تحدّيـات يمكن رفعها على بوابات البحار.. الخبير فارس هباش لـ»الشعب»

تطويـر أداء الموانـئ يعـزّز الحركيـة التجاريـة

فايزة بلعريبي

شركة الأشغال البحرية الكبرى..  ضمانة توسيع الاستثمارات

قال الخبير الاقتصادي فارس هباش، إن إعلان وزارة الأشغال العمومية والمنشآت القاعدية عن استحداث شركة جزائرية للأشغال البحرية الكبرى، يأتي تجسيدا لقرارات مجلس الوزراء المنعقد بتاريخ 15 جويلية 2024 وتنفيذا للوائح مجلس مساهمات الدولة في دورته الـ187 المنعقدة بتاريخ الخامس من شهر أوت المنصرم، والمتعلقة بمشروع إنشاء مجمع الأشغال البحرية، يندرج في سياق تطوير القدرات الوطنية في البنى التحتية للمنشآت البحرية للبلاد، وزيادة كفاءتها ومستوى أدائها في هذا القطاع الاستراتيجي.

وقال الخبير هباش إن الحركية التجارية التي تعرفها الجزائر منذ تولى الرئيس تبون سدة الحكم، وترسيخ الاتجاه المتنامي لتطوير الصادرات خارج المحروقات،  يقتضي تطوير مستوى أداء الموانئ في إدارة حركية السفن المتعلقة بالشحن والتفريغ ومعالجة الحاويات، من منظور يراعي مبدأ التكلفة والعائد، بما يتماشى ومستوى أداء الموانئ العالمية، وهو ما تحققه رؤية الرئيس باقتدار.
وأضاف هباش أن هذا المشروع برز مع التوجه الاقتصادي الجديد، ومقتضيات تعزيز البنية التحتية البحرية، وتسعى الجزائر من خلاله إلى تطوير قطاع النقل البحري وتحسين كفاءته، ومنح الموانئ القدرة على تعزيز الحركية التجارية، وتوسيع العلاقات التجارية الدولية، ومن ثم، فإن التطلعات الكبيرة لهذه الشركة - يقول المتحدث – يكون لها دورها المستقبلي الفاعل في ترسيخ التوجه الاقتصادي، لهذا يأتي الحرص على تنفيذ مشاريع إستراتيجية مثل ميناء شرشال الذي سيكون له تأثير مباشر على قطاع النقل البحري، وأسعار الشحن.
ولاستيعاب الصورة الكاملة، يتطلب الأمر النظر في واقع النقل البحري وأسعار الشحن عالميا، إضافة إلى ظروف رسوّ السفن التجارية بالموانئ، وهي عوامل حاسمة لتطوير هذا القطاع الحيوي بالجزائر.

ركيـزة أساسيــة..

أوضح الخبير الاقتصادي أن النقل البحري يشكل الركيزة الأساسية لحركة التجارة العالمية، حيث ينقل حوالي 80 بالمائة من البضائع التي يجري تداولها بين مختلف القارات، وتتمثل أهمية هذا القطاع في قدرته على نقل كميات ضخمة من السلع، بما في ذلك المواد الخام والمنتجات الاستهلاكية، بتكاليف أقل، مقارنة بوسائل النقل الأخرى مثل النقل الجوي أو البري.. هذا الدور الحيوي – يقول محدثنا – يجعل النقل البحري محوريا في دعم الاقتصاد العالمي، من خلال تسهيل تدفقات السلع بين الدول.
وقال هباش إن أسعار الشحن البحري تشهد تقلبات متواصلة نتيجة عدة عوامل مؤثرة على القطاع، ولعلّ أبرز هذه العوامل أسعار الوقود، حيث يعد الوقود الثقيل المستخدم في السفن جزءا كبيرا من التكاليف التشغيلية، وبالتالي، فإن أي زيادة في أسعار النفط، تؤدي مباشرة إلى رفع تكلفة الشحن.
وإلى جانب الوقود – يواصل هباش - يأتي عامل العرض والطلب على السفن، وهذا يتأثر بالأزمات العالمية، ومن ذلك، ارتفعت أسعار الشحن بشكل كبير خلال فترة جائحة كوفيد-19، بسبب زيادة الطلب على السلع وقلة السفن المتاحة، وفي السياق، ترتفع التكاليف التشغيلية التي تشمل أجور الطواقم البحرية، الصيانة، ورسوم الموانئ، حيث تمثل أعباء إضافية على أسعار الشحن.
وتؤثر الضرائب والرسوم الجمركية بشكل مباشر على تكلفة الشحن البحري، خصوصا في الموانئ ذات الرسوم المرتفعة أو الأنظمة الجمركية المعقدة، كما تتأثر أسعار الشحن بارتفاع أسعار التأمين، خاصة في المناطق المعرضة للقرصنة أو الحروب. كما تلعب ظروف رسوّ السفن التجارية بالموانئ دورا حاسما في تسهيل أو تعطيل التدفقات التجارية، حيث أن الموانئ التي تتمتع ببنية تحتية متطورة قادرة على استقبال السفن الكبيرة، وتسهيل عمليات التحميل والتفريغ، تكون بها الحال أفضل، إذ تقلل – بقدراتها العالية - من زمن الانتظار وتسهم في تحسين كفاءة العمليات اللوجستية.

التحديـــث.. مـن أجـل حُسن الأداء

وفي السياق، قال هباش إن توفر الأرصفة الكافية المجهزة بأحدث المعدات، يساهم في تسريع عمليات الشحن والتفريغ، ونلاحظ أن هناك موانئ، خاصة في الدول النامية، تعاني من نقص في هذه التجهيزات، ما يؤدي إلى تراكم السفن وتأخر عمليات النقل.. وهناك عامل آخر لا يقل أهمية – يواصل محدّثنا - هو العمق المتاح للميناء، حيث أن الموانئ التي تمتلك قنوات عميقة يمكنها استقبال السفن العملاقة التي تحمل كميات كبيرة من البضائع، ما يجعلها أكثر تنافسية. وهناك موانئ تعاني من الحاجة المستمرة إلى عمليات تعميق لتتمكن من استقبال السفن الكبيرة.
وسجل هباش أن الإجراءات الجمركية تشكل تحديا إضافيا في بعض الموانئ، إذ أن سرعة أو بطء هذه الإجراءات يمكن أن يؤثر بشكل مباشر على وقت بقاء السفن في الميناء، فالموانئ التي تطبق بها أنظمة جمركية حديثة، وتستخدم التكنولوجيا لتسريع التخليص الجمركي، تتمتع بميزة تنافسية كبيرة، حيث تكون أكثر جذبا للشركات التجارية. وعليه، فإن النقل البحري يظل خيارا لا غنى عنه للتجارة العالمية، ولكن نجاحه يعتمد على القدرة على التكيف مع التحديات التي تشمل تقلبات أسعار الشحن، تحسين البنية التحتية للموانئ، وتسهيل ظروف رسو السفن، والبلدان التي تستثمر في تحسين موانئها وتبسيط إجراءاتها الجمركية ستكون أكثر استعدادا لجذب المزيد من الاستثمارات الدولية، مما يعزّز من مكانتها الاقتصادية بالساحة العالمية.

حلقــة وصـل بــين ضفتّـي المتوسط...

إن تأسيس شركة جزائرية متخصصة في الإنشاءات البحرية -  يؤكد هباش -  يأتي في إطار الحاجة الملحة إلى توسيع وتطوير البنية التحتية البحرية بالجزائر، خاصة مع نمو التجارة البحرية وزيادة الطلب على الواردات والصادرات، حيث ستلعب هذه الشركة دورا محوريا في تحديث وتطوير الموانئ الحالية وتوسيعها لتستوعب المزيد من السفن والبضائع، مما سيعزّز القدرة الاستيعابية ويقلل من الازدحام، وهذا سوف يساهم في تحسين فعالية العمليات اللوجيستية وتدفق السلع بشكل أسرع، ويقلّل من التكاليف التي تتحملها مؤسسات الموانئ بالعملة الصعبة، نتيجة التأخير في إفراغ السفن وبقائها في عرض البحر.
وعلى صعيد آخر، فإن توسيع الموانئ يعزّز الحركية التجارية عبر زيادة القدرة على استقبال وتصدير السلع، وهذا سيؤدي – بالتأكيد - إلى تضييق زمن الانتظار للسفن التجارية، وتخفيض تكاليف النقل، مما يجعل الجزائر مركزا أكثر جذبا للتجارة الدولية، إضافة إلى ذلك، تحسين الموانئ سيعزّز مكانة الجزائر كحلقة وصل بين إفريقيا وأوروبا، ويدعم تجارة «الترانزيت»، بالنظر إلى الموقع الجغرافي الاستراتيجي الذي تتمتع به بلادنا.
ولا شك أن تحسين قدرة الجزائر على إدارة عمليات بحرية أكبر وأكثر كفاءة - يقول هباش -سيمكن البلاد من توسيع شبكة علاقاتها التجارية مع شركاء دوليين، حيث أن الدول التي تعتمد على موانئ الجزائر في التبادل التجاري ستجد في هذه البنية التحتية المتطورة فرصة لتعميق شراكاتها، كما أن تعزيز قدرات الموانئ الجزائرية سيعزّز من جاذبية البلاد للاستثمارات الأجنبية ويشجّع على توقيع اتفاقيات تجارية مع شركاء جُدد.
ويعدّ ميناء شرشال من المشاريع الإستراتيجية التي ستحدث تحولا نوعيا في البنية التحتية البحرية للجزائر، حيث يهدف إلى أن يكون الأكبر في منطقة البحر الأبيض المتوسط، وعليه، فإن دور الشركة الجديدة المتخصصة في الإنشاءات البحرية سيكون محوريا في جميع مراحل هذا المشروع العملاق، بدءا من التخطيط وصولا إلى التنفيذ، حتى ولو كان بالشراكة مع شركات عالمية متخصصة في هذا المجال من أجل كسب الخبرة ونقل التكنولوجيا والخبرات والمعارف، فالتحديات عديدة ومتعددة بالنسبة لهذا المشروع الحيوي والاستراتيجي التي تشير التقديرات الأولية أن تكلفته قد تتجاوز الستة ملايير دولار.

شركــة وطنيـة بمهـام عالميــة

وتكملة لما سبق ذكره، شدّد هباش على أن أوّل وأهم دور للشركة هو توفير البنية التحتية اللازمة للميناء، إذ يتطلب ميناء بهذا الحجم تجهيزات حديثة وتقنيات متطوّرة لضمان قدرته على التعامل مع حجم كبير من السفن والحاويات، وتشمل هذه الأعمال بناء أرصفة حديثة، مساحات تخزين ضخمة، أنظمة لوجستية متطوّرة، ومعدات لرفع وتحميل البضائع بأقصى كفاءة، ومنه، فإن تصميم وتنفيذ هذه المنشآت بطريقة تتماشى مع المعايير العالمية هو من مهام الشركة، ما يضمن للميناء بأن يكون نقطة جذب رئيسية للتجارة الدولية، وستلعب الشركة دورا بالغ الأهمية في تصميم نظام لوجيستي شامل يربط ميناء شرشال بشبكات النقل العالمية، سواء كان ذلك عبر البحر أو السكك الحديدية أو الطرق، وهذا الربط المتكامل سيعزّز من قدرة الجزائر على تصدير واستيراد البضائع بسهولة أكبر، بالإضافة إلى جذب المزيد من المستثمرين والشركات العالمية التي تبحث عن مواقع إستراتيجية لخدمات الترانزيت.
وستتولى الشركة أيضا، تحسين الكفاءة التشغيلية للميناء من خلال تطبيق أنظمة متطوّرة لإدارة العمليات، وهذه الأنظمة تشمل مراقبة حركة السفن، تنظيم تحميل وتفريغ البضائع، وإدارة المستودعات والمناطق الجمركية، ومع وجود هذه الأنظمة، سيصبح الميناء قادرا على تقليل زمن الانتظار وزيادة عدد السفن التي يمكن أن يخدمها يوميا، مما يجعله أحد أكثر الموانئ كفاءة في المنطقة.

تصميـم بتقنيـات صديقـة للبيئـة..

وعلى صعيد آخر، فإن الشركة ستكون مسؤولة عن ضمان أن يتم بناء ميناء شرشال بطريقة تتيح له التوسع مستقبلا، ومع النمو المستمر في التجارة البحرية العالمية، هناك حاجة لتصميم بنية تحتية قابلة للتوسع والتكيف مع الطلبات المتزايدة من الشركات التجارية العالمية، حيث ستكون الشركة قادرة على تنفيذ خطط تطوير مرحلية تسهم في توسيع قدرة الميناء كلما دعت الحاجة لذلك، خاصّة أن الجزائر تربطها اتفاقيات هامة على غرار اتفاقية التجارة الحرّة الإفريقية أو الشراكة مع الاتحاد الأوروبي، مما يرفع من احتمالية عبور ومرور السفن عبر الجزائر، من دول مثل الصين والهند، للاستفادة من بنود هذه الاتفاقيات، خاصة ما يتعلق بالتخفيضات الجمركية، حيث أنه على سبيل المثال الصين تواجه العديد من العراقيـــل الجمركية للدخول إلى الأسواق الأوروبية، ولهذا، فإن وجود ميناء بهذا الحجم ووجود اتفاقيات بهذه المعايير، من الممكن جدا أن تكون عوامل مرجحة ومحفزة للطرف الصيني لتوطين صناعات في الجزائر أو الاعتماد على تجارة الترانزيت.  
وبالنظر إلى المعايير البيئية العالمية الصارمة – يواصل هباش - سيكون للشركة ضمان بناء الميناء بطريقة تحافظ على البيئة البحرية والساحلية المحيطة، حيث تشمل هذه الجهود تقليل تأثيرات البناء على النظام البيئي البحري من خلال تطبيق تقنيات صديقة للبيئة، لضمان التوافق مع المعايير الدولية للاستدامة.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19635

العدد 19635

الجمعة 29 نوفمبر 2024
العدد 19634

العدد 19634

الأربعاء 27 نوفمبر 2024
العدد 19633

العدد 19633

الثلاثاء 26 نوفمبر 2024
العدد 19632

العدد 19632

الإثنين 25 نوفمبر 2024