الخبير الإقتصـادي لخضـر مدني لـ «الشعــب»:

مساهمة الجزائر ببنك التّصدير الإفريقي تخدم الأولويات التّنموية للقارّة

فضيلة بودريش

استكمـال منطقــة التّجــارة الحــرّة سيرفـــع نسبـة النّمـو إلى 7 بالمائــة

 قدّم الخبير الاقتصادي لخضر مدني عرضا واقعيا يبرز موقع الجزائر المتميز والمناسب لتحقيق تكامل اقتصادي في شقيه الصناعي والطاقوي مع بلدان القارة الإفريقية الواحدة المحتاجة في هذا الظرف الحاسم إلى التنسيق المكثف وبناء المسارات المثمرة تنمويا، والحرص على تبادل الخبرات وإنجاح منطقة التجارة الحرة لتنويع نطاق التجارة البينية، والتخفيف من آثار القيود الجمركية المكلفة، وبما أن الجزائر تحظى بمكانة خاصة وتقدير مستمر، فإن الوقت مناسب لترجمة الرؤى والإرادات إلى تعاون مشترك وثروة تتقاسمها دول القارة الإفريقية من خلال تثمين القدرات الإفريقية، وتعزيز الخبرات وتعميمها من بلد إلى آخر.

 خلال خوضه في الحديث عن التكامل الاقتصادي الجزائري ونظيره الإفريقي الحاسم والتاريخي، تطرّق الخبير وأستاذ العلوم الاقتصادية لخضر مدني إلى كيفية تحقيق التكامل الصناعي والطاقوي الجزائري الإفريقي أو التكامل الاقتصادي الثنائي مع دول القارة السمراء؟ وكيف تساهم الجزائر فيه؟
في البداية، أكّد الخبير على ضرورة التطرق إلى قضايا إستراتجية كبرى، معتبرا أنّ المدخل الاستراتيجي يتمثل في إنجاح أجندة إفريقيا لسنة 2063، وهي تهدف إلى تحقيق التكامل الاقتصادي والازدهار بالقارة الإفريقية والقائمة على عدة مشاريع كبرى وعددها 14 مشروعا، أمّا بالنسبة للجزائر، فإنّ أمامها مساران لبلوغ هذا التكامل، يتجسد الأول من خلال إنجاح التكامل عبر الإطار المؤسساتي الذي وضعه الاتحاد الإفريقي بعد مبادرة نيباد «الشراكة الجديدة من أجل تنمية إفريقيا»، علما أنّ الجزائر كانت مساهمة رئيسية فيها عام 2001، وتحولت في سنة 2018 إلى وكالة التنمية للاتحاد الإفريقي.
ولم يخف الخبير أنّ الجزائر من خلال هذه الوكالة، يمكن إنجاح مشاريعها وتمويلها، ويعتبر مساهمة كبيرة في تحقيق التكامل الإقليمي الاقتصادي بإفريقيا، وكذا العمل على تعزيز جميع الجهود في هذا المسار.
وحقّقت الجزائر في هذا المسار - حسب تقدير الخبير - بعض المشاريع الإستراتيجية الكبرى، من بينها ما يرتبط بتطوير البنية التحتية في إفريقيا أو مشروع «بيدا»، ويتضمّن الطّريق العابر للصحراء، كما ينتظر كذلك استكمال دراسة الجدوى وإزالة كل العقبات أمام هذا المشروع الخاص بخط أنبوب الغاز «الجزائر – نيجيريا والنيجر».
وذكر الخبير أنّ هذا المشروع يحمل جميع مؤشرات النجاح بعد انطلاق الاجتماع الوزاري للجنة التوجيهية لمشروع أنبوب الغاز وتجديد دراسة الجدوى، ويعتقد - في سياق متصل - أنّ كل ما تم إنجازه  يعتبر مساهمة كبيرة في تحريك هذا الملف الاستراتيجي بالنسبة للجزائر وإفريقيا، وكذا تطوير المشروع الطاقوي الإفريقي، إلى جانب المشاريع الأخرى المهمة، وتتعلق بقضية الألياف البصرية، بالنسبة لكل من الجزائر ونيجر ومالي والتشاد ونجيريا، وستحرص الجزائر على متابعة هذه المشاريع الإستراتجية، ورصد كل العقبات التي يمكن أن تعترضها لإزالتها، ووضع المشاريع حيز التنفيذ، بالإضافة إلى التفكير في الربط بالسكك الحديدية، ربما مع موريتانيا في المرحلة الأولى.

إنجـاح مشاريـع التّكامل التّجـاري

  بخصوص الآفاق المستقبلية المنتظرة، تطرّق الخبير إلى خطوط النقل الجوي بين الجزائر ومختلف الدول الإفريقية، والتفكير في خط شحن جوي للسلع.
وبالمقابل، ينتظر توسيع تواجد بنوك جزائرية في باقي الدول الإفريقية. وتطرّق الخبير إلى المسار الثاني، المتمثل في إنجاح مشاريع التكامل التجاري، في إطار المنطقة القارية الإفريقية للتجارة الحرة «زليكاف»، وهذه المنطقة في حالة اكتمالها - تقول التقديرات - ستنعكس على النمو الاقتصادي وترفعه بنسبة 7 بالمائة، وتساهم بزيادة النمو الداخلي الخام لإفريقيا في آفاق عام 2035.
وفي هذا الإطار، ثمّن الخبير مدني تعزيز مساهمة الجزائر في بنك التصدير «أفريز بنك»، على اعتبار أنّ هذا البنك سيقوّي تواجد الجزائر في توجيه قرارات البنك، بما يخدم الأولويات التنموية الإفريقية، وراهن الخبير على أهمية مضاعفة الحضور في مختلف التظاهرات الاقتصادية والتجارية الإفريقية العامة والقطاعية، وتشجيع استضافة هذه الأنشطة في الجزائر بمختلف أنواعها سواء كانت متخصصة أو عامة، بما يساهم في دعم التكامل الإقليمي الإفريقي المرحب به في الجزائر.
إلى جانب الاستثمارات الطّاقوية، تناول الخبير دور الوكالة الجزائرية للتضامن الدولي، وأوضح أنّه سيجسّد عبر مجموعة من المشاريع، ولم يخف أنه من الأفضل أن تكون المؤسسات العمومية والخاصة الجزائرية، حاضرة أو مشاركة في تنفيذ هذه المشاريع، في ظل حيازة عدة وكالات في الجزائر في سلسلة من القطاعات على خبرات فنية متراكمة، يمكن إشراكها في تقديم الدعم التقني للدول، في إطار التعاون مع الدول الإفريقية سواء في إطار الاتحاد الإفريقي أو في إطار العلاقات الثنائية لتعزيز الحضور وتقديم المساعدة التقنية لبعض الدول مساهمة في تطويرها التنموي، وكذا في مجال المورد البشري وتطوير المساعدة، وتوسيع مجال تكوين المورد البشري لمختلف الدول الإفريقية وخاصة دول الجوار، من بينها على المستوى الجامعي أو التقني، كما على مستوى مؤسسات التكوين المهني، وكل ما يتطلبه ذلك من إبرام  اتفاقيات وتوسيع المنح وما إلى غير ذلك.

اقتصاد صناعي متين

وقدّم الخبير الاقتصادي لخضر مدني قراءة متمعّنة في فرص التكامل الجزائري الإفريقي، ووقف بالتفصيل على القطاعات المرشحة للتعاون، مبرزا - على سبيل المثال - نموذج السنغال، حيث سلّط الضوء على  الواقع التنموي على المديين الطويل والقصير، باعتبار أن السنغال تعد من البلدان الإفريقية الكبيرة المكتنزة للفرص الاستثمارية الكبيرة والمنفتحة عليها. وفي المدى القصير، يرى الدكتور مدني أن السنغال تعيش تحديات النمو والتضخم والعجز المالي والدين العام، وخلال الفترة 2020 - 2023، قال إن الاقتصاد السنغالي سجل 6.5 بالمائة نسبة نمو بعد الجائحة، ثم تباطأ إلى 4 بالمائة، وعقب ذلك سجل 4.1 بالمائة في سنتي 2022 و2023، ومن المتوقع أن يتواصل إلى 4.5 بالمائة في 2024.
للإشارة، كان يفترض للنمو بالسنغال أن يصل إلى 8.3 بالمائة، فقد كان يرتقب بداية إنتاج النفط والغاز، ولكن تأخر، وفي الوقت الحالي يتوقّع - مع انطلاقه - أن تسجّل سنة 2025 نقلة في مجال النمو الاقتصادي للسنغال، وكما أنه متوقع بدء وصول إيرادت النفط والغاز واستعادة الاستقرار الاقتصادي الكلي، وتعتبر توقعات جد متفائلة، يقول محدثنا.
وعلى المدى الطويل، وضعت السنغال رؤية طموحة للتحول الاقتصادي والصناعي في آفاق 2025، وهذه الإستراتجية طويلة المدى تهدف للوصول إلى اقتصاد صناعي متين ومندمج في سلاسل القيمة العالمية، وتتجاوز تحديات الاعتماد على الخارج، وعلى المديونية المرتفعة والقطاع الخاص المحدود.

بناء 8 مراكز اقتصادية

 وأفاد الخبير مدني أنّ ما يمكن استقاؤه في المرحلة الأولى لهذه الإستراتجية 2024 و2029، بالإضافة إلى الإصلاحات المؤسساتية في مجال المالية العامة، وتعزيز مشاركة القطاع الخاص في التنمية، هدف رئيسي يتمثل في تحسين مناخ الأعمال لجذب الاستثمارات المحلية والدولية، وكل هذا المستهدف يعد مدخلا مهما جدا بالنسبة للجزائر من أجل بناء شراكات استثمارية مع السنغال، والمرحلة الثانية متوسطة المدى، وضعت السنغال مجموعة من القطاعات الإستراتجية، تعمل عليها والمتمثلة في قطاع الطاقات المتجددة وخدمات اللوجستية. وفي المجال الصناعي تستهدف أن تعظّم القيمة المضافة الداخلية، بمعنى أنها تركز على تعزيز معالجة المواد الأولية على المستوى المحلي، وهذا ما يشكل مدخلا مهما لبعض الصناعات الجزائرية للوصول، وعقد شراكات في هذا المجال.ويعتقد الخبير أنّ الفرص تكمن في ثلاثة مسارات رئيسية، يتمثل المسار الأول في الاستثمارات الأجنبية المباشرة ومنها الجزائرية، في هذه القطاعات ذات الأولوية، وخاصة في الصناعات التحويلية مثل البتروكيماويات والأغذية والمنسوجات والتقنيات الرقمية والقطاعات الأخرى مثل الدواء سواء بالنسبة للمتعامل العمومي شركة صيدال أو الخواص ومواد البناء والسيراميك والخزف والاسمنت والبلاستيك، وكذا إعادة التدوير والمنتجات الزراعية والصناعات الغذائية والتعليب، إلى جانب منتجات ومشاريع الري والتقنيات الزراعية، وكل هذه المجالات يمكن المشاركة فيها.
وبالنسبة للمسار الثاني المتعلق بافتكاك مشاريع الصفقات العمومية، سيتم في المرحلة المقبلة إحداث تطور كبير في البنية التحتية بالسنغال، وأول مستهدف في هذه الإستراتجية بناء 8 مراكز اقتصادية خارج داكار، التي تسيطر على 53 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي، بالإضافة إلى مشاريع الإسكان ومشاريع الطاقة والربط بالكهرباء والغاز، كلّها ستعرض في مجال الصفقات الدولية والمحلية، ويمكن أن يكون للشركات الجزائرية نصيب منها.
أما المدخل أو المسار الثالث للمساهمة، فهو يتعلق بالتمويل، فبعدما قامت الجزائر بفتح البنك الجزائري بداكار، يمكن من خلال هذا المدخل مرافقة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة والكبيرة، خاصة أن السنغال تحتاج في المرحلة الأولى إلى غاية آفاق 2028، إلى تمويل يصل إلى 28 مليار أورو، و62 بالمائة يتم ضمانها من خلال الميزانية العامة و14 بالمائة عبر التمويلات الخاصة و23 بالمائة من خلال شراكات عامة وخاصة، وستطرح السنغال البحث عن تمويلات إقليمية دولية، ويمكن للبنك الجزائري السنغالي أن يكون له دور في هذا المجال، وهذا يتعلق بالمسارات.

فرص الجزائر للاستثمار في السنغال

واصل الخبير مدني في استعراض الفرص الثمينة، ومزايا التركيز على جملة من الاستثمارات الإفريقية بالسنغال، موضحا أن السنغال خصّصت أكثر من 1 مليار أورو لمشروع إنشاء شبكة غازية داخلية، إضافة إلى مشاريع التعدين، خاصة في مجال الذهب والفوسفات، ويمكن كذلك عقد شراكات في هذا الإطار.
أما في مجال التجارة الخارجية، فيرى الخبير مدني أنه عند دراسة بنية التجارة الخارجية للسنغال، نجد حجم التبادل في مجال الصادرات يقدّر تقريبا بنحو 4.9 مليار أورو في 2023، مؤكّدا على أنّ أكبر العملاء بالنسبة للسنغال في مجال الزبائن، نجد دولة مالي بنسبة 23 بالمائة، سويسرا بنسبة 12 بالمائة والهند بحوالي 10 بالمائة.
وبخصوص الواردات، ذكر مدني أنّها شهدت تحوّلا في هيكل المبادلات التجارية بالسنغال، حيث بلغت الواردات 11 مليار أورو، وتتصدر قائمة أهم الموردين فرنسا بنسبة 12 بالمائة والصين بنسبة 10.9 بالمائة ونيجيريا بحوالي 8.6 بالمائة، وبعد ذلك تأتي روسيا في المرتبة الرابعة.
للإشارة، حسنت روسيا مكانتها من الرتبة 17 كمورد للسنغال في 2019 إلى المرتبة الرابعة في عام 2023، في ظل جهد مبذول من طرف نيجيريا في هذا المجال، والدول الإفريقية الأخرى تشكّل تقريبا 20 بالمائة، وتحتل الصّدارة كل من مالي وموريتانيا وساحل العاج.
بخصوص هيكل الواردات، أشار الخبير إلى أنه يشكّل تقريبا 70 بالمائة، تتمثّل في منتجات مصنّعة، و30 بالمائة منتجات بترولية من نيجيريا أساسا، وكذلك المنتجات الغذائية الأساسية. وبخصوص المبادلات الجزائرية مع السنغال فإنّها تناهز 20 مليون دولار، ولكن فرص تنويعها ورفعها لا تزال متاحة.
وحول الآفاق القادمة، قال الخبير إنّ الدخل الإجمالي الداخلي الخام للسنغال سيزيد، وسيتعزّز كذلك الدخل الفردي والطلب سيزيد، وتعد فرصة جوهرية للجزائر في ظل وجود فرص تحسين لوجستي مثل الخط البحري والانتقال عبر موريتانيا على المدى المتوسط.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19705

العدد 19705

الخميس 20 فيفري 2025
العدد 19704

العدد 19704

الأربعاء 19 فيفري 2025
العدد 19703

العدد 19703

الثلاثاء 18 فيفري 2025
العدد 19702

العدد 19702

الإثنين 17 فيفري 2025