المجلس الوطني الاقتصادي والاجتماعي

هل يستعيد دوره وتغيير التركيبة البشرية ضرورة

سعيد بن عياد

«مراجعة معايير تمثيل المنظمات والهيئات بما يتوافق مع طبيعة مهام كل طرف بحيث ينبغي إحداث تغيير جذري وعميق داخل التركيبة البشرية للمجلس بما يمنح الفرص لكفاءات جديدة يمكنها أن تساهم في تنشيط الأداء وتحقيق تمثيل حقيقي للبنية الاقتصادية والاجتماعية، بعيدا عن أي احتكار أو تهميش»
ما هي مكانة المجلس الوطني الاقتصادي والاجتماعي في المشهد المؤسساتي الراهن الذي يمر بتحولات عميقة وفقا للمسار الجديد الذي تنتهجه البلاد نحو أفق أكثر تنمية وانسجاما وفعالية لبلوغ أهداف النمو في ظل تحديات محلية وعالمية تستوجب حشد كل الطاقات وتجنيد جميع الموارد المتاحة لتجاوز المنعرج؟.
لقد كان تأسيس هذا الإطار في منتصف التسعينات من أجل أن يكون بمثابة أداة تسمح للسلطات العمومية بإشراف الحكومة بتقييم مدى الأداء وتشخيص الاختلالات وضبط المؤشرات بأكبر حد من الدقة والموضوعية خاصة في مجال الأرقام والإحصائيات وتقييم السياسات العمومية في مختلف ذات الصلة بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية من أجل رسم خيارات ذات جدوى وتتطابق مع الواقع من حيث الاستجابة للتطلعات وإشراك كافة الطاقات في تجسيدها.
كان الرهان على توسيع التمثيل داخل هذا المجلس ليشمل مختال الفئات المهنية والاجتماعية والتنظيمات النقابية إلى جانب ثلة من الخبراء وممثلين عن الهيئات والمؤسسات المعنية بالتنمية في أن يتم الوصول إلى صياغة رؤية نقدية للسياسات العمومية المنتهجة، بما في ذلك ممارسة النقد لعمل الحكومات المتعاقبة من خلال معطيات وأرقام ومؤشرات لا مجال فها لأي إيديولوجيا. وتم بالفعل ممارسة هذا الدور في السنوات الأولى لميلاد المجلس الذي تولى مهامه بكل استقلالية إلى درجة انه وجه في تلك السنوات من خلال تقاريره ونقاشاته انتقادات حادة بلغت درجة أزعجت بعض رؤساء حكومات تلك المرحلة، خاصة في مجال دقة الأرقام وشفافية الإحصائيات.
غير أن هذه الهيئة سرعان ما دخلت مع نهاية التسعينات مرحلة أضفت عليها بعض الخمول مقارنة بسنوات الانطلاقة الأولى، حيث لوحظ تراجع في الأداء وانكماش في الحضور، ماعدا مرحلة يمكن تسجيلها بمناسبة إشراك المجلس الوطني الاقتصادي والاجتماعي في إطلاق مسار للنقاش حول دور المجتمع المدني في تنشيط حركية التنمية، لكنه سرعان ما تعطّل لتضيع فرصة ثمينة تسمح لهذا الفضاء بالمبادرة وممارسة الدور المنوط به حتى وان كان يثير إزعاجا لأطراف تخشى مواجهة النقد، في مرحلة هي أحوج إليه لتسديد التوجهات وتقليص هامش الخطأ في الخيارات.
غير أن ما يعتري المجلس حاليا ويثير حوله جدلا في الأوساط المعنية بنشاطه والقريبة من محيطه عدم تعيين رئيس جديد يتولى مقاليد إدارته ضمن التوجه الحالي ليكون أرضية نقاش مفتوح تساهم في تنمية التحاليل وتوسيع دائرة التشخيص وتقديم التصورات لمعالجة مسائل تعترض مسار التنمية الشاملة، خاصة في المستوى المحلي حيث ينتظر أن يكون للجماعات المحلية وكافة شركائها الدور الأول في إعادة تحريك عجلة التنمية المنسجمة مع الخصوصيات الاقتصادية المحلة والمندمجة في إطار برامج وطنية مرنة وذات أهداف تستند لمؤشرات الواقع.
يقتضي استرجاع مثل هذا الدور، إذا ما صممت السلطات العليا على تفعيله مجددا وفقا لمعايير لا مجال فيها لإعادة بعث هيئة تقوم بدور شكلي أو ثانوي، أن يتم تصحيح معادلة التمثيل ليشمل أوسع نطاق ممكن لفعاليات المجتمع التي تعنى بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية بكافة تشعّباتها وامتداداتها في دواليب المنظومة الاقتصادية والاجتماعية، بحيث يمكن إعادة بناء تركيبة فعالة، ولها ما تقدمه من أفكار ورؤى وتحاليل فيها من الجرأة ما يعطي للمجلس دورا ملموسا يحتاج إليه المشهد الراهن لمرافقة السلطات العمومية في خوض غمار التنمية.
في هذا الإطار من المفيد مراجعة معايير تمثيل المنظمات والهيئات بما يتوافق مع طبيعة مهام كل طرف بحيث ينبغي إحداث تغيير جذري وعميق داخل التركيبة البشرية للمجلس بما يمنح الفرص لكفاءات جديدة يمكنها أن تساهم في تنشيط الأداء وتحقيق تمثيل حقيقي للبنية الاقتصادية والاجتماعية بعيدا عن أي احتكار أو تهميش أو أبوية، في مرحلة لم يعد فيها مجال للتردّد في إحداث قطيعة مع ذهنيات وممارسات أصبحت من الماضي من أجل تحرير مؤسسات وهيئات ومرافق حان الوقت لأن تضخ فيها دماء جديدة تعطيها نفسا مطلوبا في ظل السعي الحثيث لبناء التحول الاقتصادي والاجتماعي على أسس: المبادرة، المنافسة النزيهة والذكاء الإنساني والأكثر أهمية حوكمة إدارة الشأن العام.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024
العدد 19519

العدد 19519

الثلاثاء 16 جويلية 2024
العدد 19518

العدد 19518

الإثنين 15 جويلية 2024