلى ضوء خبرتها من الضروري مواصلة تطوير إمكاناتها واستغلال قدراتها للحفاظ على ريادتها الإقليمية والعالمية، واقتحام المجالات الجديدة لتكون من الأوائل في الإنتاج عبر تنويع الاستثمارات والاستثمار في الصناعة التحويلية لمشتقات النفط.