المحلّل الاقتصادي الدكتور عمر هارون:

انخفاض إيرادات الجباية البترولية دفع إلى «التقشف»

فتيحة كلواز

طغى «التقشف» على مشروع قانون المالية 2021 ، بسبب انخفاض إيرادات الجباية البترولية والجباية المحلية، حسب ما ذكره الخبير الاقتصادي الدكتور عمر هارون خاصة في جانب التجهيز والاستثمار.

وأكد د.هارون في اتصال مع «الشعب»، التزام الدولة بدفع ميزانية التسيير خصوصا الأجور وميزانية الدعم الاجتماعي، مع ارتفاع طفيف للأسعار، مع إمكانية زيادة سعر المحروقات والكهرباء من اجل معادلة مصاريف الدولة.
وكشف أن اكبر مشكل ستواجهه الجزائر في السنة المقبلة هو ارتفاع عجز الموازنة، في المقابل أوضح أن المعادن النفيسة، الأتربة النادرة والمواد المشعة لجلب العملة الصعبة.
يؤكد الخبير الاقتصادي هارون، أن 40 بالمائة من الإيرادات المخصصة لقانون المالية، من الجباية البترولية و60 بالمائة من الجباية الداخلية، لذلك  ستكون 2021 سنة استثنائية نظرا للآثار التي خلفها كوفيد-19، ولتراجع سعر المحروقات إلى أقل من 40 دولار للبرميل الواحد، خاصة وأن توقعات 2021 لن تتجاوز 50 دولارا على أقصى تقدير، ما سينعكس سلبا على عائدات الجزائر التي ستتراجع تراجعا محسوسا يتراوح بين 20 إلى 25 مليار دولار وقد تكون أقل من ذلك.
في هذا الإطار، كشف المتحدث أن الجباية الداخلية ستتأثر بشكل ملحوظ  بسبب تراجع النشاط الداخلي، ويشهد نشاط  أغلب المؤسسات تذبذبا، خاصة وأن الأزمة الصحية الاستثنائية التي تعرفها الجزائر دخلت الموجة الثانية، ما سيؤثر على النشاط الاقتصادي بشكل عام، ويتسبب في تراجع عائدات الدولة من الجباية الداخلية.
 كل هذه المعطيات ستضع الدولة أمام مشكلة حقيقية، تتمثل في تراجع الإيرادات في ظل ارتفاع النفقات العمومية، خاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار أن الدولة ملزمة بمنح تعويضات للتجار والمؤسسات الاقتصادية وكذا المواطنين، بتقديمها للدعم الاجتماعي الملزمة به في المرحلة القادمة.

آليات جديدة لتعويض ميزانية التجهيز و التسيير

كل هذه المعطيات، حسب الدكتور عمر هارون، ستجعل من قانون المالية للسنة القادمة متقشفا، خاصة في جانب التجهيز والاستثمار، في ظل ضرورة مراجعة  الدولة لميزانيتهما نظرا لتراجع عوائدها بشكل كبير، وكذا التزامها بدفع ميزانية التسيير خصوصا الأجور وميزانية الدعم الاجتماعي.
 لذلك على الدولة أن تعمل على إيجاد تقنيات جديدة لتعويض الميزانية المخصصة في للتجهيز والاستثمار، وهذا من خلال ربط الاستثمار الخاص بما يعرف بعقود  الـبوت «bot «، وهي شكل من أشكال تمويل المشاريع، الذي تمنح بموجبه الدولة مستثمر أو مجموعة من المستثمرين امتيازا لتمويل وتنفيذ مشروع معين، ثم تشغيله واستغلاله تجاريا لمدة زمنية، عند نهايتها يرد المشروع إلى الدولة.
كما يعتبر هذا النوع من العقود أحد الطرق غير المباشرة التي تتبعها الإدارة للمرافق العامة الصناعية والتجارية.
والغاية من اعتمادها هي الاستفادة من موارد القطاع الخاص، بغية إنشاء البنى التحتية دون الحاجة إلى تحميل موازنة الدولة هذه الأعباء المالية، أو دون حاجة إلى الدين العام.
من جهة أخرى، فإن اللجوء إلى عقود الـ»bot « يساعد على اجتذاب رؤوس الأموال الأجنبية، أو عقود «pcp» وهي  الشراكة بين القطاع الخاص والعام، ليحل محل الاستثمارات العمومية تقدم للمواطن استثمارات عمومية قادرة على تحسين المناخ الذي يعيش فيه، كوضع خطط للترامواي داخل المدن أو لتوسعة الميترو أو إقامة الطرق السيارة.
أما البلديات فيمكنها أن تساعد المؤسسات الخاصة في انجاز بعض الأسواق العمومية أو إنجاز المرافق العامة كمواقف السيارات، تعود إيراداتها بنسبة مئوية معينة إلى الجانب الخاص.
وقال عمر هارون إن الحديث عن قانون المالية 2021 يحيلنا إلى قضية مهمة جدا، تخص دعم الاستثمار الخاص من خلال بعث قانون الاستثمار، وإعفاءات جبائية وكذا تخفيف البعد البيروقراطي الإداري الموجود في الكثير من الإدارات.
بالإضافة إلى تسهيل عملية إنشاء المؤسسات ببعث صندوق دعم الشركات الناشئة، كل هذه النقاط ستدعم القطاع الخاص ما سيخلق عوائد جديدة للدولة، دون إغفال ضرورة مراجعة دور «اونساج» و «أونجام» و «كناك» بوضع  رؤية جديدة تعطيها البعد الاقتصادي وليس الاجتماعي.

ارتفاع طفيف للأسعار

بالنسبة لارتفاع الأسعار بصفة عامة، قال الخبير الاقتصادي إن امتلاك الدولة لاحتياطي الصرف يغطي حوالي 16 إلى 18 شهر من الاستيراد سيجعل ارتفاعها طفيفا، مع إمكانية زيادة في سعر المحروقات والكهرباء من اجل معادلة مصاريف الدولة، لكنها لن تكون كبيرة بل متوسطة تتراوح بين دينار واحد و 5 دنانير، لمرافقة ميزانية الدولة.
لكن كل هذه المعطيات تبقى حبيسة أو رهينة ارتفاع أو انخفاض أسعار المحروقات، فإن حدث انخفاض أسعارها في منتصف السنة، سيفرض إعادة النظر في الإجراءات المتخذة في قانون مالية تكميلي باتخاذ إجراءات أكثر تقشفا، أما إذا ارتفعت أسعارها خاصة ونحن في فصل الشتاء فسنشهد قانون مالية تكميلي يدعم الأسعار، الاستثمار، وينفس أكثر الاستثمار العمومي والتجهيزات العمومية.
وأوضح في هذا الصدد، أن أكبر مشكلة ستعانيها الجزائر السنة المقبلة، ارتباط الكثير من المؤسسات الخاصة بميزانية الدولة وما تطلقه الدولة والمؤسسات العمومية والهيئات الإدارية من صفقات عمومية، ستشهد تقلصا كبيرا في رقم أعمالها، لأن الدولة والإدارات العمومية ستقلص من ميزانية التجهيز، ما سيؤدي إلى مشاكل في المؤسسات الخاصة، متأسفا في ذات الوقت على كون ميزانية الدولة هي المحرك الأساسي لعجلة الاقتصاد الوطني، لذلك يجب أن نتخلص منها مستقبلا.
وقال المتحدث، إن تأثر الجبهة الاجتماعية مرهون بخطة الحكومة مستقبلية، لأنها ستعمل كل ما في وسعها حتى لا تتأثر، لاعتماد الجزائر رأسمالية اجتماعية، لذلك ستراهن الحكومة على عدم المساس بالدعم الاجتماعي، وستبقي على نفس الحدود الموجودة سابقا مع التوجه إلى فكرة جديدة هي محاولة توجيه الدعم لمستحقيه عوض منحه للجميع، خاصة المواد ذات الاستهلاك الواسع كالحليب، الخبز والسميد.

ارتفاع عجز الموازنة...أكبر مشكل

في مقارنة بين قانون المالية 2020 وقانون المالية 2021، قال الدكتور إن أكبر مشكل سيعرفه الأخير ارتفاع عجز الموازنة الذي رجّح وصوله إلى أرقام لم يعرفها سابقاّ، ستجعل الحكومة تقع في مشاكل كبيرة من بينها ارتفاع الدين الداخلي، الذي سيؤدي  استمراره إلى عجز الدولة عن الالتزام اتجاه المؤسسات العمومية، واتجاه الأفراد، وخاصة المؤسسات الاقتصادية.
فإلى حد الآن الكثير من المشاريع التي انطلقت تم تجميد دفع الأموال إلى أصحابها ما سيؤثر على المؤسسة الاستثمارية المرتبطة مباشرة مع ميزانية الدولة وهو التوجه العام لميزانية الدولة التي ستتخلى مستقبلا على ميزانية التجهيز.
وفي الإطار نفسه، أكد الخبير الاقتصادي أن الأمل موجود في نقطة أساسية متمثلة  قطاع الفلاحة الذي سيقلص دعمه بشكل أكبر فاتورة الإيرادات، لكن يبقى هذا القطاع غير متوازن وفي بداياته، خاصة وأن 2021 ستكون سنة صعبة على الجزائر إذا استمر انخفاض سعر المحروقات بسبب إمكانية انتهاء احتياطي الصرف  بنهاية 2021، ما سيضع الجزائر أمام معضلة كبيرة لأنها تستورد سنويا 30 مليار دولار، أي أنها لن تجد أموالا لاستيراد ما تحتاجه من سلع وخدمات، هذه الحقيقة ستجعل من الاستدانة الخارجية حتمية إذا لم تسارع الحكومة لإيجاد البدائل.

بدائل لجلب العملة الصعبة

في السياق نفسه كشف أن البدائل الجاهزة المتوفرة الآن هي التنقيب عن المعادن النفيسة كالذهب والفضة والأتربة النادرة التي تجلب العملة الصعبة، بالإضافة إلى التوسع في موارد أخرى على غرار المواد المشعة كـ «اليورانيوم»، حيث تعوض 20 أو 30 بالمائة من مداخيل المحروقات في الجزائر.
لكن يبقى هذا الأمر مرهون بالإفراج عن قانون المناجم، وقانون الاستثمار، والقانون الخاص بالمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، لتوضيح التوجه الاقتصادي للحكومة الحالية بدقة، خاصة وأن الجزائر تعرف تراجع أسواقها التقليدية للغاز الطبيعي في ظل المنافسة القطرية والأمريكية ما جعل عائداتها تتراجع بشكل كبير.      

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024
العدد 19519

العدد 19519

الثلاثاء 16 جويلية 2024
العدد 19518

العدد 19518

الإثنين 15 جويلية 2024