تجسّـد خيـار “إفريقيـا للأفارقة” اقتصاديـا..منـدوش لـ “الشعب”:

سوناطراك تدعــم سيطـرة إفريقيـا على مواردهـــا

فايزة بلعريبي

زيـادة الاستثمـارات الطاقويـة في ظـل الفرص المطروحــة خاصـة على المستـوى القـاري

 عرف المشهد القاري الإفريقي نشاطا دبلوماسيا واقتصاديا قويا، تجسّد في سلسلة الإنجازات الدبلوماسية التي حققتها القارة الإفريقية على مستوى الهيئات والمحافل الدولية. مكاسب عزّزها التوافق القاري حول ضرورة التعاون جنوب - جنوب من أجل استثمار أمثل لمقدرات القارة الافريقية، خاصة وأن إعلان الجزائر المنبثق عن قمة الدول المصدرة للغاز، الذي انعقد بالعاصمة الجزائر بمارس 2023، كان قد أقرّ بضرورة سيادة الدول على ثرواتها ومقدراتها، وهو الاتجاه الذي أشارت إليه دوما بوصلة الدبلوماسية الجزائرية.

 ثمّن الخبير الدولي في شؤون الطاقة بغداد مندوش، المسار الطاقوي الستيني للدولة الجزائرية الذي تعزّز بإرادة سياسية تجلت في تعليمات رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، والقاضية بزيادة الاستثمارات الطاقوية في ظل الفرص المطروحة عالميا وخاصة على المستوى القاري. فقد سجّلت السوق الطاقوية تعطّشا لهذا المورد الحيوي الذي هندست معادلته الإنتاجية والتجارية الخارطة الجيو-إستراتيجية العالمية، وأوضح المتحدث أنّ الجزائر وطيلة هذا المسار، كانت حريصة على تحقيق التكامل الطاقوي مع دول القارة الإفريقية، وهو المسعى الذي يتوافق تماما والعقيدة الدبلوماسية الجزائرية المساندة بمواقف ثابتة، لا مشروطة لكل ما هو إفريقي من استقرار أمني، وتحرّر اقتصادي ونهضة تنموية.

إفريقيــا..مقدرات وفـرص

 ولأنّ الإنجازات الطّاقوية التي حصّنت الاقتصاد الوطني، وشكّلت صمام أمان الخزينة العمومية، لعقود طويلة، كانت من إمضاء الرائد الطاقوي الجزائري “سوناطراك”، أوضح بغداد مندوش، أن هذه الأخيرة ورغم توجّه الدولة الجزائرية إلى تنويع وتحرير اقتصادها من التبعية للمحروقات، إلا أنّها واصلت مسارها الريادي في دعم وتمويل الاقتصاد الوطني، الذي تعزّز مؤخرا بمخطط خماسي 2024-2028، رصد ما يزيد عن 50 مليار دولار للاستثمارات، 70 % منها موجهة للنّشاط الاستكشافي، من إمضاء فروعها بالخارج، وبإطارات عالية الكفاءة والتكوين، وبرامج عالية متطورة التقنيات، حيث واصلت سوناطراك حصد الاتفاقيات والعقود قصيرة المدى، أغلبها عقود “تقاسم الإنتاج” المعمول بها دوليا في حالة الاستثمارات الخارجية المختلطة، وتوسيع مساحة تواجدها عبر القارات الخمس.
فعلى صعيدها القاري، تتواجد سوناطراك من خلال فرعها الاستكشافي “سيباكس” بكل من النيجر، الموزمبيق، كينيا، مالي، تونس، موريتانيا، وليبيا أين قامت، السنة الماضية، بإبرام ملحق لاستئناف نشاطها بالمنطقة.
أما على الصعيد العالمي، يضيف الخبير، فقد تمكّنت سوناطراك من أن تكون المورد الموثوق لأوروبا، متّخذة من إيطاليا معبرا مركزيا لغازها واستثماراتها نحو دول غرب أوربا بمصداقية عالمية، ونشاط متميز يخضع لمعايير الجودة المعترف بها دوليا، المتعلقة بمناجمنت المؤسسات لتكون بذلك محركا طاقويا عالميا، وموردا استثماريا يدعم الاقتصاد الوطني، ويضمن سيادته الطاقوية والسياسية، في زمن تعود فيه القوّة لمن يملك الطاقة.

دول الجــوار

أما على المستوى القاري، فقد أكّد الخبير الطاقوي أنّ سوناطراك تحوز على شركة مختلطة مقرها الاجتماعي بطرابلس، تنشط في مجال البحث والاستغلال والإنتاج، منذ أكثر من 25 سنة.
ودائما وفي إطار الإستراتيجية الخارجية، تحتضن الشقيقة تونس مناصفة مع الجزائر بنسبة 50 % شركة مختلطة، متخصّصة في الاستكشافات الطاقوية. كما أبرمت سوناطراك سنة 2015 بحقل “غدامس” عقد شراكة بصيغة “تقسيم الإنتاج” مع الشركة الليبية للبترول والغاز، وهي الصيغة القانونية للعقود المتداولة بأكثر من 90 % من البلدان المنتجة للبترول والغاز، إلى جانب مشاريع أخرى على الحدود الجنوبية الجزائرية-الليبية، تحديدا بالقطع 65، 95 و96 حسب التسمية المعتمدة بمجال الاستكشافات النفطية، حيث أوكلت مهمة الاستكشافات بذات المناطق قبل سنة 2015 إلى شركة فرعية لسوناطراك، لتقرّر هذه الأخيرة بصفتها مشرفة رئيسية على عمليات البحث والاستكشاف والحفر والإنتاج - حسب بنود العقد الذي يجمعها بالشريك الليبي - وتابع المتحدث قائلا إنّ المتعامل الجزائري سوناطراك قام بحفر أول بئر للبترول، وحقق نتائج إيجابية ومشجعة على متابعة الاستكشافات بالقطع المتبقية، إلا أن الظروف التي مرت بها الشقيقة ليبيا، ألحقت كثيرا من الأضرار على اقتصادها وتسببت في شلل كلي له، ممّا أدى إلى توقف الاستثمارات الداخلية والأجنبية، لتعود من جديد سنة 2023، بعد استعادة الشقيقة ليبيا استقرارها واستئنافها لاستثماراتها الاقتصادية، من خلال إبرام ملحق للعقد المبرم سابقا، يتم بموجبه تمديد مدته - بالنظر إلى الحالة القهرية التي فرضت توقف النشاط - حسب ما تضمّنته بنود الملحق.

استكشافـات تعـزّز التّعــاون القاري

 ومن تونس إلى ليبيا إلى العمق الإفريقي، تضع الجزائر بصمتها كعلامة فارقة في مجال المحروقات، حيث واصل بغداد مندوش استعراض حصيلتها الاستثمارية عبر مراحل تاريخية لها وزنها وثقلها على المستوى القاري، متوقّفا عند الجارة النيجيرية على الحدود الجنوبية الجزائرية، حيث حقّقت سوناطراك من خلال طاقمها الاستكشافي، اكتشاف أول بئر نفطي سنة 2019، بلغ التقييم الأولي لمخزونه 400 مليون برميل/سنويا، يليه بئر ثانية بقيمة مخزون تصل إلى 100 مليون برميل/سنويا، ما يستشرف بمستقبل نفطي واعد بالمنطقة يتقاسمه البلدان.
وعلى الجنوب الغربي، تتفاوض الجزائر حول مشاريع استكشافات ستشكّل شراكات مربحة مع موريتانيا، في إطار مذكرة اتفاق بين سوناطراك والشركة الموريتانية للمحروقات يشمل مجالات الاستكشاف والاستغلال بالآبار الموريتانية، وكذا بأعالي البحر الأبيض المتوسط أو ما يسمى “بالأفشور”.تجربة لم تعط بعد ثمرتها الإنتاجية، كونها لا تزال في بدايتها التجريبية. التي لا تتعدى 5 سنوات، ما دفع بالشركة الموريتانية للنفط الاستنجاد بالخبرة الجزائرية في هذا المجال من خلال الرائد الطاقوي العالمي “سوناطراك”، إلى جانب اتفاقية أخرى تتضمن الخدمات البترولية منقسمة إلى شقين، يتمثل الأول في تصدير المواد البترولية في شكل وقود إلى موريتانيا، في حين يتعلق الشق الثاني من الاتفاقية بناء خزانات للوقود الجزائري، وضمان توزيعه على التراب الموريتانية، من خلال الشركة النفطية الجزائرية “نفطال”.
كما تجمع الجزائر وموريتانيا اتفاقية لتكوين إطارات الشركة الموريتانية للمحروقات في مختلف التخصصات كمجالات، الاستكشاف، الاستغلال، الإنتاج والتكرير، على مستوى المعهد الجزائري للبترول التابع لسوناطراك، أين سيتم نقل الخبرة الجزائرية إلى الكوادر الموريتانية عبر سلسلة تكوينية لعدة سنوات تتخللها دروس نظرية، تدعمها تجربة ميدانية على مستوى الورشات التابعة لسوناطراك.
وقد تمّ الاتفاق بين الطرفين الجزائري والموريتاني، وفق ذات المتحدث، ممثلين بمديري شركتي المحروقات لكلا البلدان على العمل سويا من أجل إعطائه بعدا استراتيجيا متوسط وطويل المدى، إلى جانب تواجد سوناطراك بكل من أنغولا والموزمبيق.

أنبــوب الغـاز العابـر للصّحـراء

 وركّز بغداد مندوش في تدخله حول الإنجازات الطاقوية الجزائرية بالقارة الإفريقية، على الأنبوب الكبير الذي سيصل حاسي رمل بنيجيريا، الحامل لتسمية “Trans Saharien Pipeline”، حيث صنع الحدث القاري الأسبوع الماضي، الاجتماع الرابع للجنة الوزارية التوجيهية المشتركة لكل من الجزائر، النيجر ونيجيري، بالاتفاق على النقاط المسجلة بخارطة طريق الاجتماعات التنسيقية السابقة، بكل من نيامي، أبوجا والجزائر، لتجسيد مشروع أنبوب الغاز العابر للصحراء، وكذا توقيع اتفاقيات تحيين دراسة الجدوى، إضافة إلى اتفاقية عدم الإفصاح والتعويض بين الشركات المنجزة للمشروع، وهي فرصة - حسب المتحدث - جسّدت التزام الجزائر بتجسيد المشروع، وتسخير كل الإمكانيات اللازمة وتوفير الظروف الملائمة لإنجاحه بتوجيهات من رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، الذي دعّم على الدوام التعاون والتكامل الإفريقي في المجال الاقتصادي والطاقوي، ما يعزّز السيادة السياسية والاستقلالية الاقتصادية الإفريقية.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19705

العدد 19705

الخميس 20 فيفري 2025
العدد 19704

العدد 19704

الأربعاء 19 فيفري 2025
العدد 19703

العدد 19703

الثلاثاء 18 فيفري 2025
العدد 19702

العدد 19702

الإثنين 17 فيفري 2025