أكد الخبير والمستشار الاقتصادي عبد القادر سليماني، أن اقتصاد الجزائر حقق قفزة نوعية وأصبح ضمن ثالث أكبر الاقتصاديات إفريقيا، واكتسب بذلك نقاط قوة تسمح بإعادة تقييم بنود الاتفاق مع الاتحاد الأوروبي، بما يضمن حقوق ومكاسب على المستويين الاقتصادي والتجاري.
قال سليماني في تصريح لـ«الشعب”، إن جميع الخبراء يتفقون مع نظرة رئيس الجمهورية في التعامل بالندية مع هذه الشراكة، على اعتبار أن المتغيرات الجيو-سياسية والواقع الاقتصادي بين سنتي 2023/ 2024 أصبحت مغايرة تماما لتلك التي كانت سائدة إبان انعقاد الاتفاق؛ ذلك لأن الجزائر أصبح لها موقع مكنها من مراجعة الاتفاق مع الاتحاد الأوروبي.
في السياق، أوضح الخبير أن الاتفاق تضمن أكثر من 110 بنود، في أكثر من 9 محاور تشمل المجال التجاري، وإنشاء مناطق حرة ومناطق تجارية، ودخول استثمارات أجنبية، ونقل تكنولوجيا الخدمات الرقمية والتعاون في الصيد البحري، ما يستوجب إعادة النظر في هذه النقاط، خاصة ما تعلق بحجم الاستثمارات.
وتابع سليماني يقول، إن الجزائر تضمن الأمن الطاقوي الأوروبي، وأوفت بالاتفاقيات التجارية مع إسبانيا، إيطاليا، البرتغال وفرنسا، من خلال توريد كميات معتبرة من الغاز والبترول، في المقابل الطرف الأوروبي كان يجب أن ينقل التكنولوجيا أو رؤوس الأموال المتفق عليها إلى الجزائر.
الملاحظ -يقول سليماني- أن الاتفاق مع المجموعة الأوروبية لم يخضع إلى المراجعة سوى مرتين 2010 و2016، غير أن الخاصية التي ميزت الاتفاق أن الحجم الكلي للتبادلات التجارية مع الاتحاد الأوروبي يفوق 900 مليار دولار، في حين سجل عجزا كبيرا في الميزان التجاري في الصادرات الجزائرية خارج المحروقات.
وأوضح سليماني، أن جوهر الاتفاق والمقصد الرئيسي من هذه الشراكة، أن تكون الفائدة للطرفين، نقل التكنولوجيا، خلق اقتصاد منتج واستثمارات مباشرة، إلا أن الوضع ظل إلى غاية 2024 قائما على اختلال أطراف التبادل، في وقت تطمح فيه الجزائر إلى ترقية صادراتها خارج المحروقات ورفع الاستثمارات الأوروبية.
كما أن بنود الاتفاق تنص على تطوير العلاقات الاقتصادية والاجتماعية المتوازنة بين الطرفين وتحديد شروط التحرير التدريجي لتبادل السلع والخدمات ورؤوس الأموال، ترقية التعاون في المجال الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والمالي. أما في الجانب التجاري، فينص على إنشاء منطقة للتبادل الحر للمنتجات الصناعية والتحرير التدريجي للمنتجات الفلاحية والصناعات الغذائية والمنتجات الصيدية.
وفي تدقيق أكثر لهذه المواد -يقول الخبير- هناك تطوير العلاقات الاقتصادية والاجتماعية وتحديد شروط التحرير (تفكيك جمركي وتجارة تفضيلية)، والتي يقصد بها أن الجزائر تفضل سلعا ومنتجات أوروبية، وهذا ما كان ينتظر من الأوروبيين أيضا، أي تفضيل السلع والخدمات الجزائرية وحتى نقل رؤوس الأموال الأوروبيين للاستثمار في الجزائر، وهذا ما يجب مراجعته.
وبخصوص الاستيراد -يوضح سليماني- ينص الاتفاق على أن يتم التفكيك الجمركي على ثلاث مراحل؛ تخص المرحلة الأولى التفكيك الجمركي الفوري، ابتداء من الفاتح سبتمبر 2005. وفيما يتعلق بالمرحلة الثانية التفكيك التدريجي على مدار 7 سنوات ليصل إلى 0٪ سنة 2012، فيما تهدف القائمة الأخيرة إلى التوصل إلى 0٪ من الحقوق الجمركية سنة 2017، الأمر الذي يحتاج إلى إعادة النظر.
وجرت مشاورات لمراجعة التفكيك الجمركي للمنتجات الصناعية والامتيازات التعريفية الفلاحية، طبقا لقرار مجلس الشراكة الذي جرى بلوكسمبورغ في 15 جوان 2010 بهدف تأجيل موعد إنشاء منطقة التبادل الحر إلى سنة 2020 عوض 2017 وإعادة الرسوم الجمركية حسب الأحكام المنصوص عليها في اتفاق الشراكة بالنسبة لقائمة المنتجات، ما يستوجب النظر في تنفيذ الاتفاق.
من هذا المنطلق، أعطى رئيس الجمهورية تعليمات بإعادة تقييم الاتفاق ليرقى لمستوى التطلعات، فالجزائر تريد أن تكون شريكا تجاريا واقتصاديا تحت قاعدة رابح-رابح، خاصة وأن بلادنا اليوم لديها قانون استثمار جديد وإصلاحات اقتصادية ومناخ أعمال يسمح بالقيام باستثمارات مباشرة، حيث نرى استثمارات قطرية وتركية تصل إلى 10 ملايير دولار واستثمارات صينية تصل إلى 20 مليار دولار، خاصة في مشاريع كبرى، على غرار غارا جبيلات، مشروع الفوسفات المدمج في تبسة ومشروع أميزور في بجاية ومشاريع فلاحية مع القطريين، وتطمح الآن إلى جلب استثمارات أوروبية خارج قطاع الطاقة والطاقات المتجددة.
في المقابل، قال سليماني إن الجزائر اليوم على وشك إنجاز مشاريع غاية في الأهمية، لعل أهمها مشروع نقل وتصدير الكهرباء إلى أوروبا عبر إيطاليا وإسبانيا، وستصدر 10٪ من احتياجات الأوروبيين من الطاقة الجديدة والمتجددة، خصوصا مع ألمانيا والنمسا. كما أنها وسعت من حصصها السوقية إلى غاية سلوفينيا، النمسا وكرواتيا عبر أنابيب الغاز، وبالتالي فهي تفي بوعودها التجارية والاقتصادية وهو ما تعمل على تحقيقه مع الجانب الأوروبي.
وتعكف اللجنة الوزارية المشكلة من وزارة الخارجية وبعض القطاعات الوزارية الأخرى، على غرار التجارة، المالية والداخلية، على إعادة النظر في هذا الاتفاق، لأجل وضع شراكة حقيقية مثمرة تحت قاعدة رابح-رابح، خاصة في مجال التجارة، الاقتصاد والاستثمار والتعليم العالي، النقل والتكنولوجيا، ولمَ لا وجود مصانع أوروبية بالجزائر؟.