جسر أفرو-متوسّطي..استقرار تنظيمي ويد عاملة غير مكلّفة..مؤهّلات عالية
الطّاقة والطّاقات المتجدّدة..الجزائر وجهة الشّركات العالمية
ارتفاع الطّلب العالمي على الغاز بـ 25 % آفاق 2060 والرّيادة للجزائر
بعد البترول والغاز..الاستثمار في الطّاقات المتجدّدة لتصدير الهيدروجين والكهرباء
التّحكم في مكوّنات السوق الطاقوية التي أصبحت أكثر ارتباطا بالسياق الجيو-استراتيجي العالمي، صار رهانا مصيريا وفرصة اقتصادية لا ينبغي تفويتها، والجزائر تسعى إلى التكيف مع السياق الدولي والاستجابة - في الوقت نفسه - إلى الطلب الوطني المتزايد على الطاقة، والمساهمة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية للبلاد، من خلال فتح آفاق الاستثمار المحلي والأجنبي في هذا المجال، في ظل حرص رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون على إرساء ركائز الأمن والسلم على الصعيدين الوطني والإقليمي، بما هو شرط أساسي لبناء شراكات متعددة الجنسيات دون تمييز بينها، ما دام المعيار الأساسي هو الندية والربحية المتبادلة.
أبدى الخبير في الشأن الطاقوي، بغداد مندوش، ارتياحه للاهتمام الأجنبي المتزايد بالاستثمار في الجزائر خلال السنوات الأخيرة، خاصة بعد صدور قانون الاستثمار 18/22، كتتويج لجهود رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، من أجل خلق مناخ استثماري آمن لا يقل عن 10 سنوات كضمان للمستثمر الأجنبي والمحلي، وحمايته من عدم الاستقرار التشريعي المتسبب في تعطيل وكبح المشاريع الاستثمارية، مؤكدا أن المشهد الاقتصادي الوطني يشهد تسابقا تنافسيا للظفر بالصفقات الدولية التي تطرحها الجزائر في مختلف القطاعات الاقتصادية الصناعية والفلاحية والطاقوية، فبالنسبة لقطاع الطاقة تحديدا المحروقات - يقول مندوش - سجل ديناميكية كبيرة في عقد الشراكات مع شركات عملاقة رائدة في مجال البترول والغاز، بينها مركّب “إيني”الإيطالي وشركة “توتال” الفرنسية وشركة “ستات أوويل” النرويجية، والعملاقين الأمريكيين في مجال المحروقات “شيفرون” و«إكسون موبايل”.
مع الكبار..
ومن باب التفصيل، تطرّق مندوش إلى بعض العقود التي تم إبرامها في مجال استكشاف واستغلال البترول والغاز، وإنتاج الطاقات المتجددة بين سوناطراك وبعض الشركات النفطية العالمية، كاتفاقية الشراكة المبرمة مع مركب “إيني” في مجال الاستكشاف والاستغلال وتوسيع حقول الغاز، بمنطقة حاسي بركين التي شهدت تعاونا مكثفا بين الطرفين الجزائري والإيطالي خلال الثلاث سنوات الأخيرة، إلى جانب عقد شراكة في مجال إنتاج وتطوير الطاقة المتجددة وتصنيع الهيدروجين، حيث تسعى سوناطراك إلى تزويد منشآتها القاعدية، وقواعد الحياة التابعة لها بالجنوب، بالكهرباء المنتجة انطلاقا من الطاقة الشمسية، وتصدير الفائض منها إلى الدول الأوروبية، في إطار الإستراتيجية الاستثمارية لسوناطراك التي أبرمت عقدا مع “إيني” من أجل إنتاج الهيدروجين كطاقة مستقبلية، سيتم نقله نحو إيطاليا في مرحلة أولى عبر أنبوب الغاز “ترنسماد”، ثم عبر الأنبوب العابر للصحراء “نيغال” فور دخوله حيز الاستغلال في مرحلة ثانية، ممّا سيمكّن أوروبا من تنويع مصادرها الطاقوية.
واغتنم المتحدث الفرصة للتنويه بالعلاقات الجزائرية - الإيطالية، ومدى التوافق الدبلوماسي والاقتصادي الذي يجمعهما عبر التاريخ، تعكسه الزيارات المتبادلة لرئيسي البلدين، آخرها زيارة رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون إلى إيطاليا في إطار اجتماع مجموعة كبار مصنعي العالم (G7)، أين تمكّنت الجزائر من إبرام أكبر صفقة في مجال الفلاحة وإنتاج الحبوب والبقوليات بالصحراء الجزائرية.
تسابق إلى الوجهة الجزائرية
بالعودة إلى الحديث عن الاستثمارات الطاقوية، أوضح مندوش أن مركب “إيني” الإيطالي يعتبر أول مستثمر بالجزائر من حيث حجم الاستثمارات، أما “اكسون موبايل” الأمريكية، فقد ظفرت بعقد استكشاف واستغلال الغاز، وبالنظر إلى خبرة العملاقين الأمريكيين في مجال التكنولوجيا الطاقوية، خاصة ما تعلق بعملية تقليص ثاني أوكسيد الكربون من الغاز، ممّا سيسمح بنقل المعرفة والتكنولوجيا الأمريكية إلى الجزائر، وتطوير مهارات إطاراتها في هذا المجال.
من جهة أخرى، أبرمت “شيفرون” عقود استكشاف واستغلال الغاز، لأول مرة بالجزائر، ويتوقّع مندوش أن تلتحق بها شركات نفطية عالمية أخرى، ستجعل من الجزائر الأولى عالميا في مجال إنتاج وتصدير الغاز، في هذا الصدد كان رئيس الجمهورية - يقول المتحدث - قد صرّح بمضاعفة كمية الغاز المصدرة إلى 100 مليار متر مكعب غضون 2027. وبعث الاستثمارات الطاقوية المحلية والأجنبية.
وفي ظل تسابق كبير للشركات الاقتصادية للاستثمار بالجزائر، حيث كانت مصادر إعلامية، قد تحدّثت الأسبوع الفارط عن المناقصة الدولية التي أطلقتها الشركة الوطنية النفطية “النفط” التابعة لوزارة الطاقة والمناجم، متعلقة باستكشاف واستغلال المحروقات بمناطق من جنوبنا الكبير على غرار منطقة حاسي مسعود، حاسي بركين، تمنراست، أدرار، منطقة توات، عين أميناس، الأغواط، إضافة إلى حوض البحر المتوسط أين تجري عملية تنقيب واسعة بأعالي البحار نواحي تلمسان، مستغانم، عنابة وجيجل، يرى الخبير الطاقوي أن هذا الاهتمام الذي أبدته الشركات العالمية الكبرى، كان وليد استطلاع مطوّل ودراسة معمقة من طرف هذه الأخيرة للسوق الجزائرية ومعطياتها التي تستجيب في مجملها لمعايير البيئة الاستثمارية الأنسب لمشاريع ضخمة طويلة الأمد، كالاستكشافات النفطية ونقل وتكرير الغاز وغيرها، حيث توفّر الجزائر لشركائها مناخا استثماريا مستقرا من حيث التشريعات المعمول بها دوليا، إضافة إلى القوانين المعمول بها في مجال الطاقة. في هذا الصدد، ثمّن بغداد مندوش ما جاء به قانون المحروقات 2019، من خلال منحه امتيازات جد محفزة للشركاء من حيث نسبة الضرائب ونوعية العقود الممكن إبرامها مع الشركة الجزائرية للمحروقات “سونطراك”، وهي 04 أنواع، أهمها عقد تقسيم الإنتاج، أحد أنواع العقود المعمول بها في 90 % من الدول المنتجة والمصدرة للمحروقات.
فرصة لا تُفوّت
بالرجوع إلى الإحصائيات المقدمة من طرف الوكالة العالمية للطاقة والوكالة الأمريكية للمعلومات الطاقوية، وبالاستناد إلى تحاليل واستشرافات الخبراء والمحللين الطاقويين بكل من منظمة ‘أوبك” ومنتدى الدول المصدرة للغاز التي أجمعت على مستقبل طاقوي منتعش، سيزداد خلاله الطلب العالمي على الغاز بنسبة يتوقع أن تصل إلى 25 % آفاق 2060، كما يتوقّع الخبير الطاقوي أن تنتعش الاستثمارات الطاقوية في مجال إنتاج الكهرباء التي يتوقع أن يزداد الطلب الأوروبي عليها. وعلى ذكر الشريك الأوروبي، أشار المتحدث إلى المكانة الإستراتيجية التي اكتسبتها إيطاليا كبطارية طاقوية تضمن توزيع الغاز نحو البلدان الأوروبية المجاورة، قدوما من الجزائر عبر خط أنبوب “روماد”. وفي هذا الإطار كانت كل من ألمانيا والنمسا، من خلال شركاتها النفطية، قد قامت بإبرام عقود مع الشركة الجزائرية “سوناطراك” في مجال تصدير الغاز الجزائري. وفتح الخبير الطاقوي قوسا ليذكّر بمكانة الغاز المستقبلية كطاقة نظيفة تستجيب لمعايير وتوجيهات الندوات العالمية المنظمة من طرف منظمة الأمم المتحدة.
في السياق، أشار بغداد مندوش إلى التقرير الأخير للإتحاد العالمي للغاز، الذي صنفت الجزائر بموجبه في المرتبة السابعة عالميا من حيث كمية الغاز المصدرة، مذكّرا ببعض زبائنها حيث تأتي تركيا في المرتبة الأولى، تليها فرنسا ثم إيطاليا، وبعدها إسبانيا والصين، مما يدفع بتوقع ازدياد اهتمام الشركات من الجنسيات المذكورة سالفا، بالاستثمارات الطاقوية في الجزائر، خلال 20 سنة المقبلة، تزامنا وازدياد الطلب على هذا المورد الحيوي، خاصة على مستوى المنطقة الآسيوية تحديدا الصين، ماليزيا واليابان.
الطّاقات المتجدّدة ضمن الإستراتيجية
من جهة أخرى، وإضافة إلى المؤهلات الطبيعية للجزائر من الموارد الطاقوية، والاستقرار التنظيمي، تطرّق المتحدث إلى عامل مهم يتمثل في الإمكانات المالية، حيث تتوفر الخزينة العمومية اليوم - بعد جملة الإجراءات الرشيدة المستمدة من المقاربة الاقتصادية التي أقرها رئيس الجمهورية - على 70 مليار دولار، ما يجعلها في موقع قوة وأمان بالنسبة لبعث الاستثمارات وتأمين تمويلات كافية لمشاريع ضخمة.
في سياق ذي صلة، عرج مندوش على مجال الطاقات المتجددة، كمحور رئيسي للاستثمارات المستقبلية، مشيرا إلى أنه قد تم إنشاء 22 محطة كهرو-ضوئية من طرف شركة سونلغاز، بسعة إجمالية مقدرة بـ344 ميغاواط، بالإضافة إلى إطلاق مشاريع تهجين محطات الديزل بـ 50 ميغاواط للطاقات الشمسية، حيث دخلت المحطات الأولى حيز التنفيذ ما بين 2021 - 2023، ليصل الإنتاج إلى 505 ميغاواط عبر كامل التراب الوطني. وتعمل السلطات العمومية من خلال سونلغاز إلى تحقيق 15000 ميغاواط بوتيرة متسارعة عبر أكثر من 40 ولاية، وذلك قبل نهاية العشرية الحالية.