ثمّن مـا تحقّق للجزائر في حقل المعلوماتية.. الخبير يزيد أقدال لـ “الشعب”:

استراتيجية الرئيس للانتقال الرقمي.. مُحكمة صارمة..

فايزة بلعريبي

 تحويل الرقمنة إلى ثقافة راسخة ورصد إمكانات ضخمة للمشروع

تحديد آجال تجسيـد الرقمنـة.. عامل حـاسم في النـجــاح

لأوّل مرّة غلاف مالي للرقمنة بقانون المالية.. تذليل العراقيل

المركز الوطني للبيانات.. خطوة جبّارة لبناء منظومة رقمية مؤمّنة

أولى رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون مسألة الرقمنة بعناية كاملة، فقد سجّل في التزاماته الرقّي بالجزائر إلى مرتبة لائقة في محفل الأمم، ما يفرض خوض غمار  المتغيّرات العالمية التي ميزتها ثورة إلكترونية غير مسبوقة، وسباق قوّي لمضامير المعلوماتية، فالرقمنة اليوم معيار جدّيّ لمدى نجاعة أي منظومة، ولأجل إنجاح مشروع تجسيدها ببلادنا، استحدث رئيس الجمهورية المحافظة السامية للرقمنة، تحت إشرافه المباشر، لبلورة قانون للرقمنة وإستراتيجية للتحوّل الرقمي..

أوضح الخبير في تكنولوجيا المعلومات، الدكتور يزيد أقدال، في اتصال مع “الشعب” حول التحوّل الرقمي ببلادنا، أن الرقمنة تمثل رهانا خصّه رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون باهتمام خاص ومتابعة صارمة، مؤكدا أن مشروع الرقمنة لم يطرح من قبل، ولم يكن في صلب اهتمامات القيادة السياسية بالقدر الذي عرفه خلال الأربع سنوات الأخيرة، ما يؤكد المجهودات الملموسة ميدانيا لتجسيد مشاريع الرقمنة، بما أنها أحد أكبر الورشات المطروحة على الساحة الوطنية حاليا، نظرا لأثرها المباشر على الصعيدين الإداري والاجتماعي، إذْ على الصعيد الأوّل، تتم من خلال تسهيل عمليات التسيير وضبط البيانات المتعلقة بكل قطاع، مما يسهّل عملية تسطير الإستراتيجية التي تتأسس وفق معطيات حقيقية وواقعية، وبينما تتجلى على الصعيد الاجتماعي، في معاملات المواطن، بما هو المستفيد الأول من تسهيل المعاملات الإدارية والتجارية.
التغيير صار واضحًا – يقول أقدال -  والإرادة السياسية لتحقيقه يقين لا يشوبه شك. إذ لم يكتف رئيس الجمهورية بإعلان التغيير الجذري فحسب، بل ربطه بآجال حدّدتها تعليماته الصارمة المسداة إلى مسؤولي القطاعات الوزارية خلال مجالس الوزراء التي يرأسها دوريا، لضمان متابعة آنية للورشات الكبرى التي تم إطلاقها منذ بداية سنة 2020.

قطاعات حققّت السبق

وعن القطاعات التي تسابق الزمن اليوم من أجل رقمنة كل معاملاتها وهياكلها، وفيها التي قطعت أشواطا مهمة من خلال النتائج المحققّة، يستشهد يزيد أقدال بقطاع المالية ومختلف هياكله من الجمارك والضرائب وأملاك الدولة، نظرا لحساسيته في ضبط مؤشرات الاقتصاد الكلي والجزئي، وإعطاء صورة مكتملة عن الأرقام التي تسجلها هذه الهياكل الحيوية بالنسبة لتطوّر الاقتصاد الوطني وأمنه. كما ثمّن أقدال التقدّم الذي أحرزه قطاع العدالة من خلال إطلاقه لتطبيقات تسمح بتسيير المؤسسات العقابية، واستخراج شهادات الجنسية والسوابق العدلية. هذا لا يعني إنكار التقدّم الذي أحرزته وزارة الداخلية والجماعات المحلية التي تمكنت من رقمنة كلية لوثائق الحالة المدنية، إضافة إلى استحداث جواز السفر البيومتري وبطاقة التعريف البيومترية التي حلّت محل ملفات الإدارة المكتظة بالوثائق، فقد تم اليوم دمجها ضمن المعطيات المخزنة على مستوى بطاقة التعريف البيومترية.
بدوره أحرز قطاع العمل والتشغيل – يقول أقدال - تقدما معتبرا فيما يخص إجراءات الضمان الاجتماعي، إضافة إلى التغيير الرقمي الذي طال الحياة الجامعية. دون التغاضي عما تم تحقيقه على مستوى وزارة التجارة وترقية الصادرات التي قطعت شوطا كبيرا في مجال التعاملات عبر المنصات الالكترونية التي ساهمت كثيرا في قمع الغش وكبح المضاربة وتسهيل عملية تموين السوق المحلية وتنظيم حركة التجارة الخارجية من تصدير واستيراد.

حوكمة وذهنيات

أهمية الرقمنة وأثرها المباشر على الحوكمة والتسيير السليم القائم على المعطيات الدقيقة التي تعكس الواقع بوضوح، لا يمكن أن يكون محل اختلاف أو جدل، يؤكد أقدال، فأثرها يتجلى في إضفاء الشفافية على مجمل التعاملات اليومية، اقتصادية كانت، تجارية أو إدارية ذات صلة بحياة المواطن، ومن خلال ذلك، القضاء على المحسوبية والبيروقراطية والتضييق على الفساد، مع سرعتها وإمكانات إجرائها عن بعد. كما تمكّن رقمنة الإجراءات من الاطلاع بصورة آنية على النتائج العملية والمعطيات الحقيقية الميدانية. ولم ينكر أقدال بعض العراقيل التي تعترض المشروع، مشيرا إلى ما أسماه “بمقاومة التغيير وعدم تقبله”، مما يتطلب تحضيرا عميقا مسبقا لتبني مثل هذه الخطوة، فقبل أن نخوض تغييرا متعلقا بالتحوّل الرقمي، لابد من تغيير شامل في الذهنيات ونمط التفكير وطرق الحوكمة والممارسات اليومية.

مركز وطني للبيانات

من جهة أخرى، ومن الجانب التقني، أكد أقدال أن الخوض في مشروع بحجم رقمنة البيانات الوطنية، يتطلب أرضية لاستيعابه، تتمثل هذه الأخيرة في مركز للبيانات Data Center، وقد أسندت مهمة تجسيده إلى المحافظة السامية للرقمنة إلى جانب مهمتين أخرين، تتعلق الأولى بالانتهاء من الإستراتيجية الوطنية للرقمنة التي تحدّد التوجهات الكبرى والآجال الزمنية لتجسيد المشروع، أما الثانية فتتعلق بالجانب القانوني المؤطر لمجال الرقمنة بالجزائر. وبالعودة إلى المركز الوطني للبيانات، ومن أجل الاستفادة من المعرفة الأجنبية لكبار الروّاد في مجال الالكترونيات، أبرمت المحافظة السامية للرقمنة مؤخرا، اتفاقية تعاون وشراكة من أجل تجسيده مع “شركة هواوي” الصينية، إضافة إلى الجهود التي بذلتها الجزائر في مجال تعميم استعمالات الانترنت وفك العزلة الرقمية من خلال ربط مختلف مناطق البلاد بالألياف البصرية.
ويرى الخبير في تكنولوجيات المعلومات، يزيد أقدال، أن مشروعا بحجم المركز الوطني للبيانات، يعتبر حتميا، كون رقمنة جميع القطاعات تستلزم إيواء بياناتها وأنظمتها المالية ومنصاتها المعلوماتية ضمن مراكز بيانات وطنية، تستجيب للمعايير العالمية المتعلقة بالأمن الالكتروني وحماية البيانات وأداء مواردها البشرية العالية التأهيل.
في هذا الإطار، شدّد المتحدث على أهمية المشروع من أجل مرافقة إستراتيجية التحوّل الرقمي التي تبنتها السلطات العمومية بمتابعة شخصية من رئيس الجمهورية، من خلال إعطاء الدعامة التقنية والبنية التحتية التكنولوجية اللازمة لرقمنة جميع القطاعات الوطنية، التي انطلقت منذ سنوات.

تكييف هيكلي منجمانتي

من جهة أخرى، ومن الجانب المنجمانتي، أوضح أقدال أن الانتقال من وزارة الرقمنة إلى محافظة سامية للرقمنة، كان ضمن الحلول الإجبارية لبسط حتمية الرقمنة من خلال منح صلاحيات سيادية أوسع للهيئة المشرفة عليها، فلا يمكن لوزارة أن تفرض قرارات على وزارة أخرى، لذا وجب استحداث هيئة عليا ممثلة في المحافظة السامية للرقمنة تعمل تحت الوصاية المباشرة لرئاسة الجمهورية، وتمتلك سلطة القرار في فرض رؤيتها واستراتيجيها المتعلقة بهذا المشروع، ومتابعة ومراقبة وتيرة تقدّم أشغاله.
بالمقابل تواجه الرقمنة تحدّيات كبيرة متعلقة أساسا بالإمكانات التقنية والمالية والمورد البشري، حيث يستلزم مشروع بحجم المركز الوطني للبيانات إلى إمكانيات ضخمة، أولها غلاف مالي معتبر، ولأجل ذلك رصدت الحكومة في إجراء غير مسبوق، غلافا ماليا مخصصا للرقمنة والتحوّل الرقمي، ضمن قانون المالية لسنة 2024.
واستنادا إلى ما سبق، تعمل اليوم المحافظة السامية للرقمنة عبر الإستراتيجية الوطنية للرقمنة وقانون الرقمنة على بلورة برنامج عملي، مختصر الآجال وبأهداف واضحة من أجل إطلاق مشاريع رقمنة على نطاق واسع، يشمل جميع مجالات الحياة اليومية للمواطن، فالرقمنة - وفق أقدال- تتعدى نطاق مجرد مشروع تفرضه المواكبة للمتغيرات التكنولوجية والمعرفية العالمية، إلى نطاق أوسع ليصبح ثقافة تعمل الحكومة على نشرها وتعميمها وإدراجها ضمن الممارسات والمعاملات اليومية للمواطن.

جيل متجاوب ومهيأ رقميًا

وفي السياق تطرق يزيد أقدال إلى التطبيقات الالكترونية بنوعيها الهاتفية أو الحاسوبية، كمنتوج أصبح يحتل مساحة واسعة أكثر فأكثر، لتشمل تقريبا كل مجالات الاقتصاد والحياة الاجتماعية، فقطاع التربية والتعليم العالي، كمثال استدّل بهما أقدال، أصبحا من القطاعات التي تمكنت من كسب رهان “صفر ورق” بالنسبة لإجراءات التسجيل وتعميم الخدمات البيداغوجية الرقمية، والايجابي في معادلة رقمنة قطاعي التربية والتعليم العالي، هو أن طبيعة المتلقي، المتمثل في جيل جديد يتمتع بميول قوّي وتجاوب اتجاه كل ما هو إلكتروني ورقمي ومتعلّق بالهواتف الذكية، وبالتالي عندما يتعلق الأمر بجيل مهيأ مسبقا لتبني مقاربة رقمنة التعاملات اليومية، تصبح العملية الاتصالية بينه وبين نواة المعلومة من المنصّات الالكترونية الخدماتية.
وعلى ذكر المنصات الالكترونية والخدمات “أون لاين”، يقودنا الحديث – يقول أقدال - إلى الإشارة إلى الكم الكبير والانتشار السريع للشركات المختصة في الالكترونيات، كنتيجة حتمية للتسارع الرقمي، الذي يشهده العالم وتحرص الجزائر على مواكبته، حيث نعيش اليوم تطوّر أدوات المعرفة أصبحت وحدة قياسه “الثانية” أو أجزاء من الثانية.
وفي ظل هذا التحوّل وتنوّع المنتجات الرقمية، برز الذكاء الإصطناعي كتقنية أحدثت ثورة رقمية ومعرفية، يمكن للمجتمع الرقمي الاستفادة من تطبيقاتها، بل يتوقع الخبير في تكنولوجيا المعلومات، أن يختصر الذكاء الاصطناعي العديد من المهام التي كان يقوم بها الإنسان، في مجالات عديدة كالتعليم والتصميم والمهن ذات الصلة بمعالجة البيانات وتحليلها، كما سيفرض الذكاء الاصطناعي نفسه – وفق أقدال - في مجال الإعلام فيما يتعلق بالصوت والصورة والفيديوهات، والأكيد في كل ذلك، أن الجيل الجديد له من القابلية الرقمية ما يبعث على التفاؤل بالنسبة لمستقبل الرقمة ببلادنا، في حال توفّر الإمكانات التقنية والمالية.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19635

العدد 19635

الجمعة 29 نوفمبر 2024
العدد 19634

العدد 19634

الأربعاء 27 نوفمبر 2024
العدد 19633

العدد 19633

الثلاثاء 26 نوفمبر 2024
العدد 19632

العدد 19632

الإثنين 25 نوفمبر 2024