بعد الإجراءات الاحترازية وبطء الاقتصاد

نمو وديمومة المؤسّسة مفتاح ترقية القدرة الشّرائية

فضيلة بودريش

لم تقتصر آثار «كوفيد 19» على الجوانب الصحية والاقتصادية، أي على الآلة الإنتاجية التي تباطأت وفي أحيان كثيرة توقفت، نظرا للضرورة القصوى التي كان يتّسم بها الوضع الصحي، وفرض الحجر كإجراء وقائي أولي، لكن في كل ذلك شهدت القدرة الشّرائية تضرّرا بسبب توقف العديد من النشاطات خاصة ما تعلق بالمهن الحرة، ومسّت أيضا المستخدمين النشطين في قطاع النقل، والعمال الذين يشتغلون بأجر يومي، وبعض التجار الذين أجروا محلات تجارية، ولم يمارسوا فيها النشاط الذي كان مقررا ودفعوا مبالغ مالية. إذا كيف تواجه القدرة الشرائية تحديات الفيروس وانكماش الأداء الاقتصادي؟

استفادت  شريحة واسعة من المتقاعدين والعمال من زيادات في المعاشات والأجور، ورغم أن البعض وصفها بالطفيفة والتي ستتآكل سريعا، خاصة بعد الزيادات في أسعار الوقود، والتخوف من رفع أسعار النقل، لكن يرى بعض الخبراء أن الزيادات في أسعار البنزين جاءت رمزية ولا يمكن أن تضر أو تحد من مستوى القدرة الشرائية. صحيح أنّ جائحة كورونا أثّرت كثيرا على القدرة الشرائية لكن التضامن كان حاضرا في إطار تقديم يد المساعدة للأسر المعوزة والفئات الهشة، ودون شك فإن تحسن القدرة الشرائية حلوله ليست بالتضامن أو الدعم من ميزانية الدولة، لأنه في الحقيقة مرتبط بمدى ارتفاع نمو وتطور الاقتصاد، أي ديمومة وتطور المؤسسة الإنتاجية، التي وحدها من توفر الثروة وتفتح مناصب الشغل الدائم وتحسن من مداخيل الأسر، وتحقق الرفاه المنشود.
ومعالجة ملف الرفع من مستوى القدرة الشرائية والحسم في قراراته المصيرية، ينبغي أن يبنى دوما على الحوار بين الشركاء الفاعلين في الحياة الاقتصادية والاجتماعية، ويجب على المؤسسة الخاصة وأرباب العمل أن يشاركوا في هذا المسعى، من خلال منح العامل جميع حقوقه التي ينص عليها القانون، والتصريح به لدى مصالح الضمان الاجتماعي حتى يكون مرتاحا ويشعر بالاستقرار المهني، ويتفرّغ للعمل والعطاء بوتيرة يحتاجها الاقتصاد الوطني في الوقت الراهن. علما أن المتضرّر الأكبر العامل الذي ينشط في القطاع الموازي، ولعل الجائحة كشفت عن تضرر هذه الفئة بعد أن توقف مدخولها اليومي أو الشهري، ولم تجد أمامها ربما غير المال الذي ادخرته في السابق أو اللجوء إلى الاستدانة من الغير.
لا يمكن أن تكون حلول بعيدا عن المقاربة الاقتصادية أي خارج نطاق ترقية الاقتصاد، بعد التأثر بالجائحة وبطء الاقتصاد، لأن مختلف التجارب أثبتت أن  نمو وديمومة المؤسسة يعد مفتاحا حقيقيا لترقية القدرة الشرائية، والتعويل على تكثيف النسيج الصناعي، والانفتاح على المؤسسات الناشئة من شأنه أن يغير وجه الاقتصاد، ويصل الأثر حتى للمنظومة الاجتماعية، حيث يرتفع الاستهلاك، ونشاط الآلة الإنتاجية يتوسع ويتضاعف، وهذا ما يكسبها الديمومة والخبرة التي تقودها دون شك إلى النجاعة وترفع من سقف تنافسيتها في الأسواق الخارجية.
إذا الزيادات في الأجور وتحسن القدرة الشرائية مرتبط كثيرا بوتيرة التنمية، ومدى تلاشي السوق الموازية التي تؤثر كثيرا على النشاط الرسمي وتفرض منافسة غير شريفة، ورغم تأثيرات تفشي الفيروس لكن المنظومة الاقتصادية الجزائرية قادرة على تجاوز الظرف بأقل الخسائر، من خلال تعويض ما تكبدته من أضرار بتكثيف نشاطها في المرحلة المقبلة.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024
العدد 19519

العدد 19519

الثلاثاء 16 جويلية 2024
العدد 19518

العدد 19518

الإثنين 15 جويلية 2024