الصــادرات خارج المحروقــات 7 ملايير دولار سنويـا.. سابقـة أولى منــذ الاستقــلال
منذ انطلاق عهدته الرّئاسية الأولى، أكّد رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، أنّ الأولوية الاقتصادية للجزائر هي تنويع الاقتصاد الوطني، والحد من الاعتماد على قطاع المحروقات الذي كان يشكّل نسبة تفوق 95 بالمائة من إجمالي الصادرات. وتعكس الأرقام اليوم، تطوراً تاريخياً يُصنفه الخبراء على أنّه إنجاز غير مسبوق، مع زيادة مساهمة القطاعين الصناعي والفلاحي في الناتج المحلي الإجمالي، وبلوغ الصادرات خارج قطاع المحروقات 7 ملايير دولار سنوياً، وهو رقم لم تشهده البلاد منذ استقلالها
في سياق هذه الجهود الكبيرة، جاء تأكيد رئيس الجمهورية في آخر اجتماع لمجلس الوزراء، على أهمية المشاريع المنجمية الكبرى التي ستساهم في دفع عجلة التنمية الاقتصادية للبلاد، من بين هذه المشاريع يتصدّر منجم الحديد في غارا جبيلات، منجم الزنك والرصاص في وادي أميزور، ومنجم الفوسفات في بلاد الحدبة، إذ شدّد الرئيس على ضرورة الإسراع في تنفيذ هذه المشاريع الحيوية، واختيار المواقع المثلى لوحدات التصفية والمعالجة، بحيث تكون قريبة من مصادر المياه والطاقة وخطوط السكك الحديدية، وذلك لضمان تشغيلها بأسرع وقت ممكن وفقاً للخطط المقرّرة مسبقاً.
غارا جبيلات..الاستثمار المنجمي الأكبر
أوضح أستاذ الاقتصاد وتسيير المؤسسات الدكتور محمد الأمين زغدي، في تصريح لـ “الشعب”، أنّ مشروع غارا جبيلات يعد واحداً من أهم الاستثمارات المنجمية في تاريخ الجزائر، بمخزون يقدّر بأكثر من 3.5 مليار طن من خام الحديد.
ويصنّف هذا المنجم كواحد من أكبر مناجم الحديد في العالم، ويشير الدكتور زغدي إلى أن الجزائر تطمح لإنتاج 40 مليون طن سنوياً بحلول عام 2040، ممّا سيضعها ضمن قائمة أكبر عشر دول منتجة لخام الحديد عالمياً.
وأضاف زغدي أنّ استغلال هذا المنجم ليس مجرد إنجاز اقتصادي، بل يُعد تحرّكاً استراتيجياً لتحقيق تنمية شاملة في الجنوب الغربي للجزائر، إذ سيوفّر المشروع نحو 6 آلاف وظيفة دائمة وأكثر من 25 ألف فرصة عمل غير مباشرة، ممّا سيساهم في تحسين الظروف الاقتصادية والاجتماعية في المنطقة، كما يتوقع أن تبلغ الإيرادات السنوية من هذا المشروع العملاق ما بين 10 و15 مليار دولار، وهو ما سيعزّز الاقتصاد الوطني بشكل ملحوظ.
وأكّد الدكتور زغدي على أنّ خام الحديد هو مادة أساسية لصناعة الصلب والحديد التي تعتمد عليها كبرى الصناعات العالمية، ورغم توفره في عدة مناطق حول العالم، إلاّ أنه يُعتبر مورداً نادراً نسبياً بسبب الطلب العالمي الكبير، وأشار إلى أنّ الجزائر تخطّط لاستخدام الجزء الأكبر من خام الحديد المستخرج محلياً، ممّا سيعزّز القيمة المضافة في قطاع الصلب الوطني، خاصة في مصنع الحديد والصلب بوهران.
فوسفات بلاد الحدبة..العملاق القادم
على الجانب الآخر، يبرز مشروع فوسفات بلاد الحدبة كمحور استراتيجي آخر ضمن خطط رئيس الجمهورية لتنويع الاقتصاد، ويؤكّد الدكتور بلحاج وليد، أستاذ الاقتصاد الكمي في تصريح لـ “الشعب”، أنّ الجزائر تمتلك أحد أكبر احتياطيات الفوسفات في العالم، وأن هذا المشروع سيكون له تأثير كبير على الاقتصاد الوطني والإقليمي. ووفقاً للدكتور بلحاج، من المتوقع أن تبلغ مداخيل تصدير الفوسفات بين 2 و3 ملايير دولار سنوياً، ما يعزّز مكانة الجزائر في السوق الدولية للفوسفات.
وأضاف بلحاج أن الفوسفات يُعتبر مادة استراتيجية حيوية في صناعة الأسمدة، التي تلعب دوراً رئيسياً في دعم القطاع الزراعي. وقال إنّ دخول الجزائر إلى سوق تصدير الفوسفات سيغيّر من موازين القوى بالنسبة لهذه المادة في منطقة المتوسط، خاصة مع قرب الجزائر من الأسواق الأوروبية التي تستورد كميات كبيرة من هذه المادة الحيوية لتلبية احتياجات قطاعها الزراعي.
ويأتي هذا المشروع ليدعم أهداف الجزائر في تعزيز الإنتاج الزراعي، وتحقيق الأمن الغذائي على الصعيد الوطني.
منجم الزّنك والرّصاص..مشروع عالمي
وفيما يتعلق بمشروع منجم الزنك والرصاص بوادي أميزور (بجاية)، الذي يعتبر أيضا مشروعا عالميا من حيث الإمكانات المنجمية القابلة للاستغلال، والتي تقدّر بـ 34 مليون طن، مع إنتاج سنوي منتظر بـ 170 ألف طن من مركزات الزنك.
ويمتد هذا الموقع على مساحة قدرها 423.4 هكتار، ومن شأنه أن يمنح مكانة للجزائر في السوق الدولية. ويرافقه خلق نحو 786 منصب عمل مباشر، وأكثر من 4000 منصب عمل غير مباشرة، وفقا لتقديرات وزارة الطاقة والمناجم، التي تتوقّع تحقيق رقم أعمال يصل إلى 215 مليون دولار من هذا المشروع.
علاوة على استكمال جميع الدراسات الفنية والاقتصادية المتعلقة باستغلاله والإجراءات الإدارية، تمّ إطلاق مشروع مصنع معالجة الزنك والرصاص في نوفمبر 2023، ما يمثّل بداية تنفيذ هذا المشروع المنجمي الضخم الذي انتظر 17 عاما لتجسيده.
وفي ظل الجهود المكثّفة التي يقودها رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون لتنويع الاقتصاد الوطني والحد من الاعتماد على المحروقات، تمثل المشاريع المنجمية الكبرى، مثل غارا جبيلات وفوسفات بلاد الحدبة، خطوات حاسمة نحو تحقيق التنمية المستدامة، وتعكس أهمية هذه المشاريع في رسم مستقبل مشرق للاقتصاد الجزائري، مع تعزيز قدرات البلاد في التصنيع والتصدير، وفتح آفاق جديدة للنمو الاقتصادي في السنوات القادمة.