الحوار الاجتماعي قناعة راسخة

سعيد بن عياد
23 فيفري 2018

ترتبط الذكرى المزدوجة ليوم 24 فبراير بتاريخ الجزائر المستقلة بحيث ترمز إلى المسار النقابي الذي تأسس في خضم ثورة التحرير المجيدة بميلاد الاتحاد العام للعمال الجزائريين في 24 فبراير 1956 وإلى تكريس تأميم المحروقات في ذات اليوم من سنة 1971.
ليس غريبا أن يتم إحياء هذه الذكرى ذات الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية في ظل مكاسب وطنية وعمالية تلازمها تطلعات مستقبلية بالرغم من صعوبة الظرف الراهن وثقل التحديات التي تلوح في أفق المشهد الاقتصادي.
لقد شكل الاستقرار التام والشامل قاعدة إسناد لمسار البناء الوطني الذي رافق إنجاز خيار المصالحة الوطنية عقب مرحلة العشرية السوداء التي ألحقت ضررا كبيرا بمقدرات البلاد وعطلت طموحات الجزائريين، لولا أن روح المسؤولية وبعد النظر الذي تحلت به الدولة أسقط المؤامرة التي كان لقوى أجنبية تغذيها روح الانتقام دور فيها.
يحفظ هذا اليوم البارز للأجيال تاريخا طويلا صنعه وطنيون من طينة الكبار النادرين الذين أثبتوا مدى القدرة على تولي الشعب الجزائري مصيره بنفسه سواء من خلال إرساء مسار نقابي جزائري محض يضع المصلحة الوطنية العليا في الصدارة وفقا لتوجهات بناءة ترتكز على قناعات راسخة تجد أثرها في بيان أول نوفمبر بكامل أبعاده الإنسانية والاجتماعية أو استرجاع السيطرة الوطنية على الثروات النفطية لتأمين استقلالية القرار الوطني.
وبالفعل يشكل الاتحاد العام للعمال الجزائريين الإطار النقابي الطلائعي في الساحة متشبعا بقيم ومبادئ ثورة أول نوفمبر التي تضعه على درجة كبيرة من المسؤولية في مواكبة مسيرة البلاد لا كمجرد هيكل مطلبي وإنما كشريك في صياغة وضبط الخيارات. لذلك كان الحوار الاجتماعي على كافة المستويات قناعته الراسخة لما في هذا الأسلوب من مزايا بحيث يسمح بتأمين المكاسب التي تحققت طيلة سنوات ويرسم معالم المستقبل في ضوء تحديات تحمل صعوبات تتطلب التزام اليقظة وتجنيد الموارد الوطنية والمحلية لتجاوزها.
ولا يعتبر الحوار كما تتوهم بعض التنظيمات النقابية التي دخلت في نفق إضرابات غير مسؤولة ترهن حظوظ أجيال كاملة تهربا من المسؤولية أو ضعفا يعتري خيارات كبرى وإنما يمثل آلية حضارية توفر مناخا إيجابيا في مواقع العمل من أجل تخطي محطات صعبة والخروج من دوائر مسدودة وفقا لإرادة جماعية بين الشركاء في عالم الشغل تكون فيها المؤسسة والعامل الرابح الأول والأخير ليس في المدى القصير وإنما في المديين المتوسط والطويل حماية لحقوق لأجيال في التنمية.
وهي الرسالة التي حملتها تأميمات 24 فبراير 1971 بعنوانها العنفواني» قررنا « التي نطق بها الرئيس الراحل هواري بومدين لتتمكن المجموعة الوطنية من تملك ثرواتها الباطنية من المحروقات التي مثلت ولا تزال المصدر الثمين لمداخيل البلاد بالعملة الصعبة وهي اليوم القاطرة التي تدفع إلى بناء التحول الاقتصادي الشامل لمواكبة عولمة الاقتصاد دون أن تفقد الجزائر قيد أنملة قرارها السيادي.
وتستمر اليوم نفس المسيرة بذات العقيدة الاقتصادية والنقابية المتماسكة من أجل عبور جسر الأزمة المالية العالمية في وقت وجيز وبأقل كلفة ممكنة من خلال تجديد الشركاء الاقتصاديين والاجتماعيين الالتزام بثوابت الاقتصادي والاجتماعي للنمو، الذي يرتكز في جوهره على حشد القدرات الوطنية بجميع مكوناتها البشرية والمادية من أجل التنمية المستدامة، مع الحرص الشديد على حماية الاستقرار كمكسب ثمين يوفر الوقاية من الأزمات.
غير أن ما يتميز به اليوم إحياء هذه المحطة الماثلة في الذاكرة الجماعية هو رد الاعتبار لدور المرأة العاملة طيلة سنوات مسار البناء في الحقلين الاقتصادي والنقابي على حد سواء حيث ساهمت ولا تزال في كافة مواقع العمل متصدرة المشهد بامتياز قناعة منها أن كل إضافة إنسانية في دواليب القطاعات الاقتصادية والإدارية من شأنها أن تعزز جانب الإتقان والقدرة التنافسية التي تبقى التحدي الأول والأخير للمؤسسة الجزائرية.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19631

العدد 19631

الأحد 24 نوفمبر 2024
العدد 19630

العدد 19630

السبت 23 نوفمبر 2024
العدد 19629

العدد 19629

الجمعة 22 نوفمبر 2024
العدد 19628

العدد 19628

الأربعاء 20 نوفمبر 2024