ثورة رقميـة في مجال المالية والبنـوك.. خبراء لـ«الشعب»:

الدفعُ عـبر الهاتف..خطواتٌ متسارعة نحو الشمول المـالي

خالدة بن تركي

تواصل المؤسسات المالية والبنوك جهودها في تعزيز خدمة الدفع الالكتروني عبر الدفع عن طريق الهاتف النقال ابتداء من الشهر الجاري، عملية تهدف إلى القضاء على المعاملات النقدية التقليدية وتقليص الطوابير مع تبسيط عملية الدفع الالكتروني وتسهيل تعاملات للمواطنين، كما أنها تندرج ضمن خارطة طريق إدماج الخدمات الرقمية في المعاملات المالية.

أكد خبراء الاقتصاد، أن تفعيل نظام الدفع الإلكتروني عبر الهاتف النقال بداية من هذا الشهر، سيسمح القيام بعمليات الدفع والتحويل من طرف البنوك وبريد الجزائر، وهي العملية التي من شأنها تعزيز الشمول المالي بالجزائر، وتنويع خيارات الدفع للمواطنين التجار والمتعاملين الاقتصاديين.
ثورة رقمية
وأوضح الخبير الاقتصادي بوشيخي بوحوص لـ «الشعب»، أن تعميم العملية يعتبر ثورة رقمية في مجال المالية والبنوك في الجزائر، بل أصبح واقعا مفروضا بحكم أن العالم أصبح قرية صغيرة وكل الإدارات والمؤسسات تتسابق في إدماج الخدمات الرقمية في مختلف تعاملاتها، لتحقيق الرفاهية للمواطنين وضمان الشفافية.
وأكد في ذات السياق، أن العملية تندرج ضمن مخطط الحكومة الرامي إلى تحسين الكفاءة في المعاملات والأهم تعزيز الشفافية وإدماج الأنشطة غير الرسمية في الاقتصاد الرسمي، على اعتبار أن الكثير من المعاملات تتم خارج الإطار القانوني ومع إطلاق البنوك هذه الخدمة، خاصة للتجار سيتم تقليل استخدام العملة الورقية والمعاملات النقدية التقليدية.
كما يضمن هذا النوع من المعاملات الدفع بطريقة سهلة وسريعة وآمنة تحفظ حقوق المواطنين، خاصة وأنها تتم عبر رمز الاستجابة السريعة «كوير كود» وتحويل الأموال بين الأشخاص، كما يمكن لهم وللتجار من الاشتراك البسيط والآمن عبر البنوك والبريد الجزائري، وهي المعاملات التي تكون مجانية للمستخدمين والتجار معا.
العولمة الرقمية
وبلغة الأرقام قال بوشيخي بوخوص، إن عدد العمال يتجاوز 12مليون تقريبا 3مليون في ميدان الوظيف العمومي يشتغلون في وزارة الداخلية، وزارة الدفاع الوطني، وزارة التربية التعليم العالي، الصحة والتكوين المهني في حين 9مليون يشتغلون في الصناعة والفلاحة الخدمات والضمان الاجتماعي البنوك التأمينات والمؤسسات الاقتصادية العمومية والخاصة، وهو العدد الذي يستعمل كله الديجتال والدينار الرقمي عبر 8مليون بطاقة شفاء، 23مليون بطاقة ذهبية، وأيضا 5مليون بطاقة بنوك وحتى فواتير الكهرباء، الماء والايجار تدفع عن طريق هذه الوسيلة، مما يؤكد التوجه نحو الرقمنة المالية.
وأضاف أستاذ العلوم الاقتصادية مجال التجارة الالكترونية توسع أيضا خاصة مع الخارج، إذ يستعملون بطاقات فيزا كارد وماستر كارد العالمية وأيضا بعض البطاقات العالمية المشهورة الأخرى بما في ذلك البيتكوين، لذا اختارت الجزائر أن تمشي في هذا الاتجاه من خلال الاندماج الفعلي في العولمة المالية التي وصلت إلى مراحل متقدمة من التطور.
أشار أيضا إلى الدور الكبير الذي تلعبه المؤسسات الناشئة في تطوير حلولها الرقمية وخدمات وسائل الدفع الالكتروني لأجل تسويق منتجاتها، موضحا أنها في الغالب مؤسسات ليس لديها مقر مادي بل توطين إلكتروني أي مساحة بايت وتقدم خدمات معتبرة وتحقق أرباح خيالية، وهنا يبرز دور هذه المؤسسات في دعم للاقتصاد الوطني وترقية وتعميم الرقمنة.
نسق تصاعدي
بدوره الخبير الاقتصادي محفوظ كاوبي أفاد في تصريح لـ «الشعب»، أنه من خلال مجموعة من المواد القانونية التي اعتمدت في قانون المالية لسنة 2025
وعن طريق خطة ممنهجة تحاول الحكومة تعزيز عملية الشمول المالي بمجموعة من الإجراءات، التي من شأنها تسريع وتيرة استعمال وسائل الدفع الالكترونية.
وأوضح كاوبي، الحكومة عملت منذ سنة 2019 على إعطاء نسق تصاعدي لعملية الشمول المالي وتعميم وسائل الدفع الالكتروني سواء عبر بطاقات الدفع التي شهدت تحسنا ابتداء من سنة 2020 خاصة مع جائحة كورونا، أين تضاعفت عملية الدفع الالكتروني بتسع مرات مقارنة مع المرحلة الماضية، أو من حيث حجم التعاملات عن طريق هذا الدفع أو توسعة وعاء المتعاملين الذين شملتهم العملية، التي لم تبق منحصرة فقط على المؤسسات العمومية بل حتى الخاصة.
وأضاف الخبير، العملية شهدت تقدما وصل الى 57 بالمائة خلال سنة 2024 أي ما يعادل حوالي 60 مليار دولار، ما يؤكد التوجه المتزايد للمستهلكين نحو استعمال هذه الآلية بالرغم من العوائق التي تعرفها أحيانا، خاصة من حيث توفير آلات الدفع الالكتروني وكذا الحوافز الضريبية التي لم تعمّم سابقا وضيقت نسبيا من نطاق استعمال الدفع الالكتروني، لكن الآن الدفع عن طريق الهاتف النقال سيعطي وتيرة سريعة لعملية الشمول المالي.
وأكد الاستاذ، أن العملية ستكون ناجحة لعدة عوامل خاصة من حيث تغطية شبكة الهاتف النقال التي تعتبر من أحسن التغطيات إفريقيا، حيث وصلت على مستوى التراب الوطني إلى 96 بالمائة، الأمر الذي يوّفر عنصر مهم في التعاملات الالكترونية وهي الوفرة في التعامل العادي بعيدا عن الآلات التي كانت عائقا في السابق بسبب عدم تعميمها بصفة متساوية، مشيرا إلى عامل آخر يمكن أن يجعل من وسيلة دفع الهاتف النقال ناجحة وهو توفر الجزائريين على الهاتف بنسبة 107 بالمائة، أي ما يعادل هاتف واحد لكل جزائري يسمح له القيام بالدفع من خلاله.
أضاف المتحدث، التطبيقات المعتمدة من قبل مختلف البنوك تمكنت من حل شفرة العملية وأصبحت عملية الدفع سهلة وسلسلة، هذا بالإضافة إلى القيام خلال جوان الماضي السماح بالدفع المتبادل بين البنوك آنيا دون وجود عامل زمني يفصل بين عملية الدفع وتلقي الأموال وهو ما شجّع الكثير من المواطنين التوّجه نحو هذا النوّع من عمليات الدفع.
أثر إيجابي
وأكد الخبير الاقتصادي، أن العملية ستكون لها أثر إيجابي على الاقتصاد الوطني لأنها ستجعل من وسائل الدفع أكثر عصرنة تتماشى مع التطوّرات الحاصلة على المستوى العالمي، خاصة من حيث استعمال التكنولوجيا الجديدة في مجال المالية، كما ستكون إيجابية على صعيدين، احتواء الأسواق الموازية، والدفع عن طريق «الكاش»، وهو أمر مهم مقارنة مع الكتلة النقدية التي تحدّث عنها البنك الجزائري والمتداولة خارج الأطر الرسمية أي ما يقارب 35 بالمائة للكتلة النقدية في الجزائر وهو حجم كبير له تبعات على الاقتصاد الوطني، الأمر الثاني ميلاد شركات ناشئة جديدة تعمل على تعميم التطبيقات المختلفة وخلق حلول مالية من شأنها خلق مناصب عمل وتسهيل سرعة التداول في هذا المجال.
ويرى محفوظ كاوبي في الختام، أن تعزيز الدفع الآلي بالهاتف الذكي له العديد من الايجابيات على الاقتصاد الوطني سواء مباشرة من خلال تشجيع قطاع المالية الجديد المتعلق بالتكنولوجيا الرقمية التي أدرجت في القانون البنكي والمصرفي لسنة 2023، وفي الجهة غير المباشرة فإنها ستقلص من حجم التعاملات النقدية التقليدية «الكاش»، وبالتالي زيادة الشمول المالي والشفافية في التعاملات المالية.
وعليه، تعميم هكذا وسائل الدفع الالكترونية، سيدفع بالقطاع البنكي والمصرفي الى إعادة النظر في مجموعة من الإجراءات التنظيمية والتعاملية، التي تهدف إلى عصرنة القطاع المالي، الذي يعتبر قطاع عتيق جد هام بالنظر إلى دوره الكبير في الاقتصاد الوطني، كما تطمح إلى تحقيق أكثر تنافسية ونجاعة من خلال اعتماد هذه الوسائل.

قيمة العمليات ترتفع بـ 57 بالمائة خلال السداسي الأوّل 2024

للإشارة، ارتفعت قيمة عمليات الدفع الإلكتروني في الجزائر بـ 57 بالمائة خلال السداسي الأول من 2024 لتصل إلى قرابة 60 مليار دج، وهو ما يؤكد التوجه المتزايد للمستهلكين نحو تقليل استخدام العملة الورقية.
ووفقا لتقرير صادر عن تجمع النقد الآلي في سبتمبر (GIE Monétique)، بلغت قيمة الدفع الإلكتروني (عن طريق أجهزة الدفع الإلكتروني TPE، عبر الإنترنت أو من خلال الهاتف النقال) 993. 59 مليار دج بين يناير ويونيو 2024، مقابل 113. 38 مليار دج خلال نفس الفترة من عام 2023، أي بزيادة قدرها 41. 57 بالمائة.
وفي هذا الإطار، أظهرت بيانات الحصيلة نصف السنوية زيادة عدد عمليات الدفع التي تم إجراؤها عبر الإنترنت بنسبة 82. 63 بالمائة على أساس سنوي، ليصل إلى 257. 20 مليار دج.
ولا يزال قطاع الاتصالات (دفع الفواتير وإعادة تعبئة الرصيد لدى مشغلي الهاتف ومزودي الإنترنت) يسيطر على قطاع الدفع الإلكتروني عبر الإنترنت، بـ 71. 4 مليون معاملة، من أصل 62. 6 مليون معاملة تمت في هذا القطاع.
ومع ذلك، حققت جميع القطاعات الأخرى معدلات نمو معتبرة، لاسيما الخدمات الإدارية (+70 بالمائة)، النقل (+20 بالمائة)، في الوقت الذي كان النمو متواضعا في بيع السلع (+9 بالمائة).
وعموما، بلغ عدد العمليات عبر الإنترنت، منذ إطلاق هذا النوع من الدفع في عام 2016 ما يفوق 9. 43 مليون معاملة، وفقا لبيانات تجمع النقد الآلي.
وتسجل هذه الهيئة المكلفة بتنظيم وضبط قطاع النقديات حوالي 510 تاجر إلكتروني منخرطين في النظام الإلكتروني البيبنكي، أي بزيادة قدرها 140 تاجر إلكترونيا مقارنة بالسداسي الأول من 2023.
وفيما يتعلق بالدفع الإلكتروني عبر أجهزة الدفع الإلكتروني TPE، فقد ارتفعت القيمة الإجمالية للعمليات بنسبة 44 بالمائة لتصل إلى 129. 20 مليار دج.
أما بالنسبة للدفع عبر الهاتف النقال (باستخدام رمز الاستجابة السريعة-QR code)، فقد ارتفع عدد العمليات التي تم إجراؤها بنسبة 60 بالمائة على أساس سنوي، ليصل إلى 7. 26 مليون عملية بقيمة 6، 19 مليار دج.
وكان الدفع عبر الهاتف المحمول قد دخل رسميا حيز الخدمة في الجزائر منذ عام 2022، حيث تم في المرحلة الأولى فتح الخدمة بين زبائن نفس البنك وذلك على مستوى كل من البنك الوطني الجزائري وبنك السلام-الجزائر، وكذا بريد الجزائر.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19667

العدد 19667

الثلاثاء 07 جانفي 2025
العدد 19666

العدد 19666

الإثنين 06 جانفي 2025
العدد 19665

العدد 19665

الأحد 05 جانفي 2025
العدد 19664

العدد 19664

السبت 04 جانفي 2025