لم تكن ندوة «المغرب العربي وتحديات العولمة» المنظمة بمنتدى «الشعب» من كنفدرالية إطارات المالية والمحاسبة اعتيادية اكتفي فيها المتدخلون بسرد ما هو موجود في الواقع الثابت والمتغير. لكنها تجاوزت حالة الرتابة والروتين بسبب التنظيم المحكم والحضور النوعي وكذا النقاش المثير الذي وضع الإصبع على نقاط الضعف والاختلالات وقدم اقتراحات حلول ممكنة.
وأجمع الحضور في ذات النقاش على حتمية خروج الاتحاد المغاربي من الوضع الستاتيكي والتراشق الكلامي وتبادل التهم إلى الميدان العملي حيث تذوب فيه الخلافات والاختلافات. وتبدد سوء التفاهم والرؤى المتباعدة المولدة لشحنة التنافر والانقسام.
ويرى أكثر من متدخل أن الاتحاد المغاربي الذي يعد من أقدم التجمعات العالمية وأكثرها جذبا للبناء الوحدوي والتلاحم لا يمكنه أن يبقى خارج الحلقة يعتمد على الأمنيات والآمال في العودة إلى الواجهة قوي بأعضائه المتلاحمين المتآزرين المتحدثين بلغة واحدة حاملين رسالة إلى الآخر بأنهم كتلة سياسية تحمل نفس الانشغال وتتقاسم المصالح والأتعاب دون السقوط في النظرة الضيقة وقاعدة التعالي التي يؤكد من خلالها كل طرف انه أحق من الآخر وأقوى مصداقية.
يكفي إطلاق العنان للمشاريع الاقتصادية والبنى التحتية المؤمنة لحركة الاستثمار والشراكة والبرامج التي تتقاسم فيها الوظائف وتتلاقى الأهداف والغايات لانطلاق البناء السياسي المغاربي السائر بسرعة بطيئة في الزمن الافتراضي العجيب، مقرب المسافات، قاهر الجغرافيا موحد الوحدات السياسية المتباعدة.
يكتفي التحرك افقيا في مسعى البناء المغاربي الحلم المؤجل من سنين في زمن التجمعات الكبرى والتجارب الناجحة في مشارق الأرض ومغاربها.
ففي زمن العولمة الزاحفة الرافضة للبقاء على الهامش على البلدان المغاربية اخذ النماذج الناجحة للوحدات الجغرافية السياسية التي بددت الجليد بين دول عاشت حروبا طاحنة غيرت مجرى التاريخ بالمصالحة والسلم. وعادت إلى واجهة الأحداث أكثر قوة وأمنا وتلاحما. بل صارت «دينامو» الوحدات الكبرى وقلبها النابض على الإطلاق.
المثل تعطيه المانيا وفرنسا اللتان تشكلان قلب الاتحاد الأوروبي وعقله المفكر وقاعدة انطلاق مقترحات النهوض به والخروج من الأزمات مثلما هو الحال مع «أزمة الاورو زون». وهي أزمة أعادت الأصوات الرافضة لمبدأ الاندماج الأوروبي والتلاحم الى الساحة السياسية منتقدة القبول العشوائي لعضوية دول لا تتوفر على مقاييس ومعايير. دول اختير على مزاج سياسي أكثر من معيار النجاعة والقابلية والتأهيل مما خلق فوضى وعجل بانهيار لا زالت تداعياته كبيرة على المجموعة والمتعاملين معها.
من هذه الزاوية ترافع الجزائر لبناء اتحاد مغاربي يلعب الاقتصاد فيه الدور الأساسي تتبعه السياسة لاحقا تماما مثلما اعتمدته أوروبا التي تحولت إلى قطب عالمي بدءا من النواة الأولى للحديد والصلب المتمخضة عن اتفاقية روما أمضتها عام 1957 دول لا تتعدى أصابع الأيدي. وظلت تكبر نتيجة الثقة المتبادلة بين الأعضاء حتى بلغت القمة. هذه التجربة الوحدوية كسبت رهانها منطقة شمال أمريكا حاملة تسمية «الينا».
ولا ننسى ما تقدمه مجموعة «الآسيان» بآسيا التي جعلت من الحدود الجغرافية مصدر التنازع والخلافات عبر السنين منطقة تلاحم وتعاون واضعة السلم فوق كل الحسابات.
من هذه المقاربة يمكن الاتحاد المغاربي يبني نفسه ويجعل من الاختلال قوة انطلاق وقفزة إلى الأمام تصغر أمامها العراقيل ويقوى المشروع الوحدوي ويعلو.
الاتحاد المغاربي يراوح مكانه
الإقتصاد الخيار الأقوى في البناء
فنيدس بن بلة
شوهد:278 مرة