يتساءل أكثر من جانب وربما أولهم العقلاء من أبناء الشعب المغربي عن الغاية من وراء قيام مجموعة يبدو أنها فاقدة للوعي بالاعتداء على مقر قنصلية بلادنا بالدار البيضاء في يوم مقدس لدى الشعب الجزائري ومحل عزة وفخر لدى الشعوب العربية والأحرار في العالم؟. ومن الطبيعي أن العثور على الجواب لا يتطلب كثيرا من العناء، فليس بين الجزائر والمغرب ما يعكر صفو حسن الجوار الإيجابي الذي يعمق من أواصر التقارب والتبادل بين الشعبين في إطار الفضاءات ضمن المعايير والأطر التي لطالما حرصت عليها الجزائر، خاصة من منطلق التاريخ ومسار بناء اتحاد المغرب العربي الذي حلمت به أجيال متعاقبة وناضل من أجله الأوفياء والمخلصون من مناضلي حركات التحرر بالمنطقة.
ولا يمكن بأي شكل من الأشكال تبرير ما صدر عن تلك الشرذمة التي وقعت في المحظور مرتكبة جريمة مخطط لها مسبقا ومدفوعة من جهات رسمية في البلد الجار مثلما نقلته الصور الحية وفي ظل المناخ العدائي الصارخ وغير الأخلاقي الذي اعتمدته وسائل إعلام المملكة إلى درجة عكست هستيريا أصابت حكام المخزن وأدواتهم المضللة للرأي العام المغربي الحامل لهموم داخلية ولم يعد يصدق الاسطوانة المشروخة بادعاء أن الصحراء الغربية مغربية بما يخالف القانون الدولي وتوصيات الأمم المتحدة.
ذلك الاعتداء الحقير الذي ضرب من ورائه منفذوه ومدبروه بالقانون الدولي وقيم الضيافة عرض الحائط وزاد من جبنهم تمزيق العلم الوطني رمز السيادة الوطنية أمام انسحاب المكلفين بحماية المقر الدبلوماسي وتفرج بعضهم في تواطؤ مفضوح مدان بكافة العبارات القوية، لا يخرج عن وجود مخطط يائس للتشويش على مسار الحل الأممي لمشكلة احتلال المغرب للصحراء الغربية، خاصة بعد جولة المبعوث الأممي كريستوفر روس الأخيرة، وعشية جولة كاتب الدولة الأمريكي جون كيري، وفي ظل اتساع دائرة الدعم الإفريقي والعالمي لحق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره عملا بمبدأ تصفية بقايا الاستعمار في القارة السمراء.
وبالإضافة لهذا التشويش على الخيار القانوني والدبلوماسي الشفاف، يبدو أن مدبري جريمة الاعتداء على القنصلية التي تعد بحكم القانون والمعاهدات الدولية امتدادا للسيادة الوطنية، الذين حاولوا يائسين جر الجزائر إلى ميدان لا يمكنها أن تدخل فيه بأي شكل من الأشكال على اعتبار أن مشكلة الصحراء الغربية مسألة تخص المملكة المغربية وجبهة البوليساريو وتندرج معالجتها ضمن أطر الأمم المتحدة على أساس قواعد التفاوض بين الجانبين المعنيين مباشرة بالمسألة.
وفي ضوء المعطيات كل ذلك ليس من تقاليد الجزائريين السقوط في ألاعيب بعض الأوساط المغربية التي تعاني من عقدة التاريخ وتغرق في أوهام يمكن التخلص منها بالعودة إلى جادة الصواب والانخراط بجدية في الحل الأممي لمشكلة مل منها الشعب المغربي التواق لإدراك مستويات متقدمة من التنمية الاقتصادية والبشرية والانخراط كلية في مشروع بناء اتحاد المغرب العربي بمفهوم إيجابي ومنفتح على كافة شعوب المنطقة والالتزام بالشرعية الدولية في إطار حسن الجوار والتعاون.
لقد بذلت الجزائر على مر العقود كل ما في وسعها تجاه إقامة تكتل مغاربي واسع وفعال يرتكز على العنصر البشري المتحرر من عقد الماضي وأوهام بعض الأطراف التي توقف بها الزمن طويلا، وتحكمه المصالح المتوازنة والمشروعة في ظل الاحترام وحسن الجوار، وفي كل مرة يحاول المغرب بدون وجه حق الهروب من الواقع من خلال إثارة أزمات وترويج مغالطات مستنزفا قدرات وموارد يحتاج إليها الشعب المغربي في ظل العولمة الزاحفة تدوس على الشعوب ومقدراتها وترهن أحلامها المشروعة في مستقبل أفضل للأجيال تحصنه التنمية المستدامة التي تحفظ لكل طرف حقوقه وتحصنه في مواجهة اختلالات النظام الاقتصادي العالمي.
ولعل رباطة الجأش التي تميز بها الشعب الجزائري وهو يحيي الذكرى الـ 59 لاندلاع ثورة أول نوفمبر الخالدة التي كانت أحد العوامل البارزة في استقلال المغرب الشقيق تونس الشقيقة من استعمار عنصري وضع كامل مخالبه في الجزائر التي عرف شعبها كيف يقصها ويقتلع حريته واستقلاله بالتضحية والكفاح ومن أبناء الشعبين الشقيقين من ساهم في ذلك المسار، ومن ثمة ما أقدم عليه بعض خلفهم الفاسد يسيء لتاريخهم أكثر مما يسيء للشعب الجزائري المدرك لمعاناة الأشقاء في المغرب الأقصى التواق لدخول عالم جديد لا مجال فيه للعبودية والإهانة.
مخطط يائس للتشويش على مسار الحل الأممي
سعيد بن عياد
شوهد:277 مرة