لا يمكن الحديث عن منتدى الطاقة واجتماع “أوبك” غير الرسمي وما تمخض عنهما من قرارات مصيرية، دون الإشادة بالدور الذي لعبه رئيس الجمهورية في هذا الموعد الحاسم المصيري، الذي أعطى نتائج عكس التوقعات والتكهنات.
يظهر هذا من خلال تصريحات رؤساء الوفود ومسؤولي المنظمة البترولية، التي تخوض معركة مصيرية لاستعادة وزنها ومكانتها وموقعها المهتز، اعتمادا على خيارات ذاتها وقرارات الأعضاء دون إملاءات الخارج ووصفاته.
أكد هذا الطرح ممثلو مختلف الدول الأعضاء في أوبك وغير الأعضاء الحاضرون بالمنتدى الطاقوي، الذي دق ناقوس الخطر وشدد على حتمية البحث عن بدائل الطاقة وصناعتها وعدم البقاء أسر الظرف والطارئ.
تابع رئيس الجمهورية منذ أولى بوادر الأزمة الوضع وأعطى تعليمات في مجلس الوزراء وقبله، من خلال زيارات ميدانية، بضرورة التحضير للآتي غير الآمن ومواجهة الطارئ بخيارات وطنية تؤمِّن البلاد اضطرابات وتبعدها من أي اهتزاز قد يمس باستقلالية قرارها وتوجه سياستها الوطنية.
وشدد أكثر من مرة، على تحريك البرنامج الوطني للطاقات المتجددة وتفعيل صناعة النفط واستغلال مشتقات المحروقات للتقليل من فاتورة الاستيراد التي تثقل كاهل البلاد وتضغط عليها.
نتساؤل، كما يتساءل غيرنا، لماذا لم ينطلق البرنامج الوطني لاستغلال وتطوير الطاقات المتجددة بالكيفية المطلوبة وينفذ بالوتيرة التي يفرضها التحول، خاصة وأن بلادنا شرعت في هذه التجربة في ثمانينيات القرن الماضي، لكن لم تحقق النتائج المرجوة. ولماذا التحرك وقت الأزمات والعواصف وكل المؤشرات تتحدث عن تراجع أسعار البترول، في ظل تزايد قائمة الدول المالكة لهذه الثروة واتساع عددها، إلى درجة أن التي كانت تستورده باتت منتجة ومصدرة له، مثلما هو الحال مع الولايات المتحدة، التي باتت تنافس كبريات الدول البترولية وتزاحمها في أكبر الأسواق وأكثرها قوة وجاذبية.
الجزائر في هذه الحركية لم تتوقف عن التفكير في البديل الحتمي للمحروقات، شدد عليه الرئيس بوتفليقة بلا توقف وجعل منه خارطة طريق للخروج الأبدي من الوضع غير الطبيعي الذي يؤرق الدول ويرمي بثقله على صانعي السياسات النفطية، الذين هم في حيرة من أمرهم ويلوحون دوما بالتغيير والإصلاحات الهيكلية.
طرح الرئيس بوتفليقة رؤية استشرافية، من خلال البرنامج الوطني للطاقة، وأعطى تعليمات للحكومة للعمل ما في المقدرة من أجل تنفيذ خطة العمل التي يراهن عليها في انتزاع الاستقلال الاقتصادي بعد السياسي، ترتكز على توجيه العناية إلى البدائل الأخرى ممثلة في تنويع الاقتصاد الوطني وبعث حركية في قطاعات الفلاحة، السياحة وتكنولوجيات الاتصال والخدمات التي تحمل مؤشرات النمو وتساهم في توفير مناصب العمل والثروة الدائمة بعيدا عن الريع النفطي.
وعزز هذا المسعى، بإرسال وفود إلى مختلف الدول ترافع من أجل توحيد الصف وتقديم المصلحة المشتركة والخروج من القاعدة السلبية “تخطي راسي” أو “أنا في مأمن من الأزمة”.
رافع رئيس الجمهورية في رسائله إلى مختلف قادة دول أوبك ومنتجي النفط الآخرين، لحتمية العمل معا، اليد في اليد، مساهما في تجفيف منابع الخلافات وتذويب الجليد، مبينا أن أزمة انهيار البترول عميقة وهي ليست عابرة، مثلما يُتَصور، والقرار التوافقي لابد أن ينتصر ويعلو على الأنانيات.
هذه الرسالة غير المشفّرة التي كانت بمثابة ورقة طريق العمل المستقبلي، أقنعت مختلف الأطراف وأعطتها ثقة في التجاوب مع توجهات رئيس الجمهورية صاحب الحنكة الدبلوماسية في إدارة الأزمات وتسييرها بالحوار والمصالحة التي لا تقدر بثمن.
هذه المصالحة التي بادر بها رئيس الجمهورية، أعطت نتائجها بالجزائر، بدول الجوار وبمناطق بعيدة، هي التي انتصرت في منتدى الطاقة واجتماع أبك وتركت أعضاءها يذهبون معا إلى ما هو أصعب وأبعد برؤية مشتركة لا تعترف بالمستحيل.