تحل اليوم الذكرى 55 لعيد النصر; هذه الذكرى العظيمة التي يجب أن يستحضرها ويتذكرها ويخلدها الجميع; بالنظر لما لها من أثر على استقلال الجزائر.
ذكرى 19 مارس، كشفت أن الجزائر بلد لم يقاوم عسكريا فقط، بل كان وراء المقاومة المسلحة مثقفون ودبلوماسيون وإطارات وجهوا الثورة ومنحوها قيمة مضافة، خاصة في مرحلة المفاوضات مع السلطات الاستعمارية، حيث كان لكريم بلقاسم، رضا مالك، امحمد يزيد، محمد الصديق بن يحي، الطيب بولحروف، علي بومنجل وثلة من أفذاذ الجزائر الذين تمكنوا من طرد الاستعمار بالدبلوماسية وهو ما وقف له العالم منحنيا في 19 مارس 1962، حيث تم إعلان وقف إطلاق النار أو ما يسمى اليوم «عيد النصر».
انطلقت المفاوضات بين وفدي جبهة التحرير الوطني وفرنسا الاستعمارية منذ وصول الاشتراكيين إلى الحكم، خاصة حكومة «غي مولي»، لكن السفاحين الفرنسيين وتجار الدماء أفشلوا كل تلك المفاوضات، لاعتقادهم أن الثورة الجزائرية يقوم بها قطّاع طرق وبعض المنحرفين. لكن استمرار الثورة وتوسّع الاعتراف الدولي بها والتفاف الشعب الجزائري حول جبهة التحرير الوطني وجيشها، جعل فرنسا الاستعمارية بقيادة «ديغول» ترضخ للأمر الواقع واعترفت بالجزائر دولة وبجهة التحرير الوطني الممثل الشرعي الأول للشعب الجزائري، وهو ما دفع مسار المفاوضات نحو الأمام واضطرت فرنسا صاغرة الاعتراف بالجزائر وبسيادتها الكاملة على ترابها بما فيها الصحراء التي حاولت فرنسا بكل الطرق فصلها عن الجزائر، خاصة بعد اكتشاف البترول في 1956.
لقد ميزت مفاوضات إيفيان الكثير من الصعوبات والعراقيل، حيث استماتت فرنسا في سبيل كسر كبرياء الجزائر، لكن حنكة الدبلوماسية الجزائرية عرفت كيف تفتك مكاسب كثيرة مع بعض التنازلات التي صنفها الكثيرون، بمن فيهم المؤرخ احسن زغيدي، في خانة ثمن الاستقلال، حيث كان لترك استغلال فرنسا قاعدة المرسى الكبير وبعض المطارات وإجراء التجارب النووية بالصحراء الجزائرية، ليس خيانة أو تنازلا عن السيادة، بل كان حتمية فرضتها الظروف، موضحا في إحدى المحاضرات التي ألقاها في العاصمة، أنه لا يحق لأيّ أحد تخوين الوفد المفاوض أو التقليل من وطنيته.
جرت مفاوضات إيفيان في ظروف جد صعبة، حتى أن المجاهد الكبير الراحل علي كافي أكد في مذكراته، أن المجاهدين في بعض الولايات أكلوا الحشيش بفعل الحصار الذي ضربته فرنسا بخطي شال وموريس، حيث عانت الثورة في تلك السنوات من قلة السلاح والمؤونة.