شهدت الجزائر، مع احتضانها الطبعة الرابعة لمعرض التجارة البينية الإفريقية، لحظة فارقة في مسار التكامل الاقتصادي القاري، لحظة تؤشّر إلى أنّ الحلم الإفريقي بالنهضة لم يعد مجرّد شعارات، بل بدأ يتجسّد عبر اتفاقيات استثمارية وتجارية بمليارات الدولارات.
في ظرف أيام قلائل، أبرمت الجزائر اتفاقيات كبرى.. الأولى بقيمة 480 مليون دولار لتزويد أسواق غرب إفريقيا بالمعدات الكهربائية الجزائرية، والثانية بقيمة 300 مليون دولار لتزويد نيجيريا بمليوني جهاز دفع إلكتروني.. هاتان الصفقتان ليستا مجرّد عقود تجارية عابرة، بل تحملان دلالات عميقة على صعيد بناء صناعة إفريقية متكاملة، قادرة على التحرّر من التبعية التكنولوجية للأسواق الخارجية.
لقد ألهمت الثورة الجزائرية شعوب القارة في معارك التحرّر السياسي، وها هي اليوم، برؤية الرّئيس عبد المجيد تبون، تلهم إفريقيا في معركة أكثر تعقيدا.. التحرّر الاقتصادي، فالرئيس تبون جعل من السيادة الاقتصادية والصحية والغذائية ركائز لمشروعه الإفريقي، من خلال تعزيز الإنتاج المحلي، وتوسيع التبادل البيني، وخلق شراكات استراتيجية قادرة على الصمود أمام التحولات العالمية.
هذه الرؤية الحصيفة لمستقبل الجزائر المنتصرة، تحولت إلى نتائج ملموسة.. مصانع جزائرية تصدّر معدات كهربائية إلى السنغال وكوت ديفوار، واستثمارات بقيمة 180 مليون دولار لتشييد وحدات صناعية محلية هناك، بما يعزّز مبدأ “التصنيع في إفريقيا ولإفريقيا”، كما أنّ تزويد نيجيريا بملايين أجهزة الدفع الإلكتروني يضع الجزائر في قلب الثورة الرّقمية القارية، ويؤكّد أنّ التكنولوجيا الجزائرية باتت منافساً موثوقاً في السوق الإفريقية.
ما يميّز هذه الديناميكية، أنها تأتي في سياق إفريقي متعطّش للحلول التنموية. فالقارة التي تضم 1.4 مليار نسمة، وتحتوي على ثروات هائلة، لا تزال تساهم بنسبة ضئيلة من الناتج الصناعي العالمي، ومن هنا، فإنّ رهان الجزائر على بناء شراكات جنوب-جنوب، بعيداً عن الارتهان للأسواق العالمية، يمثّل خياراً استراتيجيا لتأسيس استقلال اقتصادي حقيقي.تتجاوز أهمية هذه الاتفاقيات بعدها التجاري، لتكشف عن مكانة الجزائر المتنامية كدولة قائدة في إفريقيا، فمن خلال تنظيمها لهذا الحدث القاري بمشاركة 140 دولة وأكثر من ألفي مؤسّسة، أكّدت الجزائر أنها ليست مجرّد طرف اقتصادي، بل مركز قرار يُسهم في صياغة مستقبل القارّة. هذا ينسجم مع رؤية الرّئيس تبون، الذي ما فتئ يؤكّد أنّ الجزائر ستكون شريكاً أساسياً في النهضة الإفريقية الجديدة.
إنّ هذه النجاحات لا تختصر فقط في الأرقام، بل في الثقة التي تولّدها بين شعوب القارّة، فاليوم، لم يعد الحلم الإفريقي بخلق سوق موحّدة أو صناعة مشتركة بعيد المنال، بل أصبح قابلاً للتحقّق بفضل الإرادة السياسية، والقيادة الحكيمة، والمشاريع الاستثمارية التي تحمل في طياتها بذور الاستقلالية والازدهار.
إنّ رؤية الرّئيس تبون لمستقبل إفريقيا، والمبنية على التكامل الاقتصادي وتعزيز الإنتاج المحلي، تمثل خارطة طريق حقيقية لتحويل القارّة إلى قوة اقتصادية وازنة. وما تحقّق في معرض التجارة البينية الإفريقية بالجزائر، ليس إلا خطوة أولى في مسار طويل، لكنه واعد، نحو بناء قارة متحرّرة اقتصادياً، متماسكة تنموياً، ومؤثّرة عالمياً.