رؤيــة استشرافيـة.. منهـج قــويم وإخــلاص فــي الأداء
ديناميكية وتكامل ما بين الأطر القانونية والمؤسساتية
تقارير المؤسسات المالية الدولية.. شهادات عن حصافة الخيارات
كيّفت الحكومة المنظومة التشريعية مع الإصلاحات الشّاملة التي يشهدها النظام المالي بالجزائر مع فتح ورشات كبرى على جميع المستويات، باشرتها السلطات العمومية، وتندرج ضمن أهم الالتزامات لرئيس الجمهورية، وهذا استجابة للتحولات الاقتصادية والمالية والتحديات التقنية والتكنولوجية، من أجل إعادة الاعتبار للسياسة النقدية بالجزائر والتكيف مع المستجدات الحاصلة في المنظومة الاقتصادية العالمية.
أكد الخبير الاقتصادي عبد القادر بريش، أن ملف الإصلاح المالي يعتبر من بين الورشات التي كانت مؤجلة منذ سنوات، مبرزا أن رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون، جعلها من بين التزاماته 54، حيث تم فتح ورشة الإصلاح المالي تحت عنوان كبير «إصلاح عميق للحكامة المالية» وهو الالتزام رقم 23.
ومن بين أهم العناوين لهذا الالتزام –يقول دريش- تعزيز التخطيط المالي والتحكم في مخاطر الميزانية، من خلال التنفيذ السريع لنظم المعلومات، عصرنة النظام المصرفي والمالي، مع التركيز على إصلاح البنوك والمؤسسات المالية لتحسين كفاءتها وربحيتها ومساهمتها في تمويل الاقتصاد، وكذا تكييف الإطار التنظيمي والتشريعي الذي يحكم النشاط المصرفي، إلى جانب تعزيز نظم المعلومات للبنوك العمومية والفاعلين في الأسواق المالية، بهدف تمكينهم من تعزيز التحكم في عملياتهم وفق المعايير الدولية، فضلا عن تنويع المنتجات البنكية وتطوير التمويل الإسلامي، إلى جانب تطوير الشبكة البنكية الوطنية من خلال فتح فروع لها في الخارج.
وأكد بريش، أنه من بين أهم الإصلاحات التي باشرتها الجزائر، اتباع نهج جديد في الميزانية للحفاظ على التوازنات المالية وتوفير موارد إضافية في السوق المالية الداخلية، حيث دخل القانون العضوي رقم 18/15 المتعلق بقوانين المالية حيز التنفيذ، من أجل إصلاح الميزانية وإعطاء حوكمة أكبر للميزانية وترشيد الإنفاق العام.
رهــان فتــح مكاتـب الصــرف
وجاء ضمن الإصلاحات المالية، والتزامات الرئيس، تدشين بنك الاتحاد الجزائري بنواكشوط (AUB) والبنك الجزائري السنغالي (ABS) بداكار والمعرضين الدائمين بكلتا العاصمتين، إلى جانب البنك المنتظر افتتاحه بفرنسا من خلال بنك الجزائر الخارجي، حيث ستسمح هذه البنوك بتوسيع آفاق فرص الاستثمار والمرافقة في تجسيد مشاريع استثمارية جزائرية في تلك الدول. كما أن فتح مكاتب الصرف بالجزائر، سيساعد في تحويل الأموال إلى السوق المحلية وتحسين صورة المنظومة المالية والبنكية الجزائرية في الأسواق المالية الخارجية، على غرار البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، وغيرها من الهيئات المالية التي تعنى باقتصادات الدول في العالم وتصدر تقارير دورية حول مؤشرات تحسنها أو تراجعها، وهذا من شأنه تحسين صورة الجزائر على المستوى الدولي، حيث يمنح صورة شاملة للأجانب حول الاقتصاد الوطني، وهو ما حدث فعلا، حيث أصدرت الهيئات المالية الدولية، مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي خلال سنة 2024 تقارير إيجابية تشيد باقتصاد الجزائر.
مكافحـة السوق الموازيــة
ويرى بريش، أن أهم الورشات الإصلاحية كذلك، مصادقة المجلس النقدي والبنكي على مشروع نظام يتعلق بشروط الترخيص وإنشاء واعتماد وعمل مكاتب الصرف في الجزائر. ومن مزايا فتح مكاتب الصرف، أنها ستوحد سعر الصرف الرسمي مع سعر الصرف الموازي بدرجة كبيرة، وفي خطوة مهمة نحو القضاء على السوق الموازية المتداول بها قيمة مالية تعادل 90 مليار دولار.
في هذا الإطار، أكد الخبير الاقتصادي أن الإصلاح المالي والمصرفي الذي عرفته الجزائر الجديدة، تضمنه القانون النقدي والمصرفي الصادر عام 2023، والذي يعتبر من بين أهم الإصلاحات التي وجه إليها الرئيس تبون الورشات الاقتصادية في الجزائر الجديدة، حيث يعتبر قانونا مهما جدا باعتباره ينظم ويعطي حوكمة جدية للبنوك، ويوضح الأدوار بين البنك المركزي والبنك التجاري، كما يهدف إلى تحديث وعصرنة النظام المصرفي الجزائري وإدخال التكنولوجيا وتطوير مجالات الصيرفة الإسلامية والبنوك الاستثمارية وغيرها...
وتمكّن بنك الجزائر بفضل القانون، من إرساء مهمته المتمثلة في الاستقرار المالي. وتم استحداث لجنة الاستقرار المالي وتكليفها بالمراقبة الاحترازية الكلية وإدارة الأزمات. كما تم الأخذ بعين الاعتبار الحالات الاستثنائية التي قد تقع، مثل حدوث أزمة استثنائية غير متوقعة ومعلن عنها، على غرار جائحة كوفيد-19، ويرفع تقريرها السنوي لرئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون.
أدوات جديـدة للسياسة النقديــة
وعرفت الإصلاحات المالية –يقول بريش- أدوات جديدة للسياسة النقدية، بهدف جعلها أكثر نجاعة وتعزيزا لآليات انتقالها، حيث يتيح تكييف أدوات التدخل على مستوى السوق النقدية مع خصوصيات العمليات المصرفية، لاسيما تلك المتعلقة بالصيرفة الإسلامية، إذ يمكن اعتماد البنوك والمؤسسات المالية التي تقوم بالعمليات المصرفية المتعلقة بالصيرفة الإسلامية حصرا، وكذا الحفاظ على الشبابيك المخصصة لذلك.
وبرزت إصلاحات النظام المالي في الجزائر، من خلال التعافي التاريخي للدينار بعد صعود وانتعاش قيمته أمام الدولار الأمريكي، ويعود ذلك إلى عوامل اقتصادية ساعدت في دعم العملة الوطنية.
بالمقابل، تحدث الخبير عن استكمال هذه الورشات التي تدخل ضمن الإصلاحات الكبرى والمهمة جدا، خاصا بالذكر موضوع السوق المالي وتنشيطه، ويتطلب مواصلة الإصلاحات من خلال إصلاح القوانين وإصدار بعض القوانين، خاصة قانون الصكوك، سواء تعلق الأمر بالصكوك السيادية التي تصدرها مؤسسات الدولة والخزينة العمومية أو الصكوك التجارية التي تصدرها المؤسسات، وهو ما يتطلب إصلاح القانون التجاري وإدخال الصكوك كآلية من أدوات التمويل.
وتحدث بريش عن توسيع المؤسسات التي تدخل البورصة، على غرار ما سجل منذ أشهر قليلة من خلال الإدراج الرسمي لبنك القرض الشعبي الجزائري في التسعيرة الرسمية لبورصة الجزائر وانطلاق التداول العلني بين المستثمرين لأسهم هذه المؤسسة المالية العمومية، ليكون بذلك أول بنك يلتحق بالبورصة، في إطار استكمال مسار الإصلاح البنكي والمالي بالجزائر. إلى جانب ذلك، تعد ورشة إصلاح كل ما يتعلق بالنقد والصرف وحركة تحويل الأموال، مهمة جدا، لأن قانون الاستثمار الجديد ينص صراحة على حرية تحويل رؤوس الأموال والأرباح.
وأشار الخبير، إلى أن «أي إصلاحات تجنى ثمارها على المديين المتوسط والطويل وبعد تهيئة وانسجام كل الأطر المؤسساتية وإنضاج القوانين وتكامل الأدوار ما بين مختلف الفاعلين». وأضاف، أن «الرئيس تبون في آخر تدخل له مع وسائل الإعلام قال، إن استكمال المشروع الوطني «الجزائر الجديدة»، سنبدأ في جني ثماره ابتداء من عام 2026 وبداية 2027، لأن المشاريع المهيكلة أو الاستثمارات الكبرى التي ضخّتها الدولة في البنية التحتية وفي المشاريع العملاقة في المعادن والمناجم أو الإصلاحات في الجانب المؤسساتي والمالي، تأخذ وقتا وتتفاعل في مدة قد تصل إلى ثلاث سنوات».