تتضمن تدابير ومشاريع للحد من انبعاثـات الغازات الدفيئة

مجمـــع سوناطـراك يطلـق استراتيجيـة جديدة للمنـاخ

فضيلة بودريش

 عرقـاب: الجزائـر ملتزمـة بتعزيـز مكانتهـا كمورد موثـوق للطاقـة ولا يمكنهـا البقـاء علـى هامـش الدينامكيـة العالمية

سونطــراك تسعــى إلـى تكريـــس حوكمـة مناخيــة

أطلق مجمع سوناطراك، أمس الاثنين، استراتيجيته الجديدة المتعلقة بالمناخ، تتضمن جملة من التدابير والمشاريع للحد من انبعاثات الغازات الدفيئة ورفع مستوى إدماج الطاقات المتجددة وكذا تطوير حلول احتجاز الطبيعي والتكنولوجي للكربون.
جرى التوقيع على الاستراتيجية بمقر المديرية العامة للمجمع، من طرف الرئيس المدير العام لسوناطراك رشيد حشيشي، تحت إشراف وزير الطاقة والمناجم محمد عرقاب وبحضور وزيرة البيئة والطاقات المتجددة فازية دحلب.
كما عرفت مراسم التوقيع حضور رؤساء كل من سلطة ضبط المحروقات والوكالة الوطنية لتثمين موارد المحروقات «ألنفط»، وممثلين عن مؤسسات معنية بمسألة المناخ، بالإضافة إلى إطارات مسيرة لمجمع سوناطراك.
انخرط مجمع سوناطراك بعمق في تجسيد رهان دقيق لتحقيق حوكمة مناخية، مدرجا الابتكار والتكنولوجيا وسقفا عاليا من الشفافية، يجعل الجزائر أحد أهم البلدان الملتزمة بحماية البيئة والحد من الانبعاثات الكربونية، على خلفية أنها نجحت في الفترة الممتدة من 2020 إلى غاية 2023 في تقليل 22٪ من حجم الغازات، موفرة ما قيمته 1 مليار متر مكعب وتجنب انبعاث 2 مليوني طن من ثاني أكسيد الكربون.
وأشرف وزير الطاقة والمناجم محمد عرقاب، على حفل توقيع الاستراتجية التي وصفها بـ»المهمة»، خاصة وأن احتفالية التوقيع رفعت شعار «المناخ محور أساسي في استراتجيتنا»، ليؤكد المسؤول الأول على قطاع الطاقة والمناجم أن قطاع الطاقة، من خلال مجمع سونطراك، أقرّ التزاما ملموسا وواضحا في تناول قضايا البيئة بما يتماشى مع التزامات الجزائر المناخية.
ويرى عرقاب، أن الاستراتجية الجديدة ستبرز التزامات سونطراك في مجال مكافحة تغير المناخ بشكل أوضح، وبما يتماشى مع التزامات الجزائر الدولية، خاصة في إطار اتفاقية باريس، متوقعا أن تفضي إلى مزيد من الوضوح فيما يتعلق بالإجراءات التي تسهر على تجسيدها سوناطراك منذ سنوات في هذا المجال.
وبما أن العالم - في الوقت الراهن - يتسم بالتعقيد المتنامي، وبالنظر إلى تداعيات الأزمات المتتالية وتأثيرها الدائم على اقتصاديات الدول، في ظل تحولات جذرية وسريعة ومتقلبة، أكد وزير الطاقة أنه «لا يمكن للجزائر البقاء على هامش هذه الدينامكية العالمية، وأصبح ضروريا أن تدمج مواردها لمواجهة كافة التحديات عبر تعزيز قدرة قطاع الطاقة بالجزائر على التكيف، وإيجاد سبل أكثر استدامة.
ولم يخف الوزير أن الجزائر أرست استراتجية وكرست رؤية تهدف إلى الحفاظ على مواردها والتزاماتها على المدى الطويل، مع مواصلة عملية انتقال تدريجي مسؤول وعملي في قطاع الطاقة، ويهدف ذلك إلى تلبية الطلب المزايد بشكل مستدام، يكون اقتصاديا وآمنا، مع الحد من الآثار البيئية.

إرســاء الأمـــن الطاقـــوي وتقليــل الأثــر البيئــي

وأفاد الوزير عرقاب، في أثناء رصد مؤشرات الوضع الراهن، أن المخاطر المرتبطة بالتغيرات المناخية تعد تحديات ترسم ملامح مستقبل صناعة الطاقة العالمية؛ لأن قطاعي الغاز والنفط يمران بمرحلة حاسمة تحددها المتطلبات البيئية. ومن أجل ذلك، فإن الحاجة ملحة للحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، والانتقال إلى مصادر الطاقة المستدامة.
واشترط الوزير لمواجهة هذه التحديات، وجوب توفير حلول مناسبة وواضحة. وأضاف، أن الجزائر ملتزمة التزاما قويا بتعزيز مكانتها كمورد موثوق للطاقة على الساحة الدولية، ويبقى الغاز الطبيعي باعتباره طاقة محورية في التحول الطاقوي العالمي عنصرا أساسيا في هذه الاستراتجية التي تهدف الجزائر من خلالها إلى ضمان أمنها الطاقوي، مع تلبية الطلب المتزايد بطريقة مستدامة وتعزيز دورها كشريك دولي موثوق في مجال الطاقة».
وبخصوص الطاقات المتجددة، قال الوزير إن الجزائر التزمت بتطويرها، بهدف الوصول إلى نسبة معتبرة من الإنتاج الوطني للكهرباء، في ظل برنامج يهدف إلى بلوغ 15 ألف ميغاواط من الطاقات المتجددة في آفاق عام 2035. ويندرج ذلك في إطار المساهمة في بلوغ أهدافها الدولية المتعلقة بالمناخ، من خلال الدمج بين الطاقة التقليدية وتطوير الطاقات المتجددة. كما أن الجزائر تعكف على مواجهة التحديات البيئية بالتزام، مع ضمان أمنها الطاقوي على المدى الطويل. وذكر الوزير أن هذه المقاربة الطموحة والمسؤولة ستفضي إلى جعل الجزائر قطبا فعالا وملتزما في عملية التحول الطاقوي بالمنطقة.
وسلط عرقاب الضوء على جهود سونطراك الرائدة، بحكم أنها ملتزمة بشكل إرادي منذ سنوات عديدة بتعبيد مسار التحول الطاقوي ومكافحة التغيرات المناخية. ومن أجل ذلك، تعمل بجدية على عدة محاور، منها خفض الانبعاثات الكربونية المدرجة في صميم أهدافها، في ظل وجود مشاريع طموحة تهدف إلى خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون والميثان بشكل كبير، وفي الوقت نفسه تسهر سونطراك على تعزيز مكانتها في خفض الغازات والحد من الاحتباس الحراري عبر أنشطتها المختلفة في مواجهة المخاطر المرتبطة بالأوضاع العالمية للطاقة. كما قامت الشركة، وفق ما كشف عنه الوزير، بتقييم تفصيلي لانبعاثاتها مما يوفر أساسا متينا لوضع أهداف طموحة لخفض الانبعاثات وتأكيد كفاءتها في الإنتاج وحماية المناخ.
وباعتبار سونطراك شريكا في العديد من المبادرات العالمية للحد من الغازات والانبعاثات والاحتباس الحراري، يجري حاليا التعاون مع مؤسسات، مثل البنك الدولي ووكالة الفضاء الجزائرية، لتحسين تقنيات القياس والحد من الانبعاثات الناجمة عن أنشطة النفط والغاز.

مشروع لإنتاج الهدروجين بطاقة 50 ميغاواط

ووقف الوزير عرقاب، عند التزام سونطراك باستثمار 1 مليار دولار خلال 10 سنوات في إنجاز مشروع واسع النطاق، يرمي إلى تشجير مساحة قدرها 520 ألف هكتار، ويعد هذا المشروع اقتصاديا وبيئيا، وسيعمل على حجز الكربون واستحداث مناصب الشغل والمساهمة في التنمية الاجتماعية والاقتصادية. وأشار إلى أنه في نفس المسعى، تعتبر الجزائر الهدروجين ناقلا أساسيا ونظيفا ومستداما، ومن أجل ذلك، تعتزم لعب دور ريادي في هذا المجال، وبذلك تستفيد الجزائر من إمكاناتها الكبيرة في الطاقة الشمسية وشبكات الكهرباء والغاز، بالإضافة إلى قدراتها في مجال البحث والتطوير. إلى جانب ذلك، ستساهم سونطراك بفعالية في مشاريع نموذجية سيتم إطلاقها، وتهدف إلى التحكم في سلسلة الهيدروجين.
وكشف الوزير عرقاب عن تسجيل مشروع شبه صناعي بطاقة 50 ميغاواط للهدروجين، يوجد قيد الدراسة، مما سيتيح إمكانية تحويل الهدروجين الأخضر المنتج إلى منتجات ثانوية أخرى.
جدير بالإشارة، أن استراتيجية سونطراك في مجال المناخ، ترتكز على الانتقال التدريجي في مجال الطاقة، مع دمج الابتكار التكنولوجي للحد من البصمة الكربونية. ويكتسي هذا الانتقال أهمية حاسمة للقطاع ويسعى إلى تكييف استراتجيته وإدارته مع التغيرات الجديدة بهدف الحفاظ على مكانته الرائدة، مع تعزيز التنمية المستدامة. ويرى الوزير أن الأثر يقاس بمدى القدرة على توفير الطاقة الفعالة وأيضا بمدى المساهمة في الاقتصاد والحد من الانبعاثات.

دحلب: دعم استراتجية سونطراك وتثمينها دوليا

من جهتها، وقفت وزيرة البيئة والطاقات المتجددة، فازية دحلب، بشكل مستفيض لتشرح الواقع والتحديات المناخية، على غرار موجات الحر والفيضانات. واعتبرت الإعلان عن الاستراتيجية المناخية الجديدة لسوناطراك بمثابة «الحدث الهام» في مجال مكافحة تغير المناخ بالجزائر، باعتبارها فاعلا «رئيسيا» في قطاع الطاقة على الصعيدين المحلي والدولي.
وتمثل استراتجية سوناطراك الجديدة خطوة رئيسية في التزام الجزائر بالحد من انبعاثات الغازات الدفيئة والمساهمة في مكافحة تغير المناخ، تضيف دحلب، التي أشارت إلى أن التزام سوناطراك بالتخفيض من الغاز المحروق ودعمها لمختلف المبادرات يمثل «خطوة قوية للحد من انبعاثات الغازات الدفيئة في بلدنا والتي ينبغي دعمها والاستفادة منها في تقاريرنا الدولية، لاسيما في اتفاقية باريس».

حشيشي: إدماج تدريجي لمزيد من الطاقات المتجددة

أما الرئيس المدير العام للمجمع، فقد أكد في كلمته أن سونطراك مدركة للمسؤولية الملقاة على عاتقها بخصوص تحديات التغيرات المناخية، وكذا الدور الذي ينبغي أن تضطلع به في خضم الاستجابة العالمية للمخاطر المناخية، لافتا إلى أن المجمع عازم على توظيف كل القدرات المتاحة للتخفيف من وطأة التغيرات المناخية وحماية البيئة.
وأوضح حشيشي، أن الجهود المبذولة من طرف سونطراك تندرج في إطار التزامات الجزائر برسم الاتفاقية الإطارية للأمم المتحدة بخصوص التغيرات المناخية واتفاق باريس، كما أنها تنصهر ضمن سياق المبادئ التي رافعت لصالحها الجزائر في المحافل الدولية، مثل مبدأ «المسؤولية المشتركة وإن كانت متباينة، ومراعاة القدرات الخاصة بكل دولة في مكافحة الاحتباس الحراري».
ومن أجل ذلك، يواصل حشيشي، فإن سونطراك واعية بحجم الحاجة الملحة للعمل بجدية وتفان من أجل المناخ، معتمدة على مقاربة مسؤولة للمساهمة في التنمية المستدامة. وذكر حشيشي، أن سونطراك عملت على مدار عقود عديدة لأجل التقليل بشكل كبير من حرق الغاز الروتيني، وبدأت في اتخاذ إجراءات للحد من انبعاثات غاز الميثان.
وكشف الرئيس المدير العام لمجمع سونطراك، عن الطموح الأكبر في النصف الثاني من هذا القرن والمتمثل في تحقيق توازن بين انبعاثاتنا من الغازات الدفيئة وبين قدرات إزالتها بواسطة بواليع الكربون. أما في آفاق عام 2030، -يقول حشيشي- فالهدف المسطر هو التقليل من حرق الغاز والانبعاثات الهاربة للميثان إلى مستوى يقترب من الصفر. علما أن سونطراك انضمت إلى مبادرة البنك الدولي والمعروفة باتفاقية «صفر حرق للغاز في المشاعل».
ولتجسيد هذه الأهداف، أكد الرئيس المدير العام لسونطراك، أن استراتجية سونطراك تقوم على ثلاث ركائز أساسية، تتمثل في الاستثمار وتعزيز القدرات ونقل التكنولوجيا والحد من حرق الغاز وانبعاثات الميثان، إلى جانب القيام بإدماج تدريجي لمزيد من الطاقات المتجددة في المزيج الطاقوي الوطني، مع تطوير مجالات عديدة، على غرار الوقود منخفض الكربون والهدروجين الأخضر. كما تهدف الاستراتجية الجديدة للمناخ إلى تحسين الفعالية الطاقوية للمنشآت وتطوير الخزانات الطبيعية، من خلال برنامج تشجير طموح ودراسة الحلول التكنولوجية الأكثر أمانا ونجاعة لاحتجاز الكربون وتفعيل البحث وتعزيز الابتكار.
أما مدير البيئة والصحة والسلامة، فضيل شريف عبد القادر، فقد عرض الاستراتجية وقال إن الجزائر نجحت في الفترة الممتدة من 2020 إلى غاية 2023 في تقليل 22٪ من حجم الغازات، موفرة ما قيمته 1 مليار متر مكعب وتجنبت انبعاث 2 مليوني طن من ثاني أكسيد الكربون.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19524

العدد 19524

الإثنين 22 جويلية 2024
العدد 19523

العدد 19523

الأحد 21 جويلية 2024
العدد 19522

العدد 19522

السبت 20 جويلية 2024
العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024