آليـة لإعادة تقييم الأولويـات التنمويـة وتحقيـق تـوازن السّـوق
تعتبر عملية الاحصاء العام للمنتوج الوطني خطوة استراتيجية هامة، جاءت في سياق الإصلاحات الاقتصادية التي باشرتها الجزائر تنفيذا لتوجيهات رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، الرامية إلى تحقيق تحوّل نوعي في تسيير مختلف القطاعات الاقتصادية، ويهدف هذا الإحصاء إلى تعزيز القدرة الإنتاجية وتطوير النسيج الاقتصادي الوطني.
ستحدّد العملية وفق ما أوضح وزير التجارة بدّقة الإمكانات المتاحة في السوق المحلية، وتساهم في تحديد التحدّيات والنقائص التي تواجه القطاعات المختلفة، بما يفتح المجال لتوجيه الاستثمارات بشكل استراتيجي بحسب الأولويات الوطنية، حيث ستشمل العملية 120 ألف مؤسسة إنتاجية عبر الوطن في مختلف القطاعات، الصناعات التحويلية، الزراعة، البناء، والخدمات، وهو ما يعكس تنوّع وقوّة النسيج الاقتصادي الوطني.
وتسعى الجزائر من خلال هذا الاحصاء، إلى تحديد الإمكانيات المتوفّرة في مختلف المجالات الاقتصادية، لأجل العمل على تطويرها وتعزيزها بما يواكب التحوّلات الاقتصادية العالمية، كما أن هذه المبادرة تسمح بتحقيق التنوّع الاقتصادي، وتقليل الاعتماد على القطاعات التقليدية، وتعزيز القطاع الخاص باعتباره ركيزة أساسية للنموّ الاقتصادي.
في هذا الصدد، قال الخبير الاقتصادي محمد حيمران لـ “الشعب”، إن عملية الإحصاء العام للمنتج الوطني تساهم بشكل كبير في تعزيز التوازن الاقتصادي، فهي تعمل على تحديد احتياجات المتعاملين الاقتصاديين بشكل دقيق، وتساعد في اكتشاف النقائص في السوق من حيث المدخلات والموارد المتاحة، علاوة على ذلك، فهي تساهم في حماية المنتجات المحلية من المنافسة غير المشروعة، مما يساهم في تعزيز مكانتها في السوق.
وأضاف الأستاذ، أن عملية الإحصاء تلعب دورا أساسيا في توفير بيئة تنافسية عادلة، من خلال تقديم بيانات دقيقة وموضوعية تساهم في تقييم الأداء وتحليل الأسواق، هذه البيانات تُتيح للمؤسسات اتخاذ قرارات مدروسة تعزّز المنافسة الشريفة، مما يؤدي إلى تحقيق نمو اقتصادي وتمكين الشركات من الاستفادة من الفرص المتاحة بشكل متوازن، كما أن الشراكات الاقتصادية التي تعتمد على مبدأ “رابح-رابح” تعزّز العلاقات التجارية الدولية وتدعّم تبادل الخبرات.
وأشار الخبير الى أن العملية تساعد على فهم الاقتصاد المحلي، حيث يتناول في هذا السياق عدد الشركات الوطنية، والتي تبلغ حوالي 186 ألف شركة وطنية ومن خلال هذا الإحصاء، يمكن تحديد مؤشرات الاستهلاك بدقة وتحديد احتياجات السوق المحلية، كما يساهم في عرض حجم الإنتاج المحلي بما يسمح بضبط وتوجيه سياسة الاستيراد وفق ما يتماشى مع الإنتاج المحلي واحتياجات السوق الدقيقة.
وبحسب أستاذ الاقتصاد، تسمح عملية إحصاء المنتوج الوطني بتحديد نقاط القوّة والضعف في مختلف القطاعات الاقتصادية، مثل الفلاحة والصناعة التحويلية، فعند جمع هذه البيانات، تصبح لدينا “لوحة قيادة” تتيح للمسؤولين متابعة وتوجيه السياسات الاقتصادية بالإضافة إلى إنشاء بنك معطيات يستعمل كمصدر موثوق للمعلومات الدقيقة، التي تساعد في اتخاذ القرارات الهامة المتعلقة بالتنمية وتحسين الأداء في هذه القطاعات.وتابع البروفيسور: “بعد إجراء الإحصاء، يمكن تحديد أقطاب اقتصادية جديدة، خاصّة تلك التي تشهد انتعاشا في الإنتاج، ومن جهة أخرى، قد يتضّح أن بعض المناطق التي كان يعوّل عليها لا تملك القدرات الإنتاجية المتوقّعة، بل قد تظهر بعض النقائص التي تحتاج إلى دعم ومساعدة، ولهذا يساعد الإحصاء على إعادة تقييم الأولويات وتوجيه الجهود نحو المناطق التي تحتاج إلى تعزيز قدراتها الاقتصادية، بما يتماشى مع الواقع الفعلي”.
وأوضح الخبير، في محاولة لزيادة الإنتاج فإن العملية تتم وفق أهداف واضحة تتمثل في الوصول إلى ناتج داخلي خام يبلغ نحو 400 مليار دولار، وأضاف لتحقيق ذلك، من الضروري إجراء دراسة شاملة لجميع المنتجات، مع وضع خطة استراتيجية فعّالة تحدّد المواد التي تساهم في زيادة الناتج الداخلي، لأنه من خلال هذه الدراسة، يمكن توجيه الجهود نحو القطاعات التي تحمل إمكانيات نموّ كبيرة، مما يساهم في تحقيق الأهداف المرجوة.
كما أشار الاستاذ، إلى أن الإحصاء العام للمنتوج الوطني يساهم في تحديد نوعية المنتجات، لا سيما أن بلادنا تمتلك منتجات ذات جودة من درجات متنوّعة، حيث تُتيح هذه البيانات فرصة لمراجعة احتياجات السوق وضبط الأسعار بشكل مستقبلي، كما يمكن التنويع في جودة المنتجات، مما يؤدي إلى تفاوت الأسعار، وبالتالي إتاحة خيارات متنوّعة للمستهلكين.
وأضاف المتحدّث، أن تنوّع المنتجات لا يقتصر على تحسين القدرة التنافسية في السوق فقط، بل يعزّز من فرص الابتكار المحلي، ويحفّز الشركات على تطوير منتجات جديدة تلبي احتياجات المستهلكين بشكل أفضل، هذا التنوّع يساهم في رفع جودة الخدمات المقدّمة، ويقلّل من الاعتماد على الاستيراد، مما يعزّز قدرة الاقتصاد الوطني على النموّ بشكل دائم.
وقال في ذات السياق، إن توفّر هذه المنتجات المتنوّعة يساهم في تلبية حاجيات المواطنين، سواء من حيث الجودة أو السعر، ويعزّز الاستقرار الاقتصادي ومن خلال هذا التنوّع في المنتجات، يمكن تحقيق الأمن الغذائي والاقتصادي، وضمان توفّر السلع الأساسية بشكل دائم وبأسعار معقولة، مما يؤدي إلى تعزيز التوازن الاجتماعي والاقتصادي في المجتمع.
كما يمكن أن يساهم الإحصاء العام للمنتوج الوطني في تحديد طبيعة الاستثمارات التي تحقق إيرادات مرتفعة، مما يجعلها أولوية عند القيام بالاستثمارات المستقبلية في الجزائر، فعند معرفة المنتجات الأكثر طلبا في السوق، يمكن توجيه الاستثمارات نحو القطاعات التي تمتلك أكبر فرص للنمو لتحقيق مداخيل أكبر.
وأكد الخبير الاقتصادي في الختام، أنه من خلال تحديد القطاعات ذات الإمكانات الكبيرة للنمو والطلب المرتفع، يمكن توجيه الاستثمارات وتحسين البنية التحتية وزيادة الإنتاجية في تلك المجالات، كما تساهم هذه العملية في جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، مما يعزّز التنوّع الاقتصادي ويخلق فرص عمل جديدة، ويساعد في تحقيق نمو اقتصادي متوازن ومستدام.