استجابة عمليـة لانشغالات المواطنين..خـبراء ومختصّـون لـ”الشعـب”:

إصلاحات جذرية في قطاع النقل..الدولة تحمي أبناءها

خالدة بن تركي

تحديـث التشريعـات ومراجعــــة منظومــة التكويــن لضمــان سلامــة الأرواح

ثمّن خبراء ومختصون في السلامة المرورية القرارات الأخيرة الصادرة عن الاجتماع الذي ترأسه رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون الخاص بقطاع النقل، واعتبروا أن هذه الخطوة تمثل استجابة عملية لانشغالات المواطنين التي برزت في الآونة الأخيرة، خاصة في ظل تفاقم حوادث المرور، وارتفاع تكاليف النقل، وندرة قطع الغيار، فضلا عن التحديات المرتبطة بمسؤولية السائقين وجودة تكوينهم.

اتفق المختصون على أن هذه القرارات تمثل خطوة أساسية نحو إصلاح عميق لقطاع النقل، إذ تفتح الباب أمام نقاش واسع حول تجديد حظيرة النقل، وتحسين منظومة التكوين والتأهيل، ونشر ثقافة السلامة المرورية، فالنقل لم يعد مجرد خدمة اقتصادية، بل أصبح رهانا استراتيجيا يرتبط مباشرة بالأمن الاجتماعي والتنمية المستدامة.

تجديــــد الحظــيرة

بدوره أكد الخبير والباحث الدولي في السلامة المرورية، الدكتور امحمد كواش، في تصريح لـ “الشعب”، دعمه لقرارات اجتماع رئيس الجمهورية المتعلقة بقطاع النقل، خاصة ما يتعلق باستيراد 10 آلاف حافلة جديدة، واعتبر أن هذه الخطوة إيجابية، لأنها تندرج في إطار تجديد حظيرة النقل التي شهدت في السنوات الأخيرة تراجعا كبيرا ولم تعد تواكب متطلبات النقل الحديثة.
وأوضح أن استيراد حافلات حديثة سيساهم في تطوير نظام النقل بالجزائر، من خلال رفع مستوى الأمن والسلامة، وتوفير مزيد من الراحة للمواطنين. كما أشار إلى أن هذه الحافلات صديقة للبيئة، إذ صممت وفق المعايير العالمية وتتميز بانبعاثات منخفضة، مما يجعلها خيارا أفضل لحماية البيئة وتحسين جودة الحياة.
وأثبتت الدراسات أن جزءا كبيرا من المركبات يسير اليوم بعجلات ملساء، وهو ما يشكل خطرا مباشرا على السلامة المرورية. وزادت المشكلة بسبب ندرة العجلات بمختلف أنواعها، مما دفع العديد من السائقين إلى استعمال عجلات غير قانونية أو غير مطابقة للمعايير، حيث تزود بعض المركبات بعدة أنواع مختلفة من العجلات، وهو ما يقلل من مستوى الأمان.
هذا الوضع أجبر بعض السائقين على الاستمرار في استخدام العجلات الملساء، رغم أنها تتعارض مع شروط السلامة، لأنها تؤثر على توازن المركبة ونظام الكبح والتحكم، وترفع من احتمالية وقوع الحوادث. فالعجلات الملساء تزيد من مسافة التوقف وتضعف التحكم خاصة في الطقس الحار أو خلال فصل الشتاء، وتكون أخطر بكثير على حافلات النقل الجماعي.
ومن هنا تأتي أهمية استيراد مختلف أنواع العجلات لتجديد مركبات المواطنين والقضاء على الندرة والاحتكار، بما يشجع على استعمال عجلات مطابقة لشروط السلامة، ويعزز الأمن على الطرق ويساهم في تقليص حوادث المرور.

تنظيم جديد لحركة المرور

كما أوضح الخبير في السلامة المرورية بخصوص إدخال تنظيم جديد يخص حركة المرور وطرق تسليم رخص السياقة، أن إحصائيات حوادث المرور، الصادرة عن عدة جهات مختصة، كشفت عن وجود تجاوزات كبيرة ونقص واضح في نوعية التكوين، سواء من حيث ظروف التدريب أو غياب حظائر مخصصة للامتحانات، إضافة إلى مسؤولية مدارس تعليم السياقة.
ولهذا شدد الخبير على أهمية مراجعة تكوين السائقين، حتى تكون عملية الحصول على رخصة السياقة مبنية على أسس صحيحة، سواء بالنسبة للسائقين المحترفين أو العاديين. كما أكد على ضرورة إدراج مفاهيم السياقة الدفاعية والوقائية ضمن برامج التكوين، بما يضمن رفع مستوى السلامة على الطرقات.
وأكد أيضا على ضرورة تنظيم حركة المرور لما لذلك من أهمية في مواجهة الفوضى اليومية، مثل الركن العشوائي والتوقف غير المنظم والاختناقات المتكررة. موضحا أن وضع قوانين وتشريعات واضحة سيساعد على تخفيف الازدحام والحد من الحوادث المرورية، خاصة وأن الازدحام غالبا ما يسبب توترا للسائقين ويؤدي إلى تجاوزات خطيرة لتعويض الوقت الضائع. ومن المنتظر أن يناقش مجلس الحكومة هذا الملف قريبا لوضع خطط جديدة بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية والاستفادة من الأساليب الحديثة في تنظيم المرور.

تعزيـز المسؤوليــة

تمحورت القرارات الرئاسية الأخيرة حول تعزيز المسؤولية المدنية في حوادث المرور، حيث لم يعد الأمر مقتصرا على شركات التأمين، بل أصبح السائق يتحمل مسؤولية مباشرة عن تصرفاته، خصوصا عند ارتكاب مخالفات جسيمة مثل تجاوز الإشارة الحمراء أو السير في الاتجاه المعاكس أو التسبب في حوادث تؤدي إلى إصابات أو وفيات.
كما طبق -يفيد الخبير- هذا المبدأ على المؤسسات الاقتصادية ووسائل النقل، التي تحاسب هي الأخرى في حال إهمالها لشروط السلامة المرتبطة بالسائق أو المركبة، وهو ما يعد خطوة تهدف إلى فرض الانضباط والحد من الفوضى على الطرقات.
وفي السياق نفسه، أوضحت الحكومة أن هذا القرار يندرج ضمن سياسة أكثر صرامة في متابعة القضايا المرورية، إذ سيلزم السائقون الذين يرتكبون مخالفات خطيرة بالمثول مباشرة أمام العدالة. ومن المنتظر أن يسهم هذا الإجراء في ردع السائقين المتهورين والتقليل من الحوادث والضحايا.
كما شدد الاجتماع على أهمية إخضاع بعض السائقين، خصوصا المتسببين في الحوادث المأساوية، لتحاليل دقيقة تشمل الكشف عن تعاطي المخدرات والكحول. ففي الوقت الحالي يقتصر الإجراء على تحليل الكحول فقط، بينما يمثل توسيعه ليشمل المخدرات خطوة أساسية للحد من المخاطر، خصوصا مع انتشار هذه الظاهرة بين بعض الفئات، وما يشكله الجمع بين السياقة وتعاطي الممنوعات من تهديد مضاعف على حياة السائقين والركاب والمارة.
وأضاف امحمد كواش أن تحديد المسؤوليات والمتابعات القضائية في حوادث المرور يظهر عند ثبوت تقصير بعد التحقيقات الأمنية والإحصائيات، حيث تحمل المؤسسات المكلفة بإنجاز الطرقات المسؤولية في حال وجود عيوب أو نقاط سوداء، كما تُساءل مدارس تعليم السياقة إذا تبين أن ضعف التكوين لدى سائقيها كان سببا في الحوادث. وتعد هذه الإجراءات خطوة إيجابية للحد من التجاوزات وضمان الشفافية سواء في منح رخص السياقة أو في إنجاز الطرقات.

دور مؤسسات المراقبة التقنية

وقال الخبير إن التحقيقات التي تلت بعض حوادث المرور أظهرت أن هناك مؤسسات للمراقبة التقنية لها علاقة بالحادث، من خلال السماح بمرور مركبات غير صالحة للاستعمال مثل الحافلات التي تسير بعجلات ملساء أو بنظام كبح ضعيف، ورغم ذلك تكون محاضرها سليمة. هذه الممارسات تجعل تلك المؤسسات مسؤولة أمنيا وقانونيا، لأنها طرف أساسي في حماية الأرواح وضمان سلامة المركبات.
ومن جهة أخرى، شدد الاجتماع الخاص بقطاع النقل، وبتوجيه من رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، على ضرورة تعزيز دور أجهزة الأمن في مراقبة الطرقات. وقد تم التركيز على مصالح الدرك الوطني لتكثيف نقاط المراقبة الثابتة والمتحركة لضبط المخالفين والحد من السلوكيات المتهورة.
كما دعا الخبير إلى الاعتماد على وسائل تقنية حديثة مثل الرادارات، الكاميرات، والسيارات والدراجات المموهة لمتابعة المركبات ورصد المخالفات بدقة. ويهدف هذا التوجه إلى تشديد الردع وتطبيق العقوبات الصارمة، باعتباره حلا فعالا للحد من حوادث المرور التي باتت تشكل خطرا كبيرا على المجتمع.
وختاما، أكد الخبراء في مجال النقل أن الجمع بين التقنيات الحديثة وتشديد العقوبات، إلى جانب التوعية المستمرة للسائقين والمواطنين، يشكل استراتيجية متكاملة لتعزيز السلامة المرورية، فالتزام الجميع بالقوانين واحترام نظام المرور لن يحمي الأرواح فحسب، بل يساهم أيضا في تنظيم حركة المرور وتحقيق بيئة آمنة ومستقرة للجميع.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19861

العدد 19861

الخميس 28 أوث 2025
العدد 19860

العدد 19860

الأربعاء 27 أوث 2025
العدد 19859

العدد 19859

الثلاثاء 26 أوث 2025
العدد 19858

العدد 19858

الإثنين 25 أوث 2025