جيل نوفمبر إنتزع الحرية ورفع الراية

وواجب جيل اليوم بناء الاستقلال الاقتصادي

سعيد بن عياد

دعا ياسف سعدي ـ أحد أبطال معركة الجزائر وقائدها الميداني ـ إلى عدم السقوط في فخ المطالبة بالاعتذار من استعمار فرنسي نهب خيرات الشعب الجزائري ولم يدفع ديونه لمرحلة ما قبل الاستعمار، مؤكدا على أن المطالبة بالتعويض عن تلك الحقبة أفضل مسعى للأجيال ولترسيخ التاريخ الذي يحتفظ للوجود الفرنسي بالجزائر بسجل كله عار من خلال ما ارتكبته جيوش فرنسا الاستعمارية من جرائم فضيعة يندى لها جبين الإنسانية.
ومن منتدى جريدة الشعب أمس قدم عرضا دقيقا حول إضراب الثمانية أيام الذي جمد الحركة والحياة الاقتصادية والاجتماعية في العاصمة عشية طرح القضية أمام الهيئة الأممية وذكر الحضور بما قامت به الجيوش الفرنسية من تعذيب لا حدود له وإرهاق للإنسان الجزائري المثقل بسنوات الاستغلال والاحتقار ولكنه تمسك بالمقاومة بكافة أشكالها للتأ كيد عل رفض الأمر الواقع ومواصلة الثورة ضد استعمار استيطاني وعنصري لم تتوقف منذ أن وطأت أقدام جيوشه أرض بلادنا.
وبلغة الثائر التي لا تعترف بالمجاملة صرح قائلا «لقد دخلت فرنسا بلادنا بالذراع وطردناها بالذراع»، تعبيرا عن عنصر القوة في تلك المعادلة وتصحيحها مقابل فاتورة ثقيلة من الضحايا الجزائريين، ففي تلك الفترة لإضراب الثمانية أيام الذي استجاب له التجار والسكان في ملحمة تضامنية جريئة لم ترهبها أساليب التعذيب والقهر فقدت الجزائر حوالي ٣٠٠ ألف من أبنائها الذين فقدوا في ظروف رتبتها الإدارة الاستعمارية بشهادة فرانسوا ميتران الذي صرح بأن مقابر الجزائريين توجد على مستوى البحر بناحيتي الاميرالية ـ حاليا ـ وتيبازا، حيث كان جنوده يلقون بالجزائريين المعتقلين في البحر بعد ربط أرجلهم بالحجارة لضمان إغراقهم وذلك طبعا بعد إخضاعهم للتعذيب.
لقد انتقلت فرنسا الاستعمارية في مواجهتها للإضراب الذي كسر جدار الصمت وكرس الخيار التحرري للشعب الجزائري إلى ممارسة التعذيب الممنهج غير مكترثة للقيم الإنسانية والشرف الآدمي بهدف كسر روح المقاومة وإجبار الإنسان الجزائري على الخضوع لجلاده وهو ما لم يكن ممكنا في وقت صمم فيه الجزائريون بقيادة مفجري الثورة على المضي قدما على درب الحرية والاستقلال مهما كلف ذلك من تضحيات وكم هي باهضة، وتحول التعذيب إلى ممارسة روتينية من جانب المحتل الذي أطلق العنان لغريزة الكراهية والانتقام والتلذذ بالجريمة التي أضحت مصيرا محتوما لأبناء الأرض بكافة شرائحهم بما في ذلك الأطفال الذين ذاقوا الأمرين من قوات البوليس الفرنسي الاستعماري وجنود المظليين الدمويين وعساكر اللفيف الأجنبي الذين إنهاروا أمام بسالة وإقدام رجالات جيش التحرير الوطني وفدائيي جبهة التحرير الوطني رقم إختلال معادلة القوة العسكرية.
«لقد أنجزنا نصف المهمة وكم تغمرنا السعادة لو ينجز جيل الاستقلال النصف الآخر»، عبارة قالها ياسف سعدي بلسان جيل نوفمبر مبديا الحرص على أن يتم بناء الاستقلال الاقتصادي مثلما حقق جيله الاستقلال السياسي بكل القوة والاعتزاز حينما نهض الشعب الجزائري ملبيا نداء جبهة التحرير الوطني وقيادتها حينذاك لشق طريق الحرية على ما كان من صعاب وتحديات فمن العدم ولدت الثورة ومن لا شيء انطلقت المسيرة فتخلص الجزائري بداية من كابوس الخوف وتحدى عقدة الجهل وبدأ رحلته الأليمة بأبسط الأشياء لكن بكامل الإخلاص والعطاء والتضحية من أجل غاية لا تقدر بالثمن، وهو نفس التحدي اليوم لإرساء الاستقلال الاقتصادي بكل ما يعنيه من أمن غذائي وتحرر من التبعية للغير وللمحروقات وإقامة نمط اجتماعي واستهلاكي جزائري ينسجم مع القيم المحلية بعيدا عن الانسياق وراء نماذج تستنزف مواردنا.
إن المعركة اليوم ـ كما تؤكده صراعات وحروب القوى العالمية الكبرى ـ تدور حول منابع مختلف الموارد الطبيعية ولكن أساسا الموارد البشرية خاصة من خلال نهب الكفاءات بالإغراءات والتشكيك والترويج للإحباط وأن «الجنة» في البلدان الكبرى وهي أحيانا حقيقة يراد بها باطل، وعلى اعتبار أن المصير يهم أجيالا بكاملها لا مناص من الانتقال إلى إذكاء روح ثورة اقتصادية حقيقية تبدأ من صفوف التجار بالعودة إلى تلك الروح الوطنية التي تشبع سلفهم بها فاحتضنوا المواطن والوطن ليعيش الجميع سعداء برد الاعتبار للعمل كقيمة حقيقية للتفوق وليس بالمضاربة والغش والاحتكار.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024
العدد 19519

العدد 19519

الثلاثاء 16 جويلية 2024
العدد 19518

العدد 19518

الإثنين 15 جويلية 2024