الثـّورة الخضـراء مستمرّة والأمن الغذائي قريب المنال
تطمح الجزائر الجديدة اليوم بقيادة الرئيس عبد المجيد تبون، إلى استكمال مسار التشييد الذي بدأه العام 2019، بعدما نجح في افتكاك حصة الأسد من الأصوات المعبر عنها في انتخابات السابع سبتمبر الجاري، وسيتم التوجه نحو تحقيق المزيد من النجاعة الاقتصادية، بالاعتماد على مواردها البشرية المهمة وثرواتها الباطنية الضخمة.
عكف أستاذ العلوم الاقتصادية بجامعة وهران حاكمي بوحفص، على تشريح دقيق لأهم إنجازات العهدة الأولى للرئيس عبد المجيد تبون، وكذا أهم التحديات في عهدته الرئاسية الجديدة، أهمها محاولة بناء اقتصاد وطني جزائري ذاتي وغير معتمد على الخارج، من خلال ترقية الإنتاج الوطني ليحمل المواصفات العالمية ويكون ذا تنافسية عالية محليا وفي الأسواق العالمية في شكل صادرات.
ولأول مرة في تاريخ الجزائر، وصلت صادرات الجزائر خارج النفط إلى سقف7 ملايير دولار، وأوضح الخبير أن هذا الإنجاز لم يكن يتوقعه كثير من المتتبعين والخبراء والسياسيين، وقال إنه وصف بالقفزة النوعية في الرفع من حجم الصادرات خارج قطاع المحروقات.
اقتصــاد قــوي ومستـدام
أما جوهر أهداف برنامج الرئيس الكبرى، تتمثل ـ حسب الخبير بوحفص ـ في بناء اقتصاد قوي ومستدام قائم على التصدير بدل الاستيراد، على خلفية أنّ الواردات كانت في حدود 64 مليار دولار في 2018، وفي الوقت الراهن تراجعت إلى 30 مليار دولار، ووصف هذا التحسن، بالإنجاز الفارق والمهم في الحياة الاقتصادية.
وفي حديثه عن الرهانات المستقبلية، ذكر الخبير ضرورة إدراج استهلاك القمح الصلب المنتج محليا بدل القمح اللين المستورد، وأوضح أنه خلال هذه الحلقة يكتمل الأمن الغذائي في مجال القمح، إلى جانب مواجهة تحديات أخرى لا تقل أهمية والمتمثلة في ترشيد الاستهلاك.
مشاريــع كــبرى
ويعد ميناء الحمدانية بشرشال، أحد أبرز الانجازات التي يحرص السيد الرئيس أن ترى النور، لأن رسو السفن الكبرى لم يكن موجودا بالجزائر، علما أنّ هذا الميناء يعتبر رئة مهمة في الاقتصاد الجزائري حيث تمر السلع الإفريقية من أوروبا نحوه وهدفه تقليص تكلفة الواردات لفك الخناق عن الاقتصاد الجزائري ومن أجل تصدير الحديد من غارا جبيلات.
واعتبر بوحفص أن الآفاق المتمثلة في استكمال طريق الجزائر - نيجيريا بهدف ربط الجزائر بطريق الحرير الصيني، واعدة، ويرى أن هذه الخطوة ستمكّن الجزائر من الاتصال بروافد التجارة الدولية والعوائد ستكون كثيرة بربطها بالعالم عن طريق ميناء الحمدانية.
وأما التحدي الآخر الذي يراه الخبير مهمّا، فيخص الاندماج في القارة الإفريقية عن طريق منظمة «زليكاف» ومنظمات أخرى، تسمح للجزائر لتصدير منتجاتها للبلدان المجاورة، ويصبح المنتوج الجزائري تنافسيا ويتسنّى له التموقع في أسواق أوروبية وأسياوية، وإلى جانب دعم العلاقات الاقتصادية الدولية ودعم شركاء الجزائر المعروفين والبحث عن شركاء جدد.
رفع مؤشّـرات الاقتصـاد الكلي
من جهته، تطرّق الخبير الاقتصادي الدكتور أحمد الحيدوسي، إلى الخطوط العريضة للبرنامج الذي طرحه رئيس الجمهورية للعهدة الثانية، وقال إنه طموح وثري وعميق، خاصة أنه سيواصل تحقيق المكاسب على المستوى الاقتصادي.
ويسعى رئيس الجمهورية إلى رفع التحدي أكثر خاصة في مجال تقوية القدرات التصديرية، بعدما سطر في العهدة السابقة هدف تحصيل أكثر من 2 مليار دولار ورفعت إلى 5 ملايير دولار، وارتفعت بعد ذلك حصيلة الصادرات خارج المحروقات إلى 7 ملايير دولار، والطموح القائم يرتكز على رفع الصادرات إلى 15 مليار دولار، وبعد ذلك مسطر تحقيق هدف 30 مليار دولار في آفاق عام 2030.
وتسعى الجزائر إلى تنفيذ كل هذه الطموحات من خلال رؤية ترتكز على دعم الاستثمارات المحلية وكبح الواردات، وإلى جانب مواصلة سياسة ضبط الواردات بما يوفر احتياجات السوق فقط ودعم الإنتاج الوطني، خاصة مع تدفق الاستثمارات المحلية والأجنبية والتي سجلت أزيد من 8000 مشروع استثماري برأس مال استثماري يقدر بـ26 مليار دولار.
وقال الخبير الحيدوسي إنّ مشاريع ذات قيمة عالية وبرأس مال استثماري تجاوز 1 مليار دولار، وتعد مهمة للاقتصاد الوطني، وذكر أن التحدي القائم في هذا المجال تسريع وتيرة هذه الاستثمارات لدخولها حيز الإنتاج وتلبية احتياجات السوق الوطنية وتوفير مناصب العمل والرفع من القدرات الإنتاجية، بهدف التوجه نحو التصدير، إلى جانب تحديات كبيرة أخرى خاصة في مجال توفير العقار الصناعي والعقار الاقتصادي والسياحي والفلاحي.
الدّبلوماسية الاقتصاديـة
وشدّد محدّثنا على ضرورة تسريع وسيلة استرجاع العقارات غير المستغلة وإعادة توزيعها لمن يستغلها، وفي سياق آخر، تحدث عن أهمية إعادة النظر في إصلاح المنظومة المالية وإرساء المزيد من العصرنة وكذا الرقمنة التي يحرص السيد الرئيس على تعميمها في جميع القطاعات، وبهدف ربط القطاعات فيما بينها.
وتطرّق الخبير الاقتصادي الحيدوسي إلى تحد آخر، يتمثل في أهمية تسريع إدماج القطاع المصرفي والمالي بالمنظومة العالمية، من خلال اعتماده على نفس المعايير المعتمدة عالميا.
واقترح الحيدوسي مواصلة التركيز على القطاعات الإستراتجية ذات القيمة العالية، مثل التعدين والسياحة والزراعة والطاقات المتجددة والبتروكيميا، وأكّد أن الجزائر تمتلك فيها ميزة تنافسية، تمكنها من رفع مكاسبها الاقتصادية وتحقيق عوائد مهمة، وأشار إلى ضرورة مواصلة سياسة دعم الجبهة الاجتماعية وتوفير احتياجات المواطنين في مجال كل من الصحة والسكن وتحقيق الأمن المائي بتجسيد العديد من المشاريع المهمة والضرورية، وتحقيق الأمن الغذائي والأمن الصحي، برفع قدرات الإنتاج الصيدلانية، وربط علاقات متميزة مع عدة دول عن طريق تفعيل دور الدبلوماسية الاقتصادية في ظل التصارع الدولي الشرس على الفرص.