راهنت على سياسة حكيمة.. الخبير الاقتصادي مدني لخضـر لـ “الشعب”:

الجزائـر..آفــاق النّجـاح الاقتصـادي واسعـة

فضيلة بودريش

 إنشاء هيئة لتسهيل الاستثمارات الأجنبية المباشرة 

ترسانة القوانين الجديدة..الاستثمار  في أمان

 حدّد الخبير الاقتصادي وأستاذ العلوم الاقتصادية، الدكتور مدني لخضر ، أهم معالم توسع الخارطة الاستثمارية الوطنية، وقال إن الجزائر أمام فرصة تاريخية للانخراط في الخارطة الجديدة لسلاسل الإنتاج العالمي، ليقدم واقع الاستثمار وآفاقه المستقبلية مقترحا جملة من الإجراءات في مسار الجزائر الجديدة.

 عرض الخبير الاقتصادي مدني لخضر، بتحليل معمّق، تفاصيل منحى تطور الاستثمار بالجزائر، بفضل إجراءات وتدابير أقرّها رئيس الجمهورية، واستشهد بالأرقام الواردة في آخر تقرير حول الاستثمارات الأجنبية المباشرة، الصادر عن منتدى الأمم المتحدة للتجارة والتنمية لسنة 2024، ليؤكّد أنّ الجزائر شهدت نموا إيجابيا من حيث تدفقات الاستثمارات الأجنبية المباشرة، لتسجّل ارتفاعا بنسبة 377.5 بالمائة، مقارنة بسنتي 2022 و2023، وتنتقل بذلك من 250 مليون دولار إلى 21.1 مليار دولار، إضافة إلى مخزون الاستثمارات الأجنبية المباشرة، الذي انتقل بنسبة 4.3 بالمائة أي من 35.6 مليار دولار، إلى 36.8 مليار دولار، وهذا في وقت تشهد فيه الاستثمارات الأجنبية المباشرة على المستوى العالمي انخفاضا بنسبة 2 بالمائة، لتصل إلى حدود إلى 1.3 ترليون دولار، ويرى الخبير أن هذه الأرقام الإيجابية الخضراء، تسجّل وسط تباطؤ اقتصادي عالمي وتصاعد التوترات الجيوسياسية دوليا، ونفس الانخفاض ذكر الخبير أنّ الدول النامية، تعاني منه، على خلفية أن الاستثمارات الأجنبية المباشرة على مستواها، تجنح إلى الانخفاض بنسبة 7 بالمائة، وإلى نحو 867 مليار دولار، ونفس الوضعية تنطبق على قارة إفريقيا ومنطقة شمال القارة السمراء، معتبرا - في سياق متصل - أن هذا النمو التاريخي المهم للاستثمارات الأجنبية المباشرة بالنسبة للجزائر، يقابله مرحلة تراجع لمناطق أخرى عالميا.

نمو غير مسبوق في الاستثمارات

 ورغم أنّ توجّه الجزائر للاستثمارات الأجنبية المباشرة، جاء منذ ثلاثة عقود، خاصة بعد مرحلة الانفتاح الاقتصادي، لكن ما يتم تسجيله في الوقت الراهن غير مسبوق، يقول الخبير الاقتصادي مدني لخضر، ويضيف أن حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة لم يكن كبيرا، لأن أوروبا كانت تستحوذ - تقريبا - على النسبة الأعلى من المشاريع الاستثمارية الأجنبية، بينما على المستوى القطاعي، لم يكن بالفاعلية المرجوة، غير أنّنا نشهد خلال السنوات الأخيرة - أبرز الخبير - تحولا في مصادر الاستثمارات الأجنبية المباشرة من وإلى مناطق أخرى، مثل الصين وتركيا وقطر، وقال إنها تحقق خطوات جادة في هذا المجال، كما نشهد - في الفترة الأخيرة - محاولة استدراك من الطرف الأوروبي، بين محاولة الموازنة لوضعه التفضيلي في المجال التجاري، ووضعه المتراجع في مجال الاستثمارات الأجنبية المباشرة بالجزائر.
وأثنى الخبير على مرونة مناخ الأعمال الحالي بالجزائر، بفعل جملة من الجهود المبذولة، قادتها إصلاحات عميقة وجدية قامت بها الجزائر، وتمحورت في مجال إصلاح الإطار التشريعي، خاصة النظام المطبق على الاستثمارات، وبصفة أساسية ما جاءت به أحكام قانون 22- 18 المتعلق بالاستثمار والنصوص التطبيقية المتعلقة به، وذكر الخبير - في هذا المقام - أنّنا يمكن أن نقرأ سلسلة من الأهداف من خلال تسريع الاستثمار في النشاطات ذات الأولوية، وتحقيق القيمة المضافة العالية، ونقل التكنولوجيا وخلق فرص العمل، وتحسين القدرة التنافسية للاقتصاد الوطني، مع ترقية القدرات التصديرية.

إعادة تموقع لكبرى الشّركات

  وجاء القانون - حسب تقديرات الخبير مدني - بعد قراءة للوضع الاقتصادي والبيئة الاستثمارية العالمية وتغيراتها التي تمّ إدراجها في مخطط الإنعاش الاقتصادي للفترة الممتدة من 2020 إلى 2024، ومحاولة استهداف الاستفادة من إعادة توطين الأنشطة في القطاعات الإنتاجية برؤية وتوجه عالميين، لأقلمة سلاسل القيمة ومؤشراتها خاصة بعد التوترات التجارية بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين وبين أمريكا وأوروبا، وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، والصدمات الناجمة عن كوفيد-19 والحرب الروسية والأوكرانية، في ظل وجود توجه عالمي لإعادة تموقع الأنشطة الإنتاجية، وهذا كله يمثل فرصة مهمة بالنسبة للدول النامية خاصة الجزائر، من أجل الاستفادة وتحصيل استثمارات أجنبية.
وأشار الدكتور مدني إلى أنّه تمّ خلال السنوات الأخيرة، رصد كثير من الشركات تسعى لمراجعة استراتجيات نقل أنشطتها الإنتاجية، وإعادة تموقعها الجغرافي بالمناطق الأقرب إليها، وهذا يمثل فرصة للجزائر للاندماج في الخريطة الجديدة للإنتاج العالمي والاندماج بشكل أفضل في سلاسل الإنتاج العالمية.
وفي هذا الشق، طمأن الخبير مدني بأن الجزائر من الدول الجاذبة للاستثمارات، على اعتبار أنّ هذه الشركات الرائدة في مجالها، تبحث عن تنويع مصادر التوريد، وتجنب المخاطر المستمرة، بينما تبحث دائما - في التجارة الدولية - في جوارها الجغرافي، عن الدول التي توفر عمالة منخفضة التكلفة، تتمتع بشبكة لبنية تحتية عالية الجودة، ومناخ أعمال مستقر وملائم، وتتوفر على مرونة في سوق العمل، خاصة عبر توفر الرقمنة والانفتاح التجاري.
وأشار الخبير إلى أنّ كل ذلك تعمل عليه الجزائر، بالإضافة إلى الإطار التشريعي لضمان تدفق كبير للاستثمارات الأجنبية المباشرة، فالجزائر تستفيد اقتصاديا، وتحقق مكاسب كبيرة من الناحية الإنتاجية، خاصة بالنسبة لنقل المعرفة وتحويل التكنولوجيا، ونقل الخبرة في مجال التسيير الإداري، وخلق فرص عمل، بالإضافة إلى تطوير وترقية الإنتاج الوطني وتوسيع نطاقه وتحسين الأداء من ناحية الصادرات، ما سيساهم في تجسيد الهدف الاستراتيجي الكبير، المتمثل في تحسين اندماج الاقتصاد الجزائري في سلاسل القيمة العالمية.

تطوير مناطق حرّة لضمان التّسهيلات

 في خضم التّحديات الراهنة، تحدّث الخبير مدني عن وجود منافسة شديدة في جذب الاستثمارات الأجنبية، خاصة مع الجهود المنيرة في مراجعة الإطار التشريعي والتنظيمي، وينتظر أن يدخل حيز التنفيذ القانون النقدي والمصرفي الجزائري لسنة 2023 وخاصة في مجال الدفع والتحويلات والدينار الرقمي، وألحّ محدثنا على ضرورة أن يكون هناك تحول في عملية جذب الاستثمارات من خلال انتهاج سياسة نشطة خاصة باستهداف مجموعات صناعية عالمية تكون رائدة في قطاعاتها، وتوفير كل الظروف والتسهيلات من ناحية البنية التحتية والاستقبال وغير ذلك، إلى جانب وضع حيز التنفيذ قانون المناطق الحرة عبر إنشاء وتطوير مناطق حرة تضمن تسهيلات من ناحية المعالجة الإدارية والسريعة للمعاملات، خاصة العمليات الجمركية، وتوفير فضاء أكثر حرية بالنسبة لوسائل المدفوعات الدولية، إلى جانب كل ما يتعلق بالصرف وتحويلات الأموال، مع السعي إلى تطوير سبل وصول الشركات إلى السوق المالية، مثل العمل على تطوير بورصة الجزائر، والتفكير أكثر في تخفيضات ضريبية على الأرباح للاستثمارات الأجنبية المباشرة، ويمكن - من الناحية الهيكلية - إنشاء هيئة متخصصة تتعامل مع الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وتوفر التسهيلات الإدارية من ناحية المعاملات.
وبخصوص القطاع الصناعي، باعتباره القطاع الأهم الذي يقوم عليه الرهان بعد قطاع الطاقة، أوضح الخبير مدني لخضر، أنه ينبغي الوقوف على ثلاثة أطراف، ويتعلق الأمر بكل من القطاع الصناعي العمومي والقطاع الصناعي الخاص والقطاع الصناعي الأجنبي.

قطاع الصّناعة..عودة مبشّرة

 وفضّل الخبير التّركيز على الإنتاج الصناعي ووضعيته الهيكلية في الاقتصاد الجزائري، ولم يخف أنه ينبغي التسريع والرفع من مساهمته في الناتج الداخلي الخام، وتوسيع استيعابه لليد العاملة، مشيدا بالتوجه القائم في الفترة الأخيرة لدفع القطاع الصناعي، على ضوء مخطط الإنعاش الاقتصادي للفترة الممتدة من 2020 إلى غاية 2024، أما على المستوى الظرفي وخلال الفترة الأخيرة خاصة، استنادا إلى ما تشير إليه الأرقام القياسية للإنتاج الصناعي في الربع الأول من العام الجاري، وبالنسبة للقطاع العمومي، أكّد الخبير تسجيل تطور بزيادة تقدر نسبتها 3 بالمائة، مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي، وفي 2023، قال إنه سجل تحركا للإنتاج الصناعي، وفي الربع الأول، قدرت الزيادة بنحو 6.3 بالمائة، وكل ذلك يشمل قطاع المناجم والبناء والصناعات الغذائية والزراعية والنسيجية والخشبية، مسجلة إشارات إيجابية في ظل تسجيل الانتعاش منذ حوالي سنة وأربعة أشهر.
وعن الأولويات المسطرة خلال هذه المرحلة، تناول الخبير أهمية تكريس المزيد من التطوير والتصحيح لوضعية القطاع الصناعي العمومي، حسبما نصّ عليه تقرير مجلس المحاسبة لعام 2022، ومن خلال تقييم للمؤشرات الاقتصادية والمالية، ونظام تسيير القطاع التجاري العمومي، وقال مدني إن الأهداف المرسومة ينبغي أن تتجسّد، لأن الجزائر عازمة على الرفع من ربحية القطاع العمومي أكثر، وتفعيل مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي، وبخصوص توصيات التقرير، يرى بأنها مهمة كونها تمثل ضمان أداء أفضل للقطاع الصناعي العمومي.

أولويات الاقتصاد الوطني

 وبالنسبة للقطاع الخاص الصناعي، قدّم الخبير قراءة في آخر إحصائيات وزارة الصناعة، موضّحا في سياق متصل، أن شبكة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة نمت بنسبة أكثر من 5 بالمائة في عام 2022، ووصل عددها إلى 1.3 مليون مؤسسة، وأشار الدكتور إلى أن هذه المؤسسات، أغلبها منتهية الصغر، وتشغل أكثر من 3.3 مليون عامل، غير أن مجالات نشاطها، تتمركز أكثر وبشكل رئيسي في مجال الخدمات والبناء والأشغال العمومية، بنسبة 56 بالمائة، أما في المجال الصناعي فإن النسبة تناهز 8.5 بالمائة من المؤسسات الصغيرة والمتوسطة ذات طبيعة صناعية، ولذا يسجل متوسط 30 مؤسسة لكل 1000 نسمة، وألح الخبير على أهمية رفعها إلى 50 مؤسسة.
ومن بين المقترحات التي أثارها الخبير، بهدف تسريع وتيرة أداء المنظومة الاقتصادية، وقف عند أهمية تبني سياسة شاملة، تأخذ بعين الاعتبار الارتباطات بجميع القطاعات، ذات صلة بالقطاعات الاقتصادية الأخرى، والبنية التحتية وترتيب الأولوية بالنسبة للقطاعات والشعب التي يجب أن تقوم على أساس علمي من خلال دراسة المزايا النسبية، في ظل تسجيل تطور بالمجال من خلال تحديد أولويات التنويع الاقتصادي، وهذا ما يسمى بفضاءات المنتوج، واستعمال ما يسمى بمؤشر التعقيد الاقتصادي.
ودافع الخبير عن رؤيته المتمثلة في ضرورة تحديد المنتجات ذات الإمكانيات من الناحية الإنتاجية والتصديرية، وأن يقوم على أسس علمية في رسم هذه الأولويات، وهذا ما تجسّد خلال بالأربع سنوات الأخيرة، لأنه تمّ تسجيل قطاعات ذات الأولوية في مخطط الإنعاش الاقتصادي وجاري العمل عليها حاليا، سواء في قطاع الفلاحة والصناعات الغذائية، إلى جانب التعدين وصناعة الدواء والبناء والأشغال العمومية، لكن حان الوقت - استطرد الخبير - للذهاب إلى مرحلة أدق، والمتمثلة في تحديد المنتجات ذات الأولوية، في ظل وجود دراسة لمنتدى الأمم المتحدة للتجارة والتنمية، تحدّد المنتجات ذات الأولوية للاقتصاد الجزائري، وتتعلق بمجال تطوير الصناعات الغذائية والأدوية والبتروكيماويات والبلاستيك وتدوير النفايات، ويتوقع أن تكون لهذه المنتجات آثار في المرحلة المقبلة، على خلفية أن القيمة السوقية لتدوير النفايات ارتفعت في الجزائر من 92 مليار دينار في 2020 إلى 207 مليار في 2023، ويعد مجالا مهما بيئيا واقتصاديا، وخاصة في ظل توجه القطاع لنهج الإدارة المندمجة والمتكاملة للنفايات، وفي الوقت الراهن، تعد إحدى أولويات الحكومة، ولكن تحتاج إلى إنشاء الصناعات لمعالجة المنتجات القابلة للاسترداد، لأنّ له آثار على التشغيل والبيئة، إلى جانب الاستمرار في الدفع السريع لعجلة القطاعات الإستراتجية الأخرى.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19635

العدد 19635

الجمعة 29 نوفمبر 2024
العدد 19634

العدد 19634

الأربعاء 27 نوفمبر 2024
العدد 19633

العدد 19633

الثلاثاء 26 نوفمبر 2024
العدد 19632

العدد 19632

الإثنين 25 نوفمبر 2024